الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

تحقيق | «عسكرة الغاز»... العالـم على أنابيب ساخنة (1-3)

تحقيق | «عسكرة الغاز»... العالـم على أنابيب ساخنة (1-3)

مشروع نورد ستريم 2 أبرز ضحايا التصعيد الروسي في أوكرانيا. إيه بي

التصعيد العسكري الروسي داخل أوكرانيا، أزاح الستار عن وجود سلاح دمار شامل بخلاف الأسلحة النووية. هذا السلاح رغم أنه قد يسبب خسائر تفوق نظيرتها في الموجهات العسكرية، إلا إنه لا يمكن للدول الاستغناء عنه. هذا السلاح يتمثل في الطاقة، وتحديداً في خطوط أنابيب الغاز التي تعبر الحدود بين الدول. التطورات التي شهدها خط أنابيب نورد ستريم 2، لا يمثل سوى قمة جبل الجليد الغاطس. فإذا كان الجميع يتحدثون عن أن العالم بعد الحرب الأوكرانية سيكون مختلفاً عما قبل الحرب، فإن استراتيجيات الدول في الحصول على الطاقة ستختلف أيضاً بعد هذا الحرب. من يضمن الاستحواذ على هذا السوق، أو السيطرة على خطوطه يضمن له موطئ قدم في أي قرار عالمي، بل وقد يصبح قطباً عالمياً ضمن الأقطاب الجديدة التي تتشكل على الخريطة الجيوسياسية. «الرؤية» تطرق أبواب هذا الملف الشائك على مدى 3 حلقات كاملة، في محاولة لفهم طبيعة هذا الصراع، واستشراف مستقبل «عسكرة الغاز».

«نورد ستريم 2»

أوروبا بين الاصطفاف مع الحلفاء أو « تأمين الطاقة أولاً»

| أمريكا تعتبرصادرات الغاز الروسية تهديداً لنفسها قبل الاتحاد الأوروبي

| الغاز الروسي يمنح ألمانيا فرصة أكبر للسيطرة على القرار الأوروبي


|«غولدمان ساكس»: أسعار الطاقة في أوروبا ستستمر في الارتفاع حتى 2025


| سعر الهيدروجين 7 أضعاف الغاز الطبيعي التحدي أمام الاستغناء عن الغاز الروسي


يمتد خط الغاز «نورد ستريم2»، تحت بحر البلطيق، من روسيا إلى ألمانيا متجاوزاً أوكرانيا، مع توقعات بأن تصل قدرته السنوية إلى 55 مليار متر مكعب سنوياً من خلال خط مزدوج يبلغ طوله 1230 كم، ما يجعله أطول خط غاز بحري في العالم.

الخط الروسي وضع أوروبا بين فكي الرحى، إما عبر الاصطفاف مع الحلفاء أو الالتفات إلى مصالحها الاقتصادية، لا سيما بعد أن دفعت الثمن إلى جانب روسيا عقب العقوبات الاقتصادية التي طالتها بعد ضم شبه جزيرة القرم.

اختلاف المواقف داخل منطقة اليورو بدأ يطفو على السطح، وظهر ذلك خلال الخطوات الأخيرة بين المجر وأوكرانيا، بعد أن أعلنت شركة غاز روسية عن تزويد المجر بـ4.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً ولمدة 15 عاماً بالالتفاف حول أوكرانيا، الأمر الذي انتهى باستدعاء السفراء بين الدولتين.

تحدي العقوبات

تحدت روسيا العقوبات الاقتصادية وأقامت خط الغاز «نورد ستريم2»، ومع الالتفاف الكامل حول أوكرانيا، أصبح التخوف الرئيسي الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، الأمر الذي ينظر إليه على أنه محفوف بالمخاطر، ورغم أن القلق الأمريكي يبدو في ظاهره أمن الطاقة داخل أوروبا إلا أن باطنه رغبتها في منافسة الدب الروسي على السوق الأوروبي الأكثر استهلاكاً للغاز في العالم، وتسعى للهيمنة على المنطقة عبر زيادة صادراتها من الغاز المسال التي لن تستطيع إيصاله في الظروف الطبيعية، نظراً لأن كلفته أعلى بكثير مقارنة بنظيره الروسي، لذا ترى الولايات المتحدة أن صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا عبر خط الغاز تهديداً لنفسها قبل الاتحاد الأوروبي.



