الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

الاقتصاد الإبداعي في مصر.. استثمارات واعدة تدعمها بيئة محفزة

صفاء الشبلي

تشكل الصناعات الإبداعية رافداً مهماً في الاقتصاد المصري، حيث تُسهم بنحو مليار وربع المليار دولار من إجمالي الصادرات المصرية، وفقاً لتقرير UNCTAD الصادر عام 2018.

وتسعى مصر إلى زيادة الاستثمارات في هذا القطاع، عبر طرح مشروعات جديدة منها مشروع دراسة تطوير منطقة باب العزب بمنطقة القلعة، والذي يستهدف خلق بيئة محفزة لرواد الأعمال والمبدعين المصريين والأجانب، تمكنهم من تطوير منتجاتهم وعلاماتهم التجارية، حتى يتمكنوا من الوصول والمنافسة بها في الأسواق العالمية.

وبلغت التكلفة المبدئية لتطوير منطقة القلعة 2 مليار جنيه بحسب ما أعلنت هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

وتوقعت السعيد أن يخلق المشروع مئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لأبناء المنطقة المحيطة، وجذب الاستثمارات في مجال الصناعات الإبداعية المختلفة.

وأولت استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030) اهتماماً واضحاً بالصناعات الثقافية، فقد نص الهدف الأول في محور الثقافة على: "دعم الصناعات الثقافية كمصدر قوة للاقتصاد، فيما يعرف بالاقتصاد الإبداعي، أو الاقتصاد البرتقالي".

ويبقى السؤال ماذا ينقص أصحاب الحرف التراثية والمهن المُرتبطة بالثقافة لتطوير مواهبهم وحرفهم لتحويل الأفكار إلى سلع وخدمات ثقافية، وما هي التحديات التي تواجه الاقتصاد الإبداعي في مصر، وكيف يمكن حمايته بموجب قوانين الملكية الفكرية، وكيف يمكن وضع أطر له لخدمة الاقتصاد الرسمي، وماذا يمكن أن تُقدم الدولة لأصحاب المهن الإبداعية لتحفيزهم على الإبداع المُستمر؟

تحديات



ذكر أستاذ الملكية الفكرية الدكتور أحمد سعيد عزت أن المنتج التراثي التجاري أو الاقتصادي أو الاقتصاد البرتقالي، استمد اسمه من الحضارة الفرعونية بالأساس والتي كانت ترمز للثقافة باللون البرتقالي، والدولة المصرية حالياً تهتم بشكل داعم ومُحفز بالمُنتج التراثي الثقافي، وشاهدنا ذلك في اهتمام رأس الدولة بالمُنتجات التراثية في زيارة الرئيس الأخيرة في محافظة أسوان، حيث دعم بنفسه أصحاب هذه الصناعات.

ويتابع: "بدأت الدولة تولي اهتماماً كبيراً بتلك الصناعات متمثلة فيما توليه وزارة السياحة والآثار من اهتمام بالتراث المادي كالمزارات السياحية وغيرها، إلى جانب اهتمام وزارة التضامن والصناعة والتجارة بتنظيم معارض كتراثنا وديارنا وغيرها".

لكنه يعترف بغياب الاهتمام بالتراث الثقافي غير المادي والذي يندرج تحته أكثر من نوع منها الأمثال الشعبية والعادات والتقاليد وغيرها، رغم ما قد ينتج عنه من دخل كبير للاقتصاد، وهذا بسبب قصور الرؤية الاقتصادية من إمكانية استخدام هذا التراث في التنمية المُستدامة، وتحقيق أرباح منه.

غياب التشريع



يواجه الاقتصاد الإبداعي بحسب أحمد سعيد عدة عوائق أهمها غياب التشريع المعني بالاقتصاد البرتقالي، لأن التشريعات المصرية لم تول الاقتصاد الثقافي (الاقتصاد البرتقالي) أهمية في تحقيق التنمية المُستدامة، بالإضافة لتنازع اختصاص الجهات الإدارية تنازعاً سلبياً يؤدي إلى إهدار أهمية الاقتصاد البرتقالي، بمعنى أن كل جهة تترك الأمر للجهة الأخرى، وهو ما منع وضع أطر تشريعية صحيحة له.

أما التحدي الثالث الذي يواجه الاقتصاد الإبداعي في مصر بحسب أحمد سعيد، فهو ضعف دور منظمات المجتمع المدني باعتبارها حلقة الوصل فيما بين المُبدعين الثقافين والجهات الحكومية.

