الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

صناعة السينما في مصر.. كثير من المهرجانات قليل من الميزانيات

صناعة السينما في مصر.. كثير من المهرجانات قليل من الميزانيات

مع بداية مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ43 والتي تضم في جعبتها أكثر من 100 فيلم تجمع بين المحلية والعالمية في أقسام مُختلفة، قفزت إلى السطح إشكاليات عديدة خاصة بالمهرجان السينمائي الرسمي والأقدم في مصر، على رأسها مسألة الميزانية، التي باتت في وضع المقارنة مع المهرجات الأخرى.

نصف ميزانية



رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، المنتج محمد حفظي، صرح كثيراً عن ضعف الميزانية، وقال إن المهرجان ما زال بحاجة لدعم أكبر وميزانية أكبر، مُؤكداً أن الميزانية الحالية تساوي بالكاد نصف ميزانية مهرجان الجونة، وأقل بكثير من مهرجانات سينمائية في المنطقة العربية.

وأشار حفظي إلى أن ميزانية مهرجان «الجونة» لا تقل عن 70 مليون جنيه، يضاف إليها الإقامة والفنادق، بما يعنى أن الميزانية الإجمالية تتجاوز 80 مليون جنيه سنوياً، أما ميزانية «القاهرة السينمائي» فلا تصل إلى 40 مليون جنيه.

مهرجانات جديدة



الحديث عن ميزانيات المهرجانات الكبرى، كالقاهرة والجونة، يأتي بالتزامن مع إعلان المخرج المصري إسماعيل مراد عن إطلاق مهرجان جديد تحتضنه محافظة بورسعيد المصرية مطلع العام المقبل 2022، يحمل اسم «سينما العالم القديم السينمائي»، ليُضاف إلى قائمة تضم عشرات المهرجانات موزعة على عدة مُحافظات مصرية، وربما لا يسمع كثيرون عنها، وتبقى معرفتها أو حتى الإشارة إليها على صفحات الجرائد المُهتمة بالسينما، وقد لا يعرف عنها جمهور المُحافظات الموجهة إليه أصلاً؟ فهل ضعف الميزانية السبب؟

الفكرة في التنوع

الناقد الفني محمد سيد عبدالرحيم، المدير الفني لمهرجان سينما العالم القديم، لا ينكر في حديثه مع «الرؤية»، أهمية التمويل في زيادة فعاليات المهرجان المٌختلفة، لكن في النهاية يبقى التمويل والحصول على رعاة مُشكلة عامة للجميع.

وقال عبدالرحيم، إن «الفكرة في التنوع»، وإن «مصر قادرة على تنظيم مئات المهرجانات»، لافتاً إلى أن العالم يحوي أكثر من 12 ألف مهرجان، تنظم في أمريكا لوحدها أكثر من 3000 مهرجان.

وعن مهرجان بورسعيد للعالم القديم، أضاف عبدالرحيم، «نُقدم سينما العالم القديم لـ3 قارات هي أفريقيا وآسيا وأوروبا، ونعمل على مهرجان نوعي، ولا يجب ربط نجاح المهرجان بالتمويل، الفكرة هي توظيف الإمكانات المُتاحة لتقديم السينما للناس في أنحاء مُختلفة من البلاد».

ورفض عبدالرحيم المُقارنة بين المهرجانات، فالطبيعي أن المهرجان يُولد صغيراً ويكبر، وأن حالات نادرة تكون العكس، مثل مهرجان الجونة، الذي «يتميز ميزانية كبيرة لأنه مهرجان خاص، ويتمتع بتمويل رجال الأعمال».

إثراء ثقافي



المُخرج أمير رمسيس، المُدير الفني لمهرجان الجونة، قال لـ«الرؤية»، إن المهرجانات تنقسم لنوعين، أحدهما يصب في مصلحة الصناعة نفسها، كالجونة والقاهرة، ونوع آخر مُخصص للجمهور لإثراء الحركة الثقافية داخل المدينة.

وأضاف رمسيس، أنه «لا بد من زيادة نسبة تلك المهرجانات، وأن تُقدم وزارة الثقافة لها الدعم المادي المٌقترن بنجاح المهرجان في تقديم عالم السينما للجمهور المُستهدف»، متمنياً «أن يدعم المُجتمع المدني مادياً إقامة تلك المهرجانات، وألا يقتصر هذا الدور على وزارة الثقافة فحسب».

وعن التمويل المادي اللازم لأفلام العرض الأول، يقول رمسيس «أفلام العرض الأول ترتبط بدور المهرجان في صناعة السينما»، ولا تقع على عاتق المهرجانات الإقليمية، فتلك المهرجانات موجهة لجمهور مدن معينة بإمكانات محددة.

الإدارة الجيدة



بدوره، تمنى الناقد الفني طارق الشناوي، في حديثه مع «الرؤية»، أن تتعدد المهرجانات السينمائية في مصر، لكن مع اقترانها بالإدارة الجيدة، فـ«عقلية إدارة المهرجان مهمة جداً لنجاحه».

وأكد الشناوي، أن «الميزانية مهمة، والجميع لن يستطيع الحصول على الميزانية التي يحظى بها مهرجان الجونة، لكن على الأقل لا بد من توافر العقلية القادرة على جذب رأس المال»، لافتاً إلى أن "فن إدارة الميزانية يُمثل 40% فقط من نجاح المهرجان، وتمثل الميزانية 60% من نجاح المهرجان".