ألمانيا المستفيد الأول

تنسجم مصالح ألمانيا مع خطوط الغاز الروسية، التي تحول أراضي المحيط الجرماني ( النمسا - ألمانيا - التشيك - سويسرا) إلى مركز تجمع لخطي غاز السيل الشمالي والجنوبي، ما يمنح ألمانيا فرصة أكبر للسيطرة على القرار الأوروبي. ورغم السعي الأوروبي لتنويع مصادر الغاز، وذلك من خلال تقديم إعفاءات للمشاريع التي من شأنها تقليل الاعتماد على روسيا، إلا أن ألمانيا تعد الطرف الرابح من المشروع، ولا سيما أنه يوفر عبوراً عاجلاً ومباشراً للغاز مع مضاعفة الإمدادات. ويبدو أن الضغوط الاقتصادية لم تعرقل عمل الكرملين، إذ إنه رغم التحذيرات الأوروبية عامة والألمانية خاصة حول قضايا حقوق الإنسان وضم القرم والحرب الأوكرانية، ظلت روسيا تمضي في قطارها نحو الأمام غير عابئة بالتهديدات، فيما يبدو ضماناً لأوراق اللعبة في يدها وأن رضوخ منطقة اليورو مسألة وقت قبل أن يضطر للموافقة على ترخيص «نورد ستريم2» واستقبال الغاز الروسي.

أوكرانيا الخاسر الأول

اعتبرت أوكرانيا خط «نورد ستريم2» سلاحاً جيوسياسياً خطيراً، وأن روسيا تسعى للسيطرة على أكبر اقتصاد في أوروبا عبر هذا الخط، وتعي أن روسيا أصبحت تتولى زمام الأمور بينما تفضل أوروبا الحفاظ على مصالحها الاقتصادية دون النظر إلى التأثيرات الجيوسياسية. وذهبت أوكرانيا إلى أن السلاح الوحيد لدى الولايات المتحدة، المتمثل في العقوبات أصبح بلا جدوى في مواجهة روسيا، ولا سيما أن الأخيرة بدأت نبرتها تتسم بالأمر الواقع بأن إعاقة المشروع المكتمل أمر غير وارد، في وقت تسعى روسيا لتوقيع عقود طويلة المدى تضمن بيع الغاز الروسي، لا سيما مع الاكتشافات المتتالية بما يحقق عائداً طويل المدى ويضمن تحييد الجانب الأوروبي في حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن احتمال ممارسة أي نفوذ على الكرملين أصبح مجرد تمنٍّ.

الولايات المتحدة

بدورها تعرب واشنطن عن قلقها العميق إزاء تضخم صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا، ورغم ذلك قرر بايدن رفع العقوبات عن الشركات المنفذة لخط «نورد ستريم2» بموجب اتفاقية أبرمها مع ألمانيا، التزمت خلالها الآخيرة بدعم كييف نحو التحول إلى الطاقة النظيفة لتعويض العائدات المفقودة، غير أن تلك الاتفاقية لم تكن ثقة في روسيا بل محاولة لإصلاح العلاقات مع ألمانيا لحشد دعم برلين في التسوية مع المنافسين الإقليميين إيران والصين.

أوضاع منطقة اليورو

وتوقع تقرير صادر عن «غولدمان ساكس» أن أسعار الطاقة في أوروبا ستستمر في الارتفاع خلال السنوات المقبلة وحتى 2025، في وقت تقول روسيا إنها مورد موثوق لأوروبا حتى في ظل الخلافات والتوتر، الأمر الذي يصعب معه الوقوف على أرضية مشتركة مع الحليف الأمريكي، لذا تنتهج أوروبا سياسة أكثر حذراً حول فرض عقوبات على روسيا إرضاء لأمريكا باعتبارها الخاسر الأكبر في الحالتين، وظهر ذلك جلياً خلال التباين في قرارات أوروبا وأمريكا المتعلقة بروسيا.

التحول للطاقة المتجددة

في السياق، قال خبير الطاقة، المهندس عماد غالي، إن تخلي أوروبا وألمانيا عن الغاز الطبيعي يواجه تحديات عديدة، منوهاً بأن خطة أوروبا الخاصة بتقليل الاعتماد على الغاز حتى 2030 تتطلب تطوراً تكنولوجياً هائلاً بما يضمن انخفاض أسعار الطاقة المتجددة مقارنة بأسعار الغاز الطبيعي.

وأكد غالي أن سعر الهيدروجين الأخضر يصل إلى 7 أضعاف الغاز الطبيعي، وأن تحقيق الاستراتيجية الجديدة بالتحول نحو الطاقة المتجددة تتطلب العمل بوتيرة متسارعة تضمن تطور الأدوات المستخدمة في صناعة «المحلل الكهربائي»، وبالتالي خفض الأسعار، لافتاً إلى صعوبة الاستغناء بشكل كامل عن الغاز الطبيعي، غير أنه يمكن التقليل من الاعتماد عليه، ولا سيما أن طبيعة الهيدروجين الأخضر تختلف عن الغاز من حيث طريقة الإشعال، والطاقة المنتجة من كل منهما.

