الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

محمود محيي الدين: 5 تريليونات دولار سنوياً كلفة التحول للطاقة الجديدة

قال ممثل مصر والمجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية، ووزير الاستثمار المصري الأسبق، الدكتور محمود محيي الدين، إن كلفة التحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة تراوح بين 4 و5 تريليونات دولار سنوياً.

وأكد في حوار مع «الرؤية» أن الجائحة، والأمن السيبراني، وتغيرات المناخ، وتحديات الزراعة والغذاء والديون والتضخم والبطالة، هي أهم التحديات التي تواجه العالم، موضحاً أن «اللايقين» العدو الأكبر للأعمال والاستثمار والتجارة وصنع السياسات، وأن المستثمر والمحلل بحاجة إلى مصادر كثيرة عالمية وإقليمية ومحلية، لتكوين صورة صحيحة. وعبّر عن أمله في ألا تؤدي الموجة الرابعة للديون العالمية إلى أزمة كبرى في الاقتصاد، داعياً قمة العشرين إلى ضخ استثمارات ضخمة فعلية بالدول النامية.

وشدد على أن السبق بإصدار العملات الرقمية لم يعد ذا أهمية، مشيراً إلى أن المهم هو جودة الإصدار وأمانه وسهولة النظام، ولفت إلى أن المعادن النادرة ستظل تلاحقنا في الأخبار لأهميتها ومسؤوليتها عن «التضخم الأخضر».. وفيما يلي نص الحوار:


- ما أصعب التحديات أمام الاقتصاد العالمي؟ وما نصيبنا كعرب منها؟


أرى أن أهم تحدٍّ أمام الجميع هو الـ«لا يقين»، فهو أكثر خطورة من أي خطر، لأن المخاطر يمكن حساب احتمالاتها أو التحوط منها بقدر معقول، لكن مع الـ«لا يقين»، فالتوزيع الاحتمالي المعقد لوقوع حدث أو تقدير أبعاده، يجعل من الصعب جداً على الحكومات، أو الشركات، أو الأفراد، قياسه أو وزنه.

- قمتا كوب 27 وكوب 28 في مصر ثم الإمارات كيف تنجحان؟

أول طريق النجاح دراسة القمم السابقة، وبعضها نجح كقمة باريس 2015 رغم انسحاب ترامب من اتفاق باريس، وربما كان ذلك سبباً في اهتمام ملايين من الناس حول العالم بالاتفاق، وبعضها فشل مثل قمة كوبنهاجن، وبعضها لم يترك أي ذكرى. وتاريخ وقدرات وخبرات مصر والإمارات مشهود في استضافة قمم عالمية من هذا النوع، وعلى أعلى مستوى، لكن الأبعد هو النجاح في صياغة التزامات واقعية ومحددة وآلية مقبولة وقوية للمتابعة والتنفيذ، وظني أنه لا حاجة للعالم بمعاهدة جديدة للمناخ فاتفاقية باريس كافية، والباقي هو الالتزام الخلاق والأمين.

ونحن نعرف أن تغيرات المناخ من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (الهدف رقم 13) وبالتالي وجب العمل في القمتين على دفع كل التدابير التمويلية والتكنولوجية والاستثمارية والفنية بهذا الاتجاه، واستلهام ما جرى في قمة وارسو، وفى باريس أيضاً، بشأن تلبية احتياجات الدول التي لم تكن سبباً في تلوث المناخ، حتى يكون للبلدين، مصر والإمارات، ذكرى طيبة في تحقيق هدف ضبط معدل زيادة الاحترار عند 1.5 درجة، وتحقيق الحياد الكربوني.

