الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

مساءات محمد العلي

غرقتْ الخارطةُ بالرمل، فكانَ على الجهات أنْ تستنشقَ البوصلة. نخيله قريبٌ كسراج الرضاعة، وبعيدٌ كشهادة غيمةٍ في جفاف الملّة. أسترجعُ ارتباكي أمامَ شراسة عينيه اللتين تنتظران المساءَ بفارغ الأسْر. كأنه لا يرغب في الحديث عمّا جرى في عدَن يناير 1986، كما كان يفعل البارحة. وشيئاً فشيئاً، تقفز إلى عينيه أنهارٌ أليفة، يكون أولها نهرُ معين بسيسو، الذي لم يمضِ على وفاته، وحيداً في فندق لندني، سوى عامين، يقرأ له نصاً يشبهما، ثم تنهالُ الحكايات. حين تكون في الثلاثين من عمرك، وتكون مفعماً بحالة «الماء» الذي لن يعصمك منه إلا إشارةٌ تقودكَ لنخيل «العمران» بالأحساء، ستقيّدُكَ الأسئلة: لِمَ ابيضّتْ ستائرُ صوتِكَ؟ لماذا تمطرُ كلُّ شمس بك؟ في ذلكَ الحديث، تعرفتُ إليَّ. بعدَه، التقينا. كانَ المساءُ قد حلَّ كثيراً. استرقتُ عينيه المجهدتين، وسطَ الدهشةِ االمعتادة للمحيطين بِصَمْتِه، فوجدتهما تسترقان عينيَّ: - هل قرأتَ روايتي؟ - هذه ليستْ رواية، إنها طاعون. اطمأنتْ سفينتي بهذا الداء، وبدأتْ تمخرُ عبابَ الطوفان، بين غرقى قد غرقوا، وغرقى سيغرقون. [email protected]