الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

«انخفاض تاريخي مرعب» في منسوب نهر الفرات يهدد سوريا بالجفاف

لطالما أنعشت مياه الفرات بستان الزيتون الذي يملكه خالد الخميس في شمال سوريا، لكن منذ بداية العام، انخفض تدفق النهر وجفت مياهه على مساحة واسعة، فيبست أشجاره وبات من الصعب عليه حتى تأمين مياه الشرب لعائلته.

في قرية الرميلة في محافظة حلب شمالاً، يقول خالد (50 عاماً): «كأننا نعيش في صحراء.. حتى إننا نريد النزوح ونفكر بالهجرة لعدم توافر مياه للشرب أو لري الأشجار».

منذ أشهر، يحذر خبراء وتقنيون ومنظمات إنسانية من كارثة في شمال سوريا وشمال شرقها حيث يمر نهر الفرات، قد تهدد سير العمل في سدوده. إذ من شأن تراجع منسوب المياه فيها منذ يناير، أن يؤدي إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان، وبالتالي أن يزيد من معاناة شعب استنزفه نزاع دامٍ مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد.

بدلاً من الاهتمام بحقول الزيتون، يزرع خالد وسكان القرية اليوم الذرة واللوبياء على أرض جفت عليها مياه النهر. ويقول خالد الذي له من الأبناء 12 طفلاً «تسير النساء 7 كيلومترات لتعبئة قوارير مياه شرب للأطفال».

في المناطق المهددة بالجفاف والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، يتهم كثر تركيا بمنع المياه واستخدامها كسلاح ضد الأكراد الذين تعدّهم «إرهابيين»، الأمر الذي نفاه مصدر دبلوماسي تركي. وأعاد أسباب الجفاف إلى التغير المناخي الذي حذرت الأمم المتحدة في تقرير حديث من أنه سيؤدي إلى كوارث «غير مسبوقة» في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.

ينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مروراً بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقاً، وصولاً إلى العراق.

من تركيا إلى سوريا فالعراق، يغطي النهر 2800 كم. يلتقي في العراق بنهر دجلة ليُشكلا سوياً شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج.

«المنسوب الميت»

وفي سوريا، بني سدان أساسيان على نهر الفرات، هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي. ويغطي السدان 90% من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما.

ويحذر مدير سد تشرين منذ 13 عاماً حمود الحماديين من «انخفاض تاريخي ومرعب» في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه عام 1999.

ومنذ ديسمبر، تراجع منسوب المياه في السد 5 أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض فسيصل إلى ما وصفه الحماديين بـ«المنسوب الميت»، ما يعني أن تتوقف «العنفات بشكل كامل» عن العمل.

وعدا عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عدة عن العمل، وفق الحماديين، الذي نبّه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر. ويقول «نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية».

في سد الطبقة، تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالي 5 أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضاً.

وفي كامل شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة 70% لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، على ما يقول مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سوريا ولات درويش.

«الجفاف مقبل»

يعزو فيم زفينينبيرغ من منظمة «باكس» للسلام الهولندية غير الحكومية تراجع منسوب نهر الفرات في سوريا إلى مشاريع زراعية ضخمة وضعتها الحكومة التركية، كما فاقم التغير المناخي الوضع سوءاً.

ويقول زفينينبيرغ: «الجفاف قادم لا محال»، مشيراً إلى أن صوراً عبر أقمار صناعية تظهر «التراجع السريع في النمو الزراعي الصحي» في كل من سوريا وتركيا.

وقد حمل تقرير صدر الشهر الحالي عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة البشر و«بشكل لا لبس فيه» مسؤولية الاضطرابات المناخية التي ضربت العالم وتهدده أكثر وبينها موجات القيظ والجفاف.

وحذرت الأمم المتحدة من أن فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط.

وصنف مؤشر الأزمات العالمية لعام 2019 سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط.

«جوع وعطش وأمراض»

في ريف الرقة الشرقي، بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سوريا، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة، والمزارعين من جهة ثانية.

ويقول المهندس خالد شاهين الذي يعمل في سد الطبقة منذ 22 عاماً: «نحاول تخفيض كمية المياه التي تمر عبر السدود للخروج بأقل الخسائر الممكنة». ويوضح «إذا استمر الوضع على هذا الحال، من المحتمل أن نوقف توليد الكهرباء، وأن نغذي فقط المخابز والمطاحن والمستشفيات».

وعلى ضفاف بحيرة الأسد، ينهمك عمال بإصلاح مولدات كهربائية أرهقها ضخ المياه. يشكو المزارع حسين صالح العلي (56 عاماً) من قرية الطويحينة المجاورة من زيادة تكاليف ضخ المياه. ويقول: «أشجار الزيتون عطشة والحيوانات جاعت». ويضيف: «بعد انخفاض منسوب المياه لم نعد نتحمل مصاريف الخراطيم ومولدات سحب المياه».

باتت فترة قطع الكهرباء تلامس 19 ساعة يومياً في قريته، فيما مياه نهر يمر قرب قريته ملوثة. وكان أكثر من 5 ملايين شخص يعتمدون على النهر من أجل توفير مياه شرب نظيفة، لكنّ معظم المحطات التي كانت تتولى عملية تكرير المياه وتنقيتها أصبحت إما تعمل بتقطع أو توقّفت نهائياً.

والآن، يتحتم على السكان شراء المياه من صهاريج خاصة، تتم تعبئتها من نهر الفرات دون تنقيتها، في وقت تتراكم مياه الصرف الصحي ويزداد التلوث.

وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سوريا من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسبّبت مياه معامل الثلج الملوّثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين. ويختم العلي: «الناس مضطرة لأن تشرب من المياه الملوثة، وهو ما أدى إلى ازدياد الأمراض بين سكان القرية».