السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

خاص | جرائم مليشيا الحوثي «المسكوت عنها» في رمضان

خاص | جرائم مليشيا الحوثي «المسكوت عنها» في رمضان

الميليشيات الحوثية تواصل صناعة الموت رغم دخول الهدنة حيز التنفيذ.

رغم هدنة القتال الدائر في اليمن، لا يستنكف الحوثيون تنكيلاً بأبناء بلد كان يوصف ذات يوم بـ«اليمن السعيد»؛ فتتوارى خلف عيون الكاميرات مشاهد قتل وتشريد الشيوخ والنساء قبل الأطفال؛ حتى إن الجماعة الإرهابية المدعومة إيرانياً، لا تعترف بحُرمة شهر رمضان عند ارتكاب أبشع جرائم السلب والنهب، وفرض الجباية بأسلوب متوحِّش على أصحاب المحال التجارية، وسفن النفط في ميناء الحديِّدة؛ وتأبى بكل صلف إمداد منظمات الأمم المتحدة بخرائط الألغام المنتشرة في كل مكان. ويحول المقابل المادي - الذي يتقاضاه الحوثيون قسراً - دون وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين؛ ولا يتلقى سكان البلد المأزوم سوى جثامين أبنائهم يوماً تلو آخر، وهي ملفوفة برداء خسَّة الاعتقالات دون اقتراف ذنب أو إثم.

ولا ينعكس إرساء التهدئة بين المليشيات الحوثية والتحالف العربي بقيادة السعودية على الواقع اليومي لحياة اليمنيين حتى في شهر رمضان؛ فالحوثيون لا يوقفون أنشطة القمع التقليدية، ويواصلون صناعة الموت على حساب شعب سأم من الأساس مواصلة الحياة. وتهدف صناعة الموت بمنظور الحوثيين إلى الحصول على الأموال بأية طريق وفي كل مكان، وإذا كان وقف إطلاق النار قد جرى التوصل إليه تحت رعاية الأمم المتحدة تزامناً مع بداية شهر رمضان، فتحت الغطاء ذاته، فرض الحوثيون جباية على 18 ناقلة نفط دخلت ميناء الحديِّدة منذ استطلاع شهر الصيام، ووصلت قيمة الجباية المفروضة إلى مليارات الريالات اليمنية.

النفط والأدوية

وحسب معلومات تحصَّلت عليها صحيفة «وول ستريت جورنال»، دخل خزائن الحوثيين ما يقرب من 5.34 مليار ريال يمني، وهو ما يضاهي 138 مليون دولار، وذلك حصيلة مبيعات الحوثيين نفط 4 سفن فقط من بين 18 دخلت ميناء الحديِّدة خلال الأيام الأولى من شهر رمضان. وفيما وصف بأبشع صور استغلال وقف إطلاق النار في اليمن، لم تقف جباية الحوثيين عند بيع النفط فقط، وإنما طالت أيضاً بيع كميات هائلة من المساعدات الإنسانية والأدوية التي تتدفق يومياً على اليمن، أملاً في الوصول «مجاناً» إلى مستحقيها من أبناء شعب يئن تحت وطأة ظروف معيشية قاسية؛ فيتلقى الحوثيون شحنات المساعدات والأدوية، ويرهنون وصولها إلى الهدف المرجو بالحصول على مبالغ مادية طائلة.

ومع طلوع كل شمس، لا تتوقف جرائم المليشيات الحوثية، وفي المقابل لا تمل آلتها الدعائية التي تنعق من اليمن وإيران وساحات أخرى مأجورة، إطراب آذان «العالم المستنير»، وتسويق مزاعم منع قوات إقليمية وصول المساعدات الإنسانية إلى أهدافها. وعرج الحوثيون إلى تشغيل ماكينات جمع الأموال من اليمنيين عبر عمليات ابتزاز، تمثلت في فرض جباية أخرى على أصحاب المحال والمراكز التجارية في مختلف المدن، ومن ذلك على سبيل المثال جريمة الابتزاز والتهديد التي جرت فصولها في مارس الماضي بمحافظة إب، حين طافت العناصر الحوثية حول المحال والمراكز التجارية في المدينة، وطالبت التجار بدفع قيمة جباية جديدة، اعتاد المواطنون اليمنيون وصفها بجباية «إسقاط الصواريخ»؛ أما الحوثيون فيطلقون عليها «دعم القوات الصاروخية والمسيَّرات المتفجرة».

