الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

«دونيتسك» و«لوهانسك».. قصة جمهوريتين تشعلان فتيل حرب عالمية ثالثة

«دونيتسك» و«لوهانسك».. قصة جمهوريتين تشعلان فتيل حرب عالمية ثالثة

متظاهران مواليان لموسكو يحتفلان بقرار الاعتراف في شوارع دونيتسك. (رويترز)

«دونيتسك» و«لوهانسك».. جمهوريتان انفصاليتان باتتا تتصدران الأنباء منذ اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلالهما، مساء الاثنين، في تصعيدٍ خطيرٍ باتجاه اندلاع حربٍ يُخشى أن تكون عالميةً ثالثةً. ويدق إعلان الكرملين المسمار الأخير في نعش اتفاقيتي مينسك 1 و2 للسلام، بعد 7 سنوات لم تخل من التوتر الجيوسياسي وتراشق الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار.

ينظر الغرب لقرار بوتين نشر قوات عسكرية في المنطقتين بغرض «حفظ السلام» كضوء أخضر، وذريعة جاهزة تعد لها موسكو لغزو أوكرانيا. ووصف تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية خطاب الرئيس الروسي المطول، الاثنين، إلى الأمة، بـ«الغاضب». وركز التقرير على عبارة بوتين أنه «لم يكن لأوكرانيا دولة أصلية خاصة بها من قبل.. السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا».

تستند موسكو في موقفها إلى إرث استراتيجي يعزو الروابط التاريخية بين روسيا وأوكرانيا إلى القرن التاسع. والأهم أنها تعتبر أوكرانيا منطقة عازلة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تأسس عام 1949 لمواجهة حلف «وارسو» السوفييتي (المنحل الآن) والذي تأسس في حقبة الحرب الباردة، فلطالما قال بوتين إن توسع الناتو باتجاه الشرق يعد بمثابة خط أحمر للكرملين.

احتياطات فحم

تقع جمهوريتا دونيتسك (ستالينو سابقاً) ولوهانسك (فوروشيلوفغراد سابقاً)، المواليتان لموسكو، في حوض دونباس الناطق بالروسية في شرق أوكرانيا، ومنذ عام 2014، أصبحتا خارجتين عن سيطرة العاصمة الأوكرانية كييف.

ودونيتسك، هي المدينة الرئيسية في حوض التعدين بمنطقة دونباس، وأحد المراكز الرئيسية لإنتاج الصلب في أوكرانيا. أما لوهانسك فهي مدينة صناعية بالدرجة الأولى. واندلع الصراع بين القوات الأوكرانية والانفصاليين في هاتين الجمهوريتين قبل 8 سنوات، عقب ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم.

يُعرف هذا الحوض بأنه قوة صناعية كبيرة قائمة على التعدين وإنتاج الصلب، فضلاً عن احتياطيات كبيرة من الفحم. وتقول «واشنطن بوست» إنه منذ الغزو الروسي عام 2014 وضمها شبه جزيرة القرم، تم تقسيم الحوض إلى مناطق منفصلة تحت سيطرة أمراء حرب. واستولى الانفصاليون على المباني الحكومية والمناطق الصناعية الشرقية في دونيتسك ولوهانسك على الحدود الروسية، وأعلنوا «جمهوريات شعبية» جديدة. ومنذ ذلك التاريخ، تم عزل جيبي دونيتسك ولوهانسك إلى حد كبير عن أوكرانيا.

وبينما يرفض الغرب الاعتراف بالجمهوريتين الشعبيتين، ويتهم موسكو بإمدادهما بالسلاح، تؤكد روسيا أن هؤلاء المقاتلين متطوعون. وعليه، استمر القتال في شرق أوكرانيا بين الانفصاليين وحكومة كييف منذ عام 2014، ما أودى بحياة 14000 شخص، وتسبب في انكماش اقتصادي بالمنطقة، وفرار الملايين.

اتفاقيات منسيك

وفي عام 2015، تم التوصل إلى اتفاق مينسك 1 ثم 2 للسلام، بوساطة فرنسية وألمانية لإنهاء الصراع بين كييف والانفصاليين في منطقة دونباس المتنازع عليها. وبموجب الاتفاقية، منحت أوكرانيا المنطقتين وضعاً خاصاً وحكماً ذاتياً، مقابل استعادة السيطرة على حدودها مع روسيا. لكن الاتفاق لم يتم تنفيذه، وسط اتهامات متبادلة بعدم وجود نية لتطبيقه على أرض الواقع.

ويقود دينيس بوشيلين الذي انتخب عام 2018 في انتخابات ندّدت بها كييف، «جمهورية دونيتسك الشعبية» المعلنة ذاتياً. أما ليونيد باسيتشنيك فيرأس «جمهورية لوهانسك الشعبية» المعلنة ذاتياً أيضاً. وقتل العديد من أمراء الحرب والقادة الانفصاليين في السنوات الأخيرة في معارك متقطعة.

معركة ثقافية

تقع منطقة دونباس كذلك في قلب معركة ثقافية بين كييف وموسكو التي تؤكد أن هذه المنطقة، على غرار جزء كبير من شرق أوكرانيا، يسكنها ناطقون بالروسية تنبغي حمايتهم من القومية الأوكرانية.

التذرع بالهوية

وتقول «واشنطن بوست» إنه وفقاً لإحصاء جرى عام 2001، فإن أكثر من نصف سكان شبه جزيرة القرم ودونيتسك حددوا اللغة الروسية باعتبارها لغتهم الأم. لكنها اعتبرت أن ذريعة الهوية الإقليمية وكون الشرق الأوكراني يتحدث بالروسية «تبسيطاً مفرطاً» للواقع، مؤكدة أن كثيرين في الريف الشرقي لأوكرانيا يتحدثون مزيجاً من اللغتين الروسية والأوكرانية.

ويعود وجود ناطقين بالروسية في تلك المنطقة بشكل أساسي إلى إرسال عمال روس إليها بعد الحرب العالمية الثانية خلال الحقبة السوفييتية. وبحسب «واشنطن بوست»، فإنه في حوض دونباس، تريد الأغلبية عودة المناطق الانفصالية إلى أوكرانيا، في حين ترغب الأكثرية في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في الانضمام إلى روسيا.