وعن مهرجانات المُحافظات، يقول الشناوي: "المُشكلة أن جمهور المُحافظة نفسه قد لا يعرف بوجود المهرجان ولا يحضره، ونجاح المهرجان مُرتبط بحضور الجمهور، وإلا ما جدوى المهرجان دون جمهور وإن خُصصت له الميزانيات الضخمة".

فتش عن الإدارة



يرى الناقد السينمائي، علي الكشوطي، أنه على الرغم من أهمية الميزانية لنجاح المهرجان، لكنه يعتقد أنها ليست أولى الأولويات لنجاحه، مستشهداً بالنجاح الكبير لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير رغم أن ميزانيته صغيرة".

وأضاف الكشوطي، أن "الميزانية قد تؤثر في حضور صُناع الأفلام لعرض أفلامهم، خصوصاً إن كانوا في بداية طريقهم، فهم بحاجة للدعم المادي للاستمرارية في تقديم أعمال جديدة، ونجاح المهرجان مرتبط بإدارته واختيارها واستقطاب صناعها، وليس بالميزانية فقط، فربما تكون الميزانية قليلة، لكن إدارتها هو الأهم".

قصور الثقافة



الناقدة الفنية صفاء الليثي ترى أن نجاح المهرجانات ليس مُرتبطاً بالميزانيات الضخمة فحسب، ولكن لا بد من تنشيط الثقافة السينمائية داخل المُحافظات قبل الإقدام على إقامة مهرجانات بها، ويتم ذلك عن طريق قصور الثقافة.

وأوضحت الليثي، أنه "بعيداً عن ميزانية المهرجان لا بد أن يكون المناخ العام في المٌحافظة مُشجعاً لإقامة المهرجانات، ويتأتى ذلك عن طريق تنشيط دور قصور الثقافة، وفي كل الأحوال لا يمكن مُقارنة ميزانية مهرجان يقام في المحافظات بمهرجان القاهرة".

وتعتقد الليثي أن "تنشيط الحركة الثقافية والسينمائية في مدينة ما قد يشجع رجال الأعمال على تقديم الدعم المادي لإقامة المهرجانات، وهو ما يعود عليها بفوائد سياحية واقتصادية ويصب في خدمة المدينة بكل جوانبها".

خلق بؤر ثقافية

يرى الناقد الفني محمد حسين الشيخ، أن اجتذاب شرائح جديدة من الصناع والجماهير أمر مهم في صناعة المهرجانات.

وأضاف الشيخ أنه على الدولة أن تشجع المُبادرات المُستقلة في الأقاليم، وتحتفي بأعمالهم وتدعمهم خلال هذه المهرجانات، ومن الناحية الاجتماعية والثقافية تعطي الدولة بدعم تلك المهرجانات اعتباراً أكبر لمواطني المحافظات، وتقلل من هيمنة، بل وطغيان القاهرة ثم الإسكندرية على الثقافة، بخلق بؤر ثقافية محلية جديدة".

وتابع: "مهرجانات المحافظات تسمح بخلق منتجين وفنانين جدد، وكل ذلك لا بد أن تدعمه الدولة في البداية وتشجعه بالمال والدعاية، فالدعاية أساس من أسس نجاح أي منتج أو فعالية فنية، وبجانب الميزانية والدعاية لا بد أولاً من دعم الفنانين في الأقاليم وتنمية مهاراتهم؛ ويجب تعيين لجنة فنية متخصصة بكل محافظة للإشراف على الإنتاج ودعم المواهب الجديدة فنياً، ومراجعة أعمالهم لتحسين مستواها.

الهوية قبل التمويل



يعتقد الناقد رامي المتولي أن جدوى إقامة المهرجان وتميزه عن غيره من المهرجانات الأخرى أمر مُهم لنجاحه، إلى جانب أن الميزانية ليست شرطاً لنجاح المهرجان، فهناك مهرجانات صغيرة لكنها مؤثرة، مثل مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، أو الإسكندرية للفيلم القصير.

وأشار المتولي إلى أن قرار الدولة بعدم تمويل المهرجانات إلا بعد نجاح دورتها الأولى وجذب الرعاة، هو أمر مهم لتنظيم عمل تلك المهرجانات، «لأننا كنا قد وصلنا حالة من العشوائية»، وأي شخص كان بإمكانه الدعوة لفاعلية ليوم واحد ينظمها داخل «قاعة أفراح»، ويطلق عليها «مهرجان»، لكنها في حقيقة الأمر «سبوبة للتربح»، وبالتالي تقييد الدعم المُقدم من الدولة مهم لتقديم مهرجانات لائقة.

الميزانية والجمهور



أكد الناقد السينمائي ضياء مُصطفى أن الجمهور لا يهمه ما ينفق على المهرجان أو ميزانيته بقدر اهتمامه بالأعمال المقدمة، وفي نفس الوقت الميزانية مُهمة لجذب صُناع أفلام بصورة أكبر.

وتابع: "المهرجان وظيفته في الأساس تقديم خدمة ثقافية للمدينة المُقام بها، وتقديم خدمات لُصناع السينما بتطوير أفكارهم أو تقديم دعم مالي لاستكمال مشروعاتهم، وفي جميع دول العالم تتعدد المهرجانات داخل المدينة الواحدة".