82 محلاً تجارياً

السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا لو رفض التجار اليمنيون التجاوب مع الحوثيين في دفع هذا النوع من الجباية؟ تتضح الإجابة سريعاً عند الوقوف على إغلاق 82 محلاً تجارياً، وتجميد نشاط 6 أسواق ومراكز مبيعات؛ فضلاً عن تلقي مئات التجار تهديدات بالاعتقال إذا أصروا على عدم دفع الجباية. ولا تتوقف جرائم الحوثيين في اليمن على جمع الأموال عن طريق فرض الجباية، إنما تتجاوز ذلك إلى لغة الدم أيضاً؛ ومن ذلك على سبيل المثال مواصلة الحوثيين الهجوم على محافظة تعز جنوب اليمن، واستهداف مواطني المدينة بأسلحة قنص متطورة، وهو ما أدى قبل أيام إلى إصابة امرأة تبلغ من العمر 50 عاماً في حي «عصيفرة» الواقع شمال مدينة تعز. ولم تتوقف هجمات الحوثيين على المدنيين في المحافظة ذاتها حتى قبل التوصل إلى هدنة خلال شهر رمضان، وإنما دارت رحاها باستخدام الصواريخ، والمدفعية، بالإضافة إلى استهداف النساء بأسلحة القنص. ولا تغيب جرائم الحوثيين من هذا النوع أيضاً عن محافظات مأرب، وصعدا، والجوف، والحديِّدة، وكان من بينها هجوم الحوثيين قبل أيام على مواقع الجيش اليمني في أكثر من مدينة، وهو ما اعتبره مراقبون خرقاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار؛ إلا أن منظمة الأمم المتحدة، حسب تقارير حقوقية، لم تتطرق إلى تلك الخروقات، ولم ترصدها وسائل الإعلام الدولية، لكن البيانات التي نقلتها منظمات حقوقية في اليمن، أكدت اختراق الحوثيين للهدنة 1.300 مرة خلال الأيام الثلاثة الماضية فقط.

مداهمة المساجد

ويضاف إلى رصيد الجرائم، مداهمة الحوثيين يوم العاشر من رمضان مركزاً لدراسة وتحفيظ القرآن الكريم في مدينة «ريمة»، وهي محافظة يمنية صغيرة تأسست عام 2004 وتتاخم محافظة صنعاء؛ وقامت العناصر الحوثية بنهب المكان وإضرام النار في محتوياته، وطالت ألسنة النيران مركز تحفيظ القرآن، ومكتبة صغيرة ملحقة به، ومسجداً، وكان مبرر الجريمة التي جرت فصولها في نهار رمضان، أن المسجد ومركز تحفيظ القرآن يتبعان التيار السلفي، وهو ما يخالف شريعة جماعة الحوثي الشيعية – الزيدية. وتنسحب الجرائم الحوثية على عديد الوقائع من هذا النوع في الماضي؛ فبعيداً عن الحرب الدائرة في اليمن، وفي محافظات ومدن يسيطر عليها الحوثيون، جرى إضرام النيران في عديد المساجد ومراكز تحفيظ القرآن لنفس السبب، وهو أن تلك المقار الدينية لا تنتمي إلى «تيار صحيح الإسلام».

يحدث كل ذلك بتحريض من إيران؛ وإذا لم يكن ما تقدم كافياً لإثبات الواقع المأسوي في اليمن «الذي كان سعيداً»، حسب تعبير تقارير دولية، فالواقع منذ أول أيام وقف إطلاق النار مع بداية شهر رمضان، اختزل عديد الجرائم المسكوت عنها في وسائل الإعلام؛ ففي محافظة لحج، وقبل 48 ساعة من حلول شهر رمضان، تلقت أسرة يمنية جثمان ابنها، الذي اختطفته المليشيات الحوثية قبل 4 أشهر من المدينة، وأودعته سجناً مجهولاً، وقامت بتعذيبه طيلة هذه الفترة. أما لماذا جرى اختطافه؟ ولماذا تم تعذيبه حتى فارق الحياة؟ فهي أسئلة لا يرد عليها الحوثيون، ولا تعرف أسرة القتيل جواباً لها. وفي مدينة عدن، داهم شخص ملثم قبل يومين منزل صحفي يمني، وهدد بقتل جميع أفراد الأسرة. أما في حضرموت، فقام شخص مسلح في ثاني أيام شهر رمضان بالسطو على مسجد وسرقة محتوياته.