وينوه: "هذا خطأ أتمنى أن يتم تداركه باعتبار أن عام 2022 هو عام منظمات المجتمع المدني حسبما أعلن رئيس الجمهورية، لكن منظمات المجتمع المدني تعرضت منذ 2015 لصدمات شديدة فيما يخص القانون المُنظم لها".

ويستطرد "إضافة لكل ما سبق لا بد أن تقوم الدولة بتنسيق العمل مع منظمات المجتمع المدني لتوفير البيئة الصالحة لتدريب الحرفيين، وتقديم الدعم الكافي لكبار الحرفيين لنقل حرفهم للشباب، فكل هذا سيؤدي لتوسيع مجال استمرار تلك الحرف ومنع انقراضها".

وتابع: "الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية باعتبارها إحدى منظمات المجتمع المدني نشرت صناعة التلي ووثقتها وجهزت البيئة الصالحة لنقل هذه الحرفة من بعض سيدات تلك الصناعة إلى فتيات في عمر أصغر ووفرت الأدوات والخامات والمواد الخام لهؤلاء الفتيات، الأمر الذي أدى إلى ازدهار تلك الصناعة، وزيادة عدد المُتعلمات وانتشرت تلك الحرفة في الريف وهو ما وفر وظائف كثيرة وبالتالي باتت مصدر دخل يدر على الاقتصاد الرسمي للدولة، وهذا ما يجب أن يحدث في كل الحرف".

رؤية مصر 2030



قال الدكتور محمد عبدالدايم أستاذ الاقتصاد والمدير التنفيذي للمبادرة الوطنية لتشغيل الشباب «كياني»، ومؤسس إحدى المبادرات الأولى من نوعها لدعم الشباب في مجال الصناعات الإبداعية: "أسسنا أول مبادرة لتنمية الشباب أصحاب المشروعات ذات الصلة بالاقتصاد الإبداعي بالتعاون مع وزارة الثقافة وتمويل الاتحاد الأوروبي، ببرنامج خاص لدعم أصحاب المهن الإبداعية".

ويُتابع "مصر تحتاج لوضع استراتيجية محددة لخدمة الاقتصاد الإبداعي، الذي أرى أنه مُتفرق بين جهات حكومية عديدة، وهذا ما دعاني لإطلاق المبادرة والتعاون مع وزارة الثقافة في سبيل دعم الشباب لتقديم سلعهم الإبداعية ووضع أسس لتطويرها، والموهبة هي الأساس ثم يأتي التسويق وتحويل الحرفة لاقتصاد وصناعة ثقافية، ورؤية مصر 2030 تتحدث على أن الثقافة تُشارك في الناتج المحلي وتشكل قيمة مضافة للاقتصاد".

3 عناصر



يضع أستاذ الاقتصاد في حديثه مع «الرؤية» 3 عناصر تخدم الاقتصاد الإبداعي في مصر هي: البحث العلمي ورؤوس الأموال والأهم جودة الإنتاج، وهي أهم عناصر نجاح الاقتصاد الإبداعي.

ويشرح «وجود مركز بحثي له علاقة بالاقتصاد الإبداعي والصناعات الإبداعية أصبح ضرورة مُلحة، وكذلك إنشاء معاهد بحثية تخدم المبدعين والمُبتكرين».

وتابع: ولكي ندعم الصناعات الإبداعية المُختلفة لا بد من وجود رؤوس أموال مثلاً لدعم السينما أو النشر أو غيرها من الصناعات لتنميتها، فالاقتصاد الإبداعي هو أهم مورد في مصر، رغم عدم وجود إحصاءات محددة له لكن البعض يرى أنه قد يكون حجمه أكبر من الاقتصاد الرسمي.

نقص المعلومات



لكن أهم تحدي من وجهة نظر الدكتور محمد عبدالدايم يواجه الاقتصاد الإبداعي هو نقص المعلومات، فنقص المعلومات يؤدي إلى عدم وجود التخطيط الجيد، وبالتالي لا يوجد تخطيط سليم دون وجود معلومات ودراسات كافية.