وأشار إلى أن أوروبا تستخدم كمية هائلة من الغاز، أغلبها يأتي من روسيا، لذا ستعمد إلى بناء محطات غاز مسال، الأمر الذي يستغرق على أقل تقدير عامين، لذا فإن استغناء ألمانيا عن الغاز الروسي لن يكون بالسرعة التي يتصورها البعض، على سبيل المثال فإن طاقة الرياح تحتاج لقياسات مسبقة، ونظراً لأن أوروبا ليس لديها مساحات كبيرة من الأراضي، عادة تلجأ إلى البحر، الأمر الذي يستغرق مزيداً من الوقت، لافتاً إلى أنه ليس هناك سبيل سوى التطور التكنولوجي بما يضمن تخفيض أسعار الطاقة المتجددة لتصل إلى مستوى يقارب أسعار الغاز الطبيعي.

وبدوره أشار مدير المركز العالمي للدراسات التنموية ومدير وحدة البحوث الاقتصادية في المملكة المتحدة، دكتور صادق الركابي، إلى أن كثيراً من الشركات الأوروبية ساهمت في بناء الخط، وأن بعض تلك الشركات تواجه تعثراً في سداد الديون التي استثمرتها داخل المشروع. وأكد أن حال استمرار العملية العسكرية الروسية داخل أوكرانيا لفترة طويلة وتأثر إمدادات نوردستريم (الخط الأساسي الذي يمر عبر أوكرانيا) قد تضطر ألمانيا إلى تشغيل خط نوردستريم2، لافتاً إلى أن الاستغناء عنه بشكل كامل يهدد أحلام روسيا بمضاعفة أرباحها من بيع الغاز إلى الجانب الأوروبي.

وأضاف أن توقف نوردستريم2 يسبب خسائر على الجانب الأوروبي على المدى القصير، إذ يضطر إلى تحمل كلفة عالية وإيجاد بدائل مناسبة، غير أنه على المدى الطويل إذا ما نجحت أوروبا في تجاوز هذه الأزمة في مرحلة ما عبر تقليل الاعتماد على الوقود الاحفوري والغاز الروسي، فإنها بالتبعية تكون تحررت من احتكار روسيا لسوق الغاز في أوروبا.

«ترك ستريم»

المصالح تتصالح.. ملف الطاقة خارج نطاق التوجهات السياسية

| قدرته التصديرية من الغاز لا تتعدى ثلث قدرة نوردستريم2

| أكسب روسيا مزايا جمركية بالعمل خارج قواعد الاتحاد الأوروبي

| يحقق لأنقرة تفوقاً استراتيجياً ويعوضها عن إلغاء خط «ساوث ستريم»

| مستقبل المشروع غامض في ظل اختلاف الرؤى السياسية بين البلدين


بدأت روسيا بالبحث عن خطوط بديلة تسمح لها بتجاوز أوكرانيا، حيث أقامت تحالفاً مع تركيا عبر مد خط غاز «ترك ستريم» الذي بدأ تشغيله في 2019. واستطاعت روسيا من خلال الخط الجديد بث رسالتين: أحداهما لأوكرانيا بعدم قبول انضمامها إلى حلف الناتو، والثاني لأوروبا بأنها ستتعامل معها وفق شروطها الخاصة.

وأظهرت روسيا قدرتها على مواجهة العقوبات الاقتصادية، واتخذت من تباعد وجهات النظر بين تركيا وأمريكا معبراً لتعزيز التعاون الاقتصادي، وحرص كل منهما على إبقاء ملف الطاقة خارج نطاق الخلاف في الرؤي السياسية حول بعض القضايا الإقليمية، «التحالف الطاقي الجديد» يمكن أن تضاف إليه اكتشافات أخرى في البحر الأسود تعزز من قيمة «ترك ستريم» بما يشجع الدولتين على صياغة سياسات في مجال الطاقة وإعادة تصور تعاونهما في هذا المجال.

لماذا تركيا؟

الخط التركي الروسي يحاصر أوروبا في تشابك مزدوج، لذا فإن اختيار تركيا تحديداً له أبعاد استراتيجية مهمة، أبرزها أن تركيا تعد العضو الأوروبي الوحيد في الناتو غير المرغوب فيه بالاتحاد الأوروبي، إلى جانب كونها حليفاً استراتيجياً لروسيا، عكس الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أنه يعزز النفوذ التركي في المنطقة.