دعم سعودي

ورغم بيانات تقرير منظمة الصحة العالمية WHO الصادر مؤخراً، والذي شرعت المنظمة التي أعدته منذ فترة في إمداد 18 ألف طفل يمني بالمواد الغذائية، فإن المنظمة تجاهلت الإشارة إلى مسؤولية الحوثيين عن تلك الكارثة، إذ يؤكد الواقع حسب صحيفة الـ«غارديان» البريطانية مسؤولية الحوثيين عن تجويع ما يربو على نصف مليون مواطن يمني؛ لكن تقارير الأمم المتحدة أشارت في الوقت نفسه إلى أن 17 مليون مواطن يمني يعيشون فعلياً في مجاعة، وأن ما يقرب من مليون مواطن باتت حياتهم مرهونة بتلقي مساعدات إنسانية من المواد الغذائية والأدوية.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، شرعت منظمة الصحة العالمية، بمساعدة الحكومة السعودية، وتحت إشراف الملك سلمان بن عبدالعزيز في تأهيل طواقم تابعة للمنظمة داخل 8 مستشفيات يمنية، وإمدادها بالأدوية والمعدات الحيوية لإنقاذ حياة المدنيين الذين يعانون خطر المجاعة؛ وبدأت الطواقم، حسب صحيفة الـ«غارديان» برعاية 18 ألف طفل تحت سن 5 سنوات. لكن تقرير الصحيفة البريطانية أشار في المقابل إلى وجود عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين، الذين ما برح الحوثيون يمنعون تلقيهم الرعاية الطبية والإنسانية اللازمة، بعضهم فوق وتحت سن الخامسة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من البالغين. ويمنع الحوثيون مراقبي الأمم المتحدة، ونشطاء المنظمات الحقوقية من التقاط صور تعكس الواقع الحقيقي في البلاد، ولا تسمح سوى بفرصة التقاط صور إيجابية حول الوضع الإنساني المتردي من الأساس في اليمن، وهو ما يزيد «بلادة وتجاهل العالم المستنير» إزاء الأوضاع القاتمة في هذا البلد المأزوم، حسب تعبير الـ«غارديان».

إقرأ أيضاً..تركي الفيصل للأمريكيين: تحملوا استهزاءاتنا الكوميدية «دعونا نضحك معاً»

خرائط الألغام

وقبل أيام فقط، طالبت 9 منظمات حقوقية مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن هانس غروندبرغ بممارسة ضغوطات على الحوثيين من أجل تسليم خرائط حقول الألغام التي نشروها في مختلف أنحاء اليمن. وفي الخطاب الذي تلقاه المسؤول الأممي، أعربت المنظمات عن قلقها إزاء حياة اليمنيين، واعتبرت تسليم خرائط حقول الألغام «بابا رئيسياً للسلام» في اليمن، وخطوة تضمن الأمن والاستقرار الحقيقي للجميع. لكن المنظمات الحقوقية الـ،9 وغيرها، بما في ذلك الأمم المتحدة يعلمون رفض جماعة الحوثي وداعمتها إيران لأية مبادرات، يمكنها نزع الهيمنة على اليمن بلغة السلاح والإرهاب.

وفي السياق يشير مقال تحليلي نشرته صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية إلى أن «الحوثيين أحالوا كامل الأراضي اليمنية إلى حقل ألغام كبير»، ورغم العمليات التي تجرى في هذا الخصوص، والتي نجحت عبرها منظمات دولية في إزالة عشرات الآلاف من الألغام، فإنه لا زالت توجد آلاف أخرى من الألغام والمواد المتفجرة، زرعها الحوثيون في كل ثقب بالأراضي اليمنية، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من المناطق المفخخة، ومنها بنايات مدنية، ومقار مؤسسات عامة في كل قرية أو مدينة اضطر الحوثيون للانسحاب منها. وتشير تقديرات موثقة إلى أنه خلال سنوات القتال الدائر في اليمن، لقى ما يقرب من 4 آلاف شخص مصرعه، وأصيب 6 آلاف آخرون نتيجة الاصطدام بألغام زرعها الحوثيون في عديد المناطق اليمنية، فضلاً عن إعاقة العمل في مساحات زراعية شاسعة، ويدور الحديث حول مئات الآلاف من القرى التي تجمَّدت فيها تماماً حركة الزراعة نتيجة حقول الألغام الحوثية، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى تفاقم أزمة نقص المواد الغذائية بشكل كبير في اليمن.