ويشرح: «توافر معلومات مثلاً حول عدد التذاكر التي تبيعها السينما، أو عدد الكتب التي يتم بيعها خصوصاً مع وجود كتب يتم بيعها خارج السوق الرسمي بأسعار مخفضة وهي المعروفة بكتب (الرصيف) الأمر الذي يضر بصناعة النشر ويؤثر عليها وعلى الكتاب كسلعة ثقافية، ويؤثر على الكاتب والناشر وعلى النشر كله والذي يُعتبر الصناعة الثقافية الأقدم، كما أن تزوير الكتب وسرقة المحتوى الفني من التحديات المزعجة الأخرى التي تضر الاقتصاد الإبداعي في مصر بشكل كبير جداً، وهذا ما يحدث في سرقة الأفلام وقرصنتها».

ويلفت: "الكتاب المزور يتم بيعه بثلث ثمن الكتاب الأصلي، وبالتالي هناك ضرر كبير يقع على صناعة النشر، دون قوانين رادعة لحماية النشر، وفي المقابل يكسب المزور عشرات الأضعاف مما قد يكسبه صاحب الكتاب في الأساس".

انقراض حرف تراثية



يقول طلعت أرابيسك: «الأرابيسك من ضمن الحرف التراثية التي تقف على حافة الانقراض، ولذا لا بد من تضافر جهود الدولة للحفاظ عليها، حتى إن هناك عدداً كبيراً من الورش قد أُغلقت بوفاة أصحابها، ولعدم تدريب شباب جدد يحملون راية الحرفة، وأنا الوحيد من ضمن خراطي الأرابيسك، الذي أُشارك في معارض خاصة، رغم أهمية المُشاركة فإن البعض لا يُشارك في المعارض».

ويرى طلعت أن حرفته إحدى الحرف التراثية التي تدخل في إطار الاقتصاد الإبداعي، لذا لا بد من الدولة رعايتها وتقديم سبل الدعم لأهلها قليلي العدد أصلاً، وتعريف الشباب عليها من خلال الدعوة للمُعارض.

ويقول: "نشر الوعي بالحرف التراثية بين الشباب قد يدفع بعضهم إلى تعلم تلك الحرف التي لا تجد من يتعلمها وفي طريقها فعلياً للانقراض، وأنا شخصياً دربت أبنائي عليها ولكن ماذا بعد ذلك".

فتح أسواق جديدة



ويتفق معه في الرأي حنفي محمود فنان الخيامية الذي يعمل في المجال مُنذ أكثر من 40 عاماً، والذي يرى أيضاً أن حرفته قد تنقرض رغم أنها لا تقتصر على الرجال فقط بل يمكن للنساء أيضاً تعلمها، ورغم أنه يقدم ورشاً تدريبية مجانية حباً منه لحرفته، إلا أنه يرى أنه جهد فردي غير مُثمر إن لم تُساعد الدولة في حماية تراثها بتكثيف تلك الورش وجذب الناس للتعلم.

ويقول محمود: تساهم المعارض التي تُقيمها الدولة في فتح أسواق جديدة لأصحاب الحرف، وإن كانت أسعارها في بعض الأحيان مُرتفعة بالنسبة للبعض، إلا أن تحقيق هامش ربح مُناسباً وفتح أسواق جديدة أمام أصحاب الحرف أمر مهم.

ويُتابع «على الرغم أن ما نحققه من المعارض من ربح قد لا يكون كبيراً، لكنها مُهمة إذ تفتح لنا أسواقاً جديدة وتُعرف الجمهور بحرفتنا، ونتمنى أن تفتح الدولة أسواقاً جديدة لنا مع دول عربية بالمشاركة في معارض التسوق، مثل مهرجان دبي».

وأشار إلى أن حرفة الخيامية تخدم الاقتصاد المصري وتعرف بمصر دولياً، وهو ما حدث معه شخصياً ويشرح «سفير مصر في صربيا كان مولعاً بالخيامية وكان يأخذ الهدايا معه بكميات كبيرة، ومن هنا عرف المُجتمع الصربي هذا الفن، و ما تم بعد ذلك كان مُدهشاً بالنسبة لي حيث أصدرت صربيا طابع بريد يحمل صوراً لفن (الخيامية) وكُتب تحته (حرفة الخيامية) مصر».

ويتابع: هذا هو الدور الفعلي للقوى الناعمة التي تمتلكها مصر، وأهم الأدوار التي تقدمها تلك القوى لخدمة الدولة ككل وليس الاقتصاد فحسب، لذا ففتح أسواق جديدة دولياً وعربياً أمر مهم، والتسويق للحرف المصرية عن طريق سفاراتها في الخارج يسهم في زيادة دخل الصناعات الإبداعية.

