الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مالك بن نبي و«الكنوز المعطّلة»!

تتناول فئة ضئيلة من النخب الجزائرية في أحاديثها، المفكر مالك بن نبي، بمناسبة ذكرى وفاته يوم 31 أكتوبر، ورغم أنه كان يكتب بالفرنسية قبل أن تترجم كتبه للعربية، فإن حديث الفرانكوفونيين الجزائريين عن هذا المفكر يكاد يكون منعدماً.

وربما من سوء الحظ، ليس بالنسبة لمالك بن نبي، بل لمختلف الأجيال التي جاءت وستأتي، أن ذكرى وفاة الرجل تزامنت مع احتفالات الجزائريين بعيد الثورة في الفاتح من نوفمبر، خلافاً للمفكر المصلح عبدالحميد بن باديس الذي تُوفي يوم 16 أبريل، فاتُّخذ هذا اليوم في الجزائر «عيداً للعِلم» يتم فيه الحديث عن خصال الرجل وعن إنتاجه الفكري ودوره في الإصلاح والتحرر والدفاع عن الهوية.

أما فيلسوف الحضارة، مالك بن نبي، فلم يحظَ في الجزائر بالاهتمام اللازم، لا من قبل السلطات ولا من قبل رجال الفكر والثقافة والإعلام والأكاديميين. وقد ترك لميدان الثقافة والنهضة كنوزاً من المعرفة، لا تزال تنتظر من يفجر مكامنها ويضعها موضع التنفيذ.


فعشرات المؤلفات، جعلته في طليعة المفكرين العالميين الذين نظروا للنهضة والحضارة، ومالك بن نبي في تنظيره، كان فقيهاً بالعالم الإسلامي وبواقعه، لذلك جاء فكره مناسباً أكثر للنهضة. في كتابه «شروط النهضة» حدد ثلاثة شروط للتقدم والرقي، هي: الإنسان الذي ينبغي إعداده جيداً، التراب (يقصد المادة المتوفرة بكثرة في العالم العربي والإسلامي)، والوقت الذي يجب احترامه وعدم هدره، ثم ينبغي أن يتم صهر هذه الشروط في مركب أطلق عليه اسم «الفكرة الدينية»، باعتبارها المحرك، وقد بدأت عند العرب بنزول الوحي في غار حراء على الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- ومكّنت من بناء الدولة المجتمع. وكلما تخلى المسلمون، بصفة عامة، عن تلك العناصر، تراجعت النهضة وتوقفت الحضارة وفقدوا مكانتهم بين الأمم.


لقد ترك مفكر الحضارة، تراثاً كبيراً، ما زال صالحاً ليُتّخذ منهاج عمل وأسلوب حياة، على غرار «الصراع الفكري في البلاد المستعمرة» ينبه فيه المسلمين من اللهث وراء التفاهات بدل التركيز على الفكرة، وكذلك «المسلم في عالم الاقتصاد»، و«الفكرة الأفرو-آسيوية» وكأنه يريد منا إنشاء تحالف أو تكتل للمسلمين من «طنجة إلى جاكارتا»، وغيرها من المؤلفات التي لا تزال «كنوزاً معطلة» تحتاج لتفعيلها من قبل النخب والحكومات ومختلف الجامعات.