في الحياة هناك أنماط تعجبني، تشدني بطبيعتها الديناميكية في طريقة تفكيرها وتعاملها مع الأمور التي تعترض حياتها، والتي يمكن أن تربك أي أحد منا.. يدهشني هذا النمط تحديداً.
حينما أجدني عاجزة عن تجاوز منعطف كبير أو صغير في حياتي؛ يستنزف طاقتي وأعصابي وتفكيري في الوقت الذي لا يستدعي الأمر مني سوى أن «أتجاوز» أو بالأحرى «أستغني» وحسب!
هذه الفئة المصقولة فكرياً ونفسياً وذاتياً وعاطفياً، تعرف كيف تُدير دفة حياتها بسهولة وبلا تلكؤ يعطلها عن مواصلة مسيرها.
قد يعتقد الكثير منا حينما يصادفها في حياته بأنها بلا مشاعر؛ كائنات مبرمجة تسير على قدمين، غير وفية لذاكرتها ولا لأي شيء في حياتها، بينما في حقيقة الأمر هؤلاء وحدهم من يجيدون ويعرفون كيف «يصّرفون» مشاعرهم ويديرون حياتهم بالشكل الصحيح.
أيضاً، تدهشني المرأة القوية، التي لا يمكن أن تنكسر بسهولة أو تستسلم للظروف أيّاً كانت، المرأة التي تشعرك بأن مفاتيح ذاكرتها ومشاعرها في يديها دائماً، ولا يوجد ما يمكن أن يوقفها مهما تعثرت؛ المرأة التي كثيراً ما تمنيت أن أكون هي في مواقف كثيرة، ولكن للأسف الكثير منا تغلبه هشاشته العاطفية، فيعجز عن مجاراة جانب القوة في شخص يستطيع أن «يستغني»، ويُسقط عن روحه ما يوجعه ولا ينحني طويلاً أمام بكائيات لا طائل من ورائها، فتجدها ترمح في دروب الحياة كالفرس الجامحة، لا تبدي انكسارها لأحد وإن كان في داخلها هشيماً، ولا تجد من يلملم شظاياها ويُربّت على كتفيها لأنها لا تكترث لهذه «الحاجة» وتمضي كأنها بلا حاجات فائضة!
أعود وأتساءل: من أين وكيف اكتسبت هذه القوة، لتجعلها تتجاوز وتكمل طريقها دون أن تلتفت وراءها؟!
الحقيقة هي أننا لن نكتسب القوة المطلوبة ونحن عاجزون عن الإقدام على خطوة «الاستغناء» عما يجعلنا محبطين ومنهزمين، لن نتقدم إلى الأمام ونحن غير قادرين على التخلي عن مآسينا وذاكرتنا الرمادية، أو الترفع عمن آذونا وأربكوا حياتنا، فلن نصمد طويلاً ولن نهدأ ولن نتقدم ما لم نتخل عن مجمل ما يجعلنا في قمة هشاشتنا!
ثقافة الاستغناء من القواعد الأساسية التربوية والمهاراتية، التي يجب أن نتقنها ومنذ نعومة أظفارنا، لكونها تعزز الاكتفاء والتجاوز في الحياة، كما أنها تقوّض نزعة الاستئثار والاستحواذ والأنانية لدى الإنسان، وتجعله أكثر مرونة في تجاوز متاعبه وعثراته ومقلقاته، وأكثر تحكماً في خياراته، وأكثر شجاعة في اتخاذ قراراته!