التزام وتدريب مكثف



يرى مصطفى كامل مؤسس مبادرة «يلا على الورشة» أن رعاية الحرف التراثية أساسه التدريب المُستمر على الأقل لمدة 5 سنوات، ويجب على الدولة مُمثلة في وزارة الثقافة تقديم الدعم الكافي للمبدعين والمتدربين على حد سواء، لتحافظ على تلك المهن الإبداعية من الانقراض وهو ما يصب في خدمة الاقتصاد والدخل القومي.

ويتابع: "المهم أيضاً الالتزام من جانب المُتدربين، وتدريب طلاب المدارس الفنية والحرفية، وتنمية الحرفيين الأصليين مثل تدريبهم على فنون الخط العربي، ليستطيع وضع وجهة نظره الإبداعية وليس مجرد النقل من كتب تراثية أو أماكن تراثية دون وجهة نظر ذاتية نابعة منه".

ماذا يحتاج المُبدع؟



ويرى الفنان التشكيلي سمير عبدالغني أن الدولة بالفعل قد تُقدم جوائز للفنانين التشكيلين بصرف النظر عن قيمتها المادية، لكن هذا ليس ما يحتاجه المبدع، ويقول: بالنسبة للفنان التشكيلي يجب ألا تتعامل الجمارك مع الورق والفُرش والألوان بنفس القيمة التي تفرض على مُنتجات لا تدخل في مجال الإبداع، الأمر الذي يرفع قيمة تلك الخامات التي نستخدمها في أعمالنا لارتفاع جماركها، وهو ما يؤثر سلباً.

ويتابع "لا بد أن يكون هناك دعم لكل ما يحتاجه المُبدع لكي يستطيع شراء تلك الخامات والمُعطيات التي تمكنه من الإبداع، فكيف سيُبدع وهو لا يستطيع شراء ورق أو ألوان أسعارها عالية، فأدوات التحفيز أولها ألا تعاملنا الدولة كتجار".

ورغم أهمية الفن التشكيلي إلا أن عبدالغني يقول: إن الفنان التشكيلي بكل تاريخه يتحصل على معاش 80 جنيهاً فقط في الشهر الواحد عقب التقاعد، أي ما يوازي أقل من 6 دولارات، فكيف يمكن أن يُبدع أي فنان وهو لا يجد أي دعم؟!

ويستطرد: "كان قديماً يتم دعم الفنانين التشكيلين في المعارض، لكن الآن يدفع كل فنان مبالغ مالية نظير تأجير قاعة لعرض أعماله".ويتابع: «لا بد ألا ترفع الدولة يدها عن دعم الفنون والمهن الإبداعية والثقافية، وتقدم الدعم الكافي لأصحاب تلك المهن بما يسمح لهم بالإبداع، لا سيما وأن القطاع الخاص أصبح هو المُسيطر، وفي النهاية الدخل كله له، وليس للدولة، لذا لا بد من تحقيق التوازن، بحيث تساعد الدولة في الإنتاج الفني في كل الاتجاهات، وهذا ما حدث مثلاً في إنتاج فيلم المومياء الذي أنتجته الدولة، والذي أصبح علامة من علامات السينما وهي أحد أهم روافد الاقتصاد الإبداعي».

تكريم

من ناحية أخرى يرى عبدالغني أن الدولة يجب أن تكرم مُبدعيها بشكل مُستمر لتحفيزهم على الإبداع وبالتالي زيادة السلع الثقافية وخدمة الاقتصاد الإبداعي ويشرح: "الجائزة ليست في قيمتها المادية، لكن تقديم الجوائز التي بكل تأكيد ينتظرها المُبدع من دولته لا تتم بشكل كبير".

ويُضيف: "مثلاً جائزة النيل يتم تقديمها لمبدع واحد في العام، لذلك يحتاج المبدع إلى عشرات الأعوام لكي ينال التكريم، وهذا ما أدخل بعض المُبدعين في حالة من الاكتئاب، فلماذا لا تمد الدولة أذرعها المختلفة لتكريم المبدعين، نحن في حاجة لأفكار مبدعة وخارج الصندوق وفي الوقت نفسه غير مُكلفة لخدمة القطاع الثقافي كله".