منتدى دافوس والمخاطر والفرص

- منتدى دافوس بات أكثر عناية بإظهار المخاطر من عرض الفرص.. ما دلالة ذلك؟

هناك عناية متزايدة بالفعل، بكشف وعرض ومناقشة وتحليل المخاطر، وقد رأينا تقريراً للمنتدى منذ وقت قصير، عن المخاطر العالمية عموماً، وآخر عن الأمن السيبراني، لكن المنتدى يصدر أيضاً تقاريراً عن الفرص، ويتتبع تطورها وهو أول من صاغ تعبير الثورة الصناعية الرابعة، ويبين كل حين الفرص الضخمة التي تتولد منها، مثل منتجات وتطبيقات ومنصات واستثمارات في الكيمياء الحيوية والذكاء الاصطناعي.

عصر الأرقام

- هل تتأثر أنماط الاستثمار المباشر مع اشتداد الميل إلى الحمائية مرة أخرى جراء كورونا وتداعياتها؟

الناس في لغط.. هل نشجع الاستثمار العام أم الخاص، الكبير أم الصغير، الأجنبي أم المحلي؟ الموضوع أبسط من ذلك، وفى عالم فيه تطور رقمي مثير وابتكارات بلا توقف، فنوعية الاستثمارات التي تتماشى مع ذلك ستكون متداخلة وفارقة. نعرف أن عصوراً بالكامل تُسمى وفقاً للإنتاج السائد أو المدخلات الأساسية، من هنا رأينا العصر الحجري، الذي انتهى ليس لانتهاء الحجر، ولكن لابتكار أدوات أخرى أكثر صلابة أو أقل كلفة أو أكثر فاعلية، أو كل ذلك، فجاء عصر النحاس والبرونز والحديد، وتطورت الزراعة ثم تطور التصنيع وتحولت الطاقة.

عصرنا عصر الأرقام وقواعد البيانات الكبيرة، نفط جديد ومختلف، فسعر البترول مرتبط بالندرة، لكن البيانات تبرز قيمتها بزيادتها وكيفية استخدامها، النقاش هنا سيجبر الجميع على تجاوز الحمائية أو الانفتاحية، والدخول في الاستثمار من منظور تحقيق أعلى قيمة مضافة، ويحقق تنويع واستدامة ومنافع لعموم الناس وتنافسية قوية، وحسن استغلال لكل الإمكانات وتحقيق العدالة في الفرص. وفى تلك الحالة سيكون هناك فرص للجميع، وسيتوقف الجدل حول الإزاحة والمزاحمة بين العام والخاص.

ارتفاع أسعار النفط

- هل تؤدي أسعار النفط المرتفعة حالياً إلى تراجع في العناية بتنويع الاقتصاد في الدول الخليجية المنتجة؟

الدول الخليجية تعلمت دروساً عدة خلال العقود الماضية، من الصدمات الإيجابية، مثل ما بعد 1973، لكن تنويع الاقتصاد طريقه ما زال طويلاً، وتحكمه ظروف موازنة كل بلد، وقدرتها على تحمل أسعار عند مستوى أدنى معين، مع الإنذار الأول السلبي بدأت دول الخليج بتأسيس صناديق سيادية بعد أن كان هناك صندوق وحيد بالكويت، وتوالت الصناديق وأصبح لها توجه إقليمي أو عالمي، وأصبحت أشبه بشركات إدارة أصول أو أذرع استثمارية ضخمة بالخارج واستفادت من تجربة صندوقَي سنغافورة والنرويج، والأخيرة تعتمد على النفط بقوة.

رد الفعل التنويعي الثاني كان ضخ استثمار ضخم في البشر من تعليم وصحة وبعثات للخارج شرقاً وغرباً واستقطاب كفاءات، وأصبحت الخبرات الوطنية الخليجية العائدة تقود العمل في مجالات متقدمة وتخصصية كثيرة الآن.

العصر الرقمي

- وما مدى تفاعلها مع العصر الرقمي؟

هناك تحدٍّ ثلاثي أمام الإنسان منذ نشأ، يتمثل في احتياجه إلى الغذاء والماء والطاقة، ثالوث مرتبط وبالتالي فأخطر التحديات هي تلك التي تؤثر على هذا الثالوث، وقد تغيرت بالطبع أساليب توفير وإدارة وتوزيع تلك الاحتياجات عبر العصور، ولذا فرد الفعل التنويعي الثالث بالخليج هو تعويض صعوبة الاعتماد على الذات في جوانب من حجم القوى العاملة، والغذاء، والماء، بالتوسع في مجال الاستثمار في مجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وهذا الطريق سيستمر.

