الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

زاوية عمياء | الاتفاق النووي مع إيران يهدد مصالح روسيا

زاوية عمياء | الاتفاق النووي مع إيران يهدد مصالح روسيا

تصنع حالة من اليأس في التفكير الاستراتيجي لدى طهران

كلفة الغاز الإيراني أقل وأقرب لدول منطقة اليورو

موسكو لا ترغب في دولة نووية على حدودها الجنوبية

ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها على المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا، خاصة أن فشل التوصل إلى تسوية سياسية بين واشنطن وموسكو بخصوص أوكرانيا قد يدفع الثانية إلى منع إيران من تقديم تنازلات؛ وهو الأمر الذي استغلته حكومة طهران فعلياً في مماطلاتها، الرامية إلى انتزاع اتفاق يتناغم ومصالحها. وإزاء ذلك، توقع خبراء إبرام صفقة بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا، تندرج بها تسوية للملف النووي الإيراني، لا سيما أن روسيا لا تطمح في وجود دولة نووية على حدودها الجنوبية.

تهديد المصالح الروسية

يقول الدكتور محمد بن صقر، رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية بالرياض، إن إيران تسعى دائماً لاستغلال الخلافات الدولية لتحقيق مصالحها الخاصة، منوهاً بأن هناك حالة من انعدام الثقة المتبادلة بين الجانبين الروسي والإيراني، لافتاً إلى أنه حتى إن أظهرت روسيا دفاعاً عن طهران، لكنها تعتبر دخول إيران في المنظومة الدولية تهديداً لمصالحها الخاصة، الأمر الذي تعيه إيران جيداً؛ خاصة المصالح الاقتصادية المتعلقة بسوق الغاز، نظراً لاعتبار إيران من أكبر الدول المنتجة للغاز، ما قد يترتب عليه مستقبلاً استبدال الغاز الروسي بنظيره الإيراني في القارة الأوروبية، خصوصاً أن كلفة الغاز الإيراني أقل؛ فضلاً عن قربه إلى بعض دول منطقة اليورو.

وأشار بن صقر إلى أن التصريحات الإيرانية تحاول استثمار الخلاف الغربي حول أوكرانيا، مؤكداً أنها ستظهر ذلك بشكل أوضح حال تم غزو أوكرانيا فعلياً من جانب القوات الروسية؛ وربما تحاول طهران الوقوف بصورة واضحة ضد العمل الروسي، منوهاً بأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يولون أهمية كبيرة لإنهاء الملف الإيراني للتركيز على القضية الروسية؛ وهو ما انتبهت له روسيا بالفعل، وشرعت في عرقلة التفاوض مع إيران للوصول إلى نسخة جيدة من الاتفاق النووي، حتى وإن أطلقت تصريحات تتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق منذ بداية الجولة الأولى للمفاوضات.

ولفت بن صقر إلى أن ذلك يظهر توجه روسيا نحو رفع سقف التوقعات وخلق حالة من اليأس في التفكير الاستراتيجي لدى إيران؛ منوهاً إلى إمكانية إبرام صفقة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى حول أوكرانيا، تتضمن تسوية للملف النووي الإيراني.

دول نووية على الحدود

بدوره أشار دكتور نبيل رشوان، المتخصص في الشأن الروسي، إلى أن روسيا لا ترغب في وجود دولة نووية على حدودها الجنوبية، في إشارة إلي إيران، لافتاً إلي أن موسكو تتفق مع السياسات الغربية في ضمان أمن إسرائيل، لا سيما أنها لا تدعم طموحات إيران النووية.

وأضاف أن مسار الأزمة الروسية مع أوكرانيا يختلف عن مسار الاتفاق النووي، إذ إنه رغم التعاون بين روسيا وإيران، إلا أن هناك خلافات بين الجانبين، منها على سبيل المثال: رفض موسكو تزويد إيران بصواريخ مضادة للطائرات S-400، نظراً للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. في المقابل، رفضت إيران منح روسيا قاعدة جوية على أراضيها؛ فضلاً عن أن الوجود الإيراني في سوريا غير مريح بالنسبة لروسيا، ويصيبها بالحرج نتيجة استمرار القصف الإسرائيلي لأهداف إيرانية في سوريا. واستبعد رشوان إقدام روسيا على اجتياح أوكرانيا، منوهاً إلى أنه حتى إذا غزت روسيا أوكرانيا، فلن يؤثر ذلك على مسار الملف الإيراني.

من جانبه، رأى الدكتور كميل ساري، أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة سوربون، أن التصعيد في الملف الأوكراني قد ينطوي على تبعيات إزاء الملف النووي الإيراني؛ لكن تلك التبعيات ستكون محدودة للغاية؛ ولفت إلى أن الولايات المتحدة لديها إرادة ومصلحة للخروج باتفاق نووي في فيينا. وأضاف ساري: «إيران تراقب إرادة الإدارة الأمريكية خلال الأزمة الأوكرانية، لاستقراء مدى استمرارها في استخدام السياسات الإمبريالية وفق تعبير الإيرانيين».

وخلص الدكتور ساري إلى أن واشنطن تلقي باللوم على إدارة ترامب لانسحابها من اتفاق 2015، وترى أن هذا الانسحاب مكَّن الإيرانيين من التقدم في برنامجهم النووي؛ وأكد في الوقت ذاته أن التخوفات الإيرانية تمتد إلى التحسُّب من تقلبات محتملة في واشنطن، قد تنعكس بصورة مباشرة على تغيير القيادة خلال الانتخابات المقبلة، أو الانتخابات التشريعية، وهو ما يقلب الطاولة ويمنح الأغلبية للحزب الجمهوري داخل الكونغرس، وبالتالي يعوق ما جرى الاتفاق عليه.

وشدد كميل ساري على أن إيران تخشى بعد توقيع الاتفاق استمرار العقوبات، لا سيما أنه الملف الأهم بالنسبة لها، نظراً لأن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها تولد انتكاسات اجتماعية؛ منوهاً بأن البقاء في سجل المقاطعة أمر كارثي بالنسبة لإيران وشعبها، خاصة في ظل انهيار سعر صرف العملة الإيرانية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، بالإضافة إلى عدم القدرة على استيراد موارد أساسية، وشح اللقاحات؛ خاصة أن إيران لا تستطيع بيع النفط وفق الأسعار المتداولة في السوق نتيجة العقوبات؛ لذا عطلت المقاطعة النمو الاقتصادي في إيران إيران لعقود مضت.

وأكد أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة لديها مفتاح حل المفاوضات والوصول لاتفاق، وذلك عبر الإشارة إلى عدم التراجع مرة أخرى عن الاتفاق وفق ضمانات قطعية، بالإضافة إلى تحديد ضمانات لرفع العقوبات، حتى ولو بشكل تدريجي؛ لافتاً إلى إمكانية لعب روسيا دور الوسيط، وتحملها مسؤولية حماية الاتفاق، كونها ضامن موضوعي بالنسبة لإيران، وذلك عكس أوروبا التي تعد حليفة الولايات المتحدة.