السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

مدينة إنترنت.. دون إنترنت!

روى رئيس سنغافورة الراحل لي كوان يو في سيرته الذاتية «من العالم الثالث إلى الأول»، أن مجلس التنمية الاقتصادية نجح في 1970 بإقناع شركة هيوليت باكارد (HP) لاختيار سنغافورة مقراً إقليمياً لها، واستقرت الشركة الأمريكية على موقع لمصنعها وطابقين علويين من مبنى مكون من 6 طوابق، لكن ذلك كان مرتهناً بزيارة السيد «هيوليت» الذي كانت له الكلمة الأخيرة.

قبل الزيارة تعطل محول الكهرباء الخاص بالمصعد في مبنى المكاتب، ولم يكن هناك محول بديل متوافر في المدينة، أو متسع من الوقت لاستيراد آخر من الخارج، فاقترح أحدهم مد كابل ضخم من المبنى المجاور ووصله بالمصعد، وفي يوم الزيارة استقل الضيف المصعد، ولم يضطر لأن يصعد 6 أدوار على السلالم، كانت الزيارة مثالية وأطلقت HP أعمالها في سنغافورة مستحدثة خلال 3 أعوام أكثر من 1800 وظيفة.

كنت قد سألت الراحل عن القصة حين حظيت بقضاء يومين معه عندما حل ضيفاً على دبي في 2007، فأجابني بأن الفريق المكلف درس شخصية الضيف بكل تفصيلاتها، وعكف على توفير كل ما يبهره، فالفشل لم يكن خياراً في تلك الصفقة!

الرؤى والإستراتيجيات وخطط العمل كلها مهمة، «لكن النجاح يحققه أناس عاديون.. لديهم تصميم غير عادي»

العزيمة ليست صفة أجنبية، والحادثة تقودني لتجربة مثيلة لها، هي مدينة دبي للإنترنت، حيث تم الإعلان عنها في أكتوبر 1999 مع تحديد أكتوبر 2000 موعداً لفتح أبوابها، وفي مساء الافتتاح، لم تكن شركة الاتصالات قد تمكنت من تفعيل خدمة الإنترنت بعد! يا للهول.. كيف لمدينة إنترنت أن تُدشَّن دون خدمة إنترنت؟


فريق العمل لم يهلع، بل استمر بهدوء وثبات في حفل الافتتاح وكأن شيئاً لم يقع، وأبدع في إبهار مئات الضيوف من رؤساء شركات الإنترنت والتقنية، الذين حضروا من جميع أصقاع العالم، وأتذكر عندما مررت مع مؤسس Hotmail، سبير باتيا، في مبنى المدينة الرئيسي، حيث استأذن أحد العاملين لاستخدام أحد حواسيب الموظفين لإرسال رسالة بريد إلكتروني، إلا أن الشاب اعتذر بكل لباقة متحججاً بأمن الشبكة!


لم يعلم السيد باتيا أن خدمة الإنترنت لم تكن توافرت في المدينة بعد، إذ تم ذلك في اليوم التالي، لكنه قضى تلك الليلة وهو يتغنى بما رأى من منشآت وأمن عال للشبكات يحاكي ما اعتاد عليه في وادي السيليكون، واليوم وبعد 21 عاماً من الواقعة، تحتضن مدينة دبي للإنترنت أكثر من 1600 شركة و21000 موظف!

الرؤى والاستراتيجيات وخطط العمل كلها مهمة، لكن كما يقول المتحدث التحفيزي هيلاري هينتون: «النجاح يحققه أناس عاديون لديهم تصميم غير عادي