- الأصول المشفرة تعددت وما زال الجدل حولها يتصاعد.. فما رأيك؟

هذه أصول ذات مخاطر عالية جداً.. ولكن الحرية تقول إنه لا يجب الحجر على أحد بشأن كيفية التصرف في ماله.. فمن يريد أن يستثمر فيها فهو وشأنه، لكن يجب أن يكون على علم تام بطبيعة هذا الأصل، ولا يدعو غيره إلى القيام بذلك، إن «البلوك تشين» أو سلسة الكتل التي يقوم عليها تعدين العملات المشفرة، تكنولوجيا مفيدة جداً في جوانب أخرى من الحياة، كالتوثيق والحفظ الآمن جداً للمعلومات، حيث هي لامركزية، وبالتالي فإن مخاطرها متدنية، أقول ذلك لأن البعض يتهمني بأنني أقف ضد التكنولوجيا بتنبيهي الدائم إلى مخاطر الأصول المشفرة.

- متى يقال إن عام كذا هو عام العملات المشفرة والرقمية الرسمية أي التي تصدرها البنوك المركزية؟

الدلالة الأهم هنا ليست الزمن.. أي ليست هذا العام أو ذاك، ولكن رأينا في العامين الماضيين كيف أصدر بنك مركزي في البهاما عملة رقمية وتبعه بنك نيجيريا، وكيف تقوم الصين بتجريب عملة رقمية في عدة مقاطعات، وأوروبا تحاول منذ فترة، وقد أسس بنك التسويات الدولية في سويسرا معملاً لاختبارات قياس كفاءة منظومة إصدار عملة رقمية.. في دول الخليج هناك تشاور مع دول شرقية وغربية في هذا الاتجاه، ولم يعد السبق ذا أهمية، والمهم هو جودة الإصدار وأمانه وسهولة النظام.

المعادن النادرة

- المعادن النادرة أصبحت عنواناً دائماً في الأخبار تقريباً.. لِمَ؟

هي وعوامل أخرى وراء ما أسميه «التضخم الأخضر».. وأصل القصة أنه منذ تم تحويل تغيرات المناخ من قضية فنية إلى سياسة، وخاصة مع ترامب، وانسحابه الشهير من اتفاق باريس 2015، تسرع البعض للتحول من استخدام موارد طاقة تقليدية إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، لكنه اكتشف عدم جاهزيته للتعامل مع ظروف لم تكن على البال، كارتباك سلسلة الإمداد الراهن، فعاد إلى ما هو أسوأ أي إلى الفحم، وفعلوا ذلك قبيل قمة غلاسكو للمناخ بوقت قصير، وقد ارتفع سعر مزيج الطاقة بنسبة 80% في بعض الدول، بسبب هذا التضخم الأخضر، وجراء التكالب بشدة على الأنواع الجديدة من البطاريات ذات السعات التخزينية العالية للطاقة، والتي تستخدم فيها معادن نادرة، فارتفعت أسعارها.

وللعلم فإن ترامب كان قد استثنى المعادن النادرة من عقوباته الجمركية على الصين، لأن واردات أمريكا من الصين من تلك الأنواع تشكل نحو 80% من مجمل وارداتها، كما علمنا من وكالات الأنباء منذ فترة، وقدرة الصين على معالجة تلك المعادن أكثر تقدماً بكثير من أمريكا.

فالتكالب على معدات الطاقة الجديدة والمتجددة، سعياً للاقتصاد الأخضر، أدى هو أيضاً لارتفاع أسعارها، أي إن المعادن النادرة ستظل تلاحقنا في الأخبار من جهتين؛ أهميتها ومسؤوليتها عن التضخم الأخضر.