الدراسات لم تكن الجانب الوحيد المتجاهل، لا يزال مستقبل المشروع غامضاً في ظل اختلاف الرؤى السياسية بين روسيا وتركيا، خاصة في القضايا الإقليمية، الأمر الذي أوعز بإمكانية تحقيق مشروع «TANAP» (خط أنابيب الغاز العابر للأناضول يمتد من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا وصولاً إلى أوروبا، حيث يسمح بنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا للمرة الأولى بالإضافة إلى أنه يحقق حلم تركيا في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة) ومشروع «TAP» ( خط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي ينقل الغاز من اليونان عبر ألبانيا والبحر الأدرياتيكي ـ أحد فروع البحر المتوسط - إلى إيطاليا ومنها إلى غرب أوروبا) فرصاً أفضل في وصول الغاز لأوروبا عبر الممر الجنوبي لـ«ترك ستريم».

المكتسبات حالت دون الوقوع في الخلاف السياسي خلال الوقت الراهن، إذ اكتسبت روسيا مزايا جمركية كبيرة من خلال العمل خارج قواعد الاتحاد الأوروبي، وإنشاء خط مستدام لنقل الغاز الطبيعي عبر تركيا، بالإضافة إلى كون السوق التركي من أهم الأسواق للغاز الروسي، بالمقابل حققت أنقرة تفوقاً استراتيجياً على الدول الأوروبية في نقل الغاز وضمان استمرار الإمدادات الروسية من الغاز، بما يعوضها عن إلغاء خط الغرب «ساوث ستريم».



معارضة أوروبية

حاول الاتحاد الأوروبي مقاومة المشروع، وهدد في بداية 2019 باتخاذ موقف شبيه بالخط السابق -ساوث ستريم- عبر تطبيق قواعد «IEM - TPA» وشدد على أنه لن تكون هناك قواعد لسوق الطاقة الدولي في الاتحاد الأوروبي، غير أن تطبيق تلك الفرضية على «ترك ستريم» غير واردة، ولا سيما أن تركيا التي تعتبر ميناء لأوروبا لا تعد عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي، لذا من المثير للجدل إمكانية تطبيق تلك القواعد على الخط التركي الروسي، في وقت يرى خبراء في القانون الأوروبي أن توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن الغاز بما في ذلك تعديلاته في2017 لا يمكن تطبيقها إلا على خطوط النقل داخل أراضي الدول الأعضاء، ولا يمكن توقيعها على دول خارج الاتحاد أو مشاريع خطوط أنابيب الغاز البحرية.

اعتماد تركيا على الغاز الروسي

بينما يعزز مشروع «ترك ستريم» دور تركيا باعتبارها ممراً للطاقة، لا يزال شبح أوكرانيا يخيم على تركيا حال تشابهت الظروف خلال المستقبل، خاصة مع اعتماد الأخيرة بشكل كبير على روسيا في إمدادات الغاز، ما يعزز تلك الفرضية خلافات الرؤى السياسية القائمة بالفعل بين تركيا وروسيا حول بعض القضايا الإقليمية، بالإضافة إلى المنافسة داخل بحر قزوين، الأمر الذي يشكك في إطالة أمد العلاقات الايجابية بينهما، ويبقي السؤال، هل ستنجح المصالح في العبور بتلك الرؤى إلى أرضية مشتركة بما يضمن استقرار عبور الغاز من تركيا وعدم استبداله بمشاريع أخرى؟

مكاسب روسيا

الاختلافات الرئيسية في التوجهات السياسية للدولتين، لم تقوض شراكتهما الاقتصادية التي أُقيمت على مدى عقدين على أساس من الروابط التجارية والاستثمارية، وبدأت المكاسب المشتركة «تغمض عين» كليهما عن التوجهات السياسية. حيث يمكن حصر المكاسب الروسية في 6 نقاط: تغيير اسم المشروع من «نورث ستريم» إلى «ترك ستريم» بما يؤسس صورة وإدراكاً ايجابياً لدى الشعب التركي ويعزز التعاون بين الدولتين، والقدرة على الالتفاف على قواعد الاتحاد الأوروبي من خلال بيع الغاز الروسي عبر دولة خارج الاتحاد بدلاً من شحنه مباشرة من خلال أعضائه، منافسة الغاز الأذربيجاني في الممر الجنوبي خاصة بعد أن اكتسبت أذربيجان ميزة كبيرة في السوق الأوروبية من خلال تنفيذ مشروع «TANAP»، وتعزيز دور روسيا في البحر الأسود من خلال تنفيذ مشروع جديد للغاز الطبيعي، ملكية روسيا لمشروع يوفر الغاز