الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

مقبرة حسابات «الشبكات الاجتماعية»

مقبرة حسابات «الشبكات الاجتماعية»

وكالات

هل تساءلت يوماً ما الذي يحدث لحسابات التواصل الاجتماعي للشخص بعد وفاته؟ بافتراض أن شبكات مثل «فيسبوك» وتويتر ولينكد إن وإنستغرام وغيرها سوف تستمر في الحياة والشهرة والانتشار، إلا أن المؤكد أن عدداً منا لن يكون موجوداً خلال السنوات المقبلة، ولكن ماذا سيحدث لمنشورات فيسبوك وصور السيلفي على إنستغرام؟

لسنا بحاجة للذهاب إلى المستقبل للتعرف على هذا الوضع، حيث توفي بالفعل العديد من المستخدمين النشطين لوسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت هذه الأسئلة التي تبدأ من كيفية تأكد المنصة من أن صاحب الصفحة قد رحل عن عالمنا، أو من له الحق في إدارة تلك الصفحة، أو ما الذي بمقدور المنصة أن تفعله، ناهيك عن المشاعر المختلطة التي ترتبط بوجود الشخص في العالم الافتراضي بينما هو في حقيقة الأمر قد رحل عن العالم، كما يحدث في كثير من الأحيان عندما تظهر صور أو منشورات أو ذكريات الراحلين أمام أسرهم وأصدقائهم ومحبيهم.

يرى جيد بروباكر، الأستاذ في جامعة كولورادو بولدر، كما صرح لصحيفة «يو اس آيه توداى» أن إدارة الحياة الرقمية بعد الوفاة شيء يجب أن يفكر فيه الناس جدياً ولكن الأغلبية لا تفعله، والمدهش أن هناك تجارة كاملة وبنية تحتية ترتبط بترتيبات ما بعد الوفاة بما في ذلك المقابر ومديرو الجنازات وغيرها، وهو ما يعكس تفكير المجتمع في الموت وترتيبات ما بعد الرحيل، إلا أن هذه الترتيبات والأفكار لم تمتد إلى المحتوى الرقمي خاصة بالنسبة حسابات التواصل الاجتماعي، وربما يؤدي هذا الأمر إلى العديد من المواقف المؤلمة.



من منا لم يواجه أحد هذه المواقف؟ تخيل مثلاً أن يأتي يوم عيد ميلادك وأثناء الاستعداد للاحتفال يعرض «فيسبوك» بشكل مفاجئ بعض منشورات الذكريات التي تضم أحد الراحلين، بما يستتبعه ذلك من صدمة للمستخدم وذكريات مؤلمة، أو ربما يقترح عليك «لينكد إن» تهنئة زميل بمناسبة ذكرى العمل، لتأتي هذه التهنئة بعد ساعات من تعرضه لأزمة قلبية قاتلة، هذه المواقف ليست فقط محرجة، ولكنها أيضاً مؤلمة للغاية.


ولكن هذا الأمر لا يعني على الإطلاق أن المستخدمين يرغبون في إخفاء جميع السجلات الاجتماعية المرتبطة بالراحلين، أو محو هذه الذكريات، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في رد الفعل العنيف الذي واجهته شركة «تويتر» عندما أعلنت خططها لإغلاق بعض الحسابات غير النشطة بما في ذلك حسابات المتوفين، رفضت الغالبية هذا الاقتراح وأعلنوا الرفض بوضوح ما جعل تويتر تتخلى عنها.

وكتبت الشركة على حسابها الرسمي: «لقد استمعنا إلى أصواتكم حول تأثير خططنا على حسابات الراحلين، كان هذا خطأ من جانبنا، ولن نحذف أي حسابات غير نشطة حتى نجد وسيلة جديدة لتخليد حسابات الراحلين».

هذه القضية جعلت شركات التواصل الاجتماعي تضع العديد من القواعد المختلفة التي يمكن بها التعامل مع حسابات المستخدمين الراحلين، شركة «لينكد إن» على سبيل المثال أطلقت خدمة تخليد حسابات الراحلين على المنصة، والتي تتضمن مستويين من التعامل مع الحساب، الأول يتعلق بأقرباء الراحل وسيكون عليهم تقديم الوثائق الرسمية التي تثبت العلاقة.

أما المستوى الثاني، فهو إتاحة الوسيلة للأقارب والمعارف لإبلاغ الشركة بأن صاحب الحساب قد توفي، ليتم التحقق من هذا الأمر ووضع إشارة «راحل» على صفحة صاحب الحساب أو حذفه بطلب من الأسرة، وتقول المتحدثة باسم «لينكد إن»، إن هذه القضية من أكثر الموضوعات حساسية لمستخدمي المنصة، ونرغب في أن نتأكد من معاملة حساب أي عضو متوفى باحترام.

الأكثر من ذلك، أن الشركات بدأت في إتاحة الفرصة للمستخدم لتقرير ما سيحدث لحسابه بعد رحليه، بحيث لا يترك هذا الأمر للأصدقاء والعائلة، بل يمكن لأي مستخدم أن يتخذ إجراءات فورية مباشرة تحدد الطريقة التي يتم التعامل بها مع حسابه بعد وفاته.

بالنسبة لفيسبوك مثلاً، يمكن أن يطلب المستخدم حذف حسابه نهائياً بعد الوفاة، أو يمكن تعيين «جهة اتصال» تكون هي المسؤولة عن إدارة الحساب الذي سيتم تخليده بعد الوفاة. ويمكن لهذا الشخص بعد ذلك إدارة مشاركات التكريم في ملف التعريف التذكاري عن طريق تحديد من يمكنه مشاهدة هذه المنشورات أو المساهمة بمشاعره الخاصة. يمكن لهذا المسؤول أيضاً الرد على طلبات الصداقة وحذف المشاركات وإزالة العلامات «التاجز» عن المشاركات.

وكما هي الحال مع أي متعلقات أخرى تتركها وراءك، ضع في اعتبارك أن المسؤول عن إدارة الصفحة قد يصل إلى محتوى لم يكن متاحاً له في الأصل. ومع ذلك، ووفقاً لما ذكرته «فيسبوك» فإن ما لن يراه هذا الشخص هو رسائل الإعلانات التي نقر عليها المستخدم عندما كان على قيد الحياة أو إعدادات الأمان والتخصيصات، والصور التي قام بإعدادها ولكن لم ينشرها، ويمكن لأي مستخدم تفعيل هذا الخيار من خلال الدخول على إعدادات «فيسبوك» واختيار «إعدادات الذكرى» ثم اختيار العناصر التي يرغب في تفعيلها.

أما إذا لم يحدد المستخدم رغبته في مستقبل الحساب قبل وفاته، فإن أفراد العائلة سيكون من حقهم طلب إزالة حساب العضو الراحل، ولتنفيذ هذا الأمر سيتعين عليهم تقديم دليل الوفاة، بالإضافة إلى وثائق صلة القرابة وتأكيد الأحقية في تقديم هذا الطلب مثل التوكيل أو شهادة الميلاد أو الوصية وغيرها من الوثائق القانونية.

وبالمثل، يمكن لمستخدمي خدمات غوغل ضبط الإعدادات لوقف نشاط الحساب بعد وفاة صاحبه، أما في حالة عدم التحديد فإن هناك حدوداً لما يمكن أن تفعله الشركة بالحساب كما تقول غوغل عبر موقعها: «ندرك تماماً أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يرحلون دون ترك تعليمات واضحة حول كيفية إدارة حساباتهم على الإنترنت، ويمكن للشركة أن تتعاون مع أفراد الأسرة المباشرين، أو ممثلي صاحب الحساب لإغلاق حساب شخص متوفى عند الحاجة لذلك، ولكن لا يمكننا تقديم كلمات المرور أو غيرها من تفاصيل تسجيل الدخول، وسوف تتم المراجعة المتأنية لأي طلب يتعلق بحساب شخص متوفى قبل اتخاذ القرار». وتتشدد غوغل في هذا الأمر لدرجة أن الحصول على بيانات شخص متوفى من غوغل قد يتطلب حكماً قضائياً.

أما بالنسبة لسناب شات وتويتر فإن إعدادات الخصوصية التي حددها المستخدم لا يمكن تغييرها بمجرد إحياء الحساب، إلا أن هناك بعض الخيارات التي يمكن التعامل معها بعد وفاة المستخدم مثل تقديم التعازي وحتى المساعدة في حذف الحساب دون وجود خيارات إضافية أخرى.

وبغض النظر عن الخيارات التي تتيحها شركات التواصل الاجتماعي للتعامل مع الحسابات الاجتماعية بعد الوفاة، فمن المؤكد أن حياتنا الرقمية ستبقى لمدة أطول من حياتنا المادية، والمثير في هذا الإطار أن دراسة قام بها مجموعة من الأكاديميين في جامعة أوكسفورد توصلت إلى أنه خلال خمسين عاماً المقبلة ربما سيمتلك «فيسبوك» عدداً من الأعضاء الراحلين أكثر من الأحياء، وهو الأمر الذي يجعل الاهتمام بمصير الحساب بعد الموت مسألة أكثر أهمية من أي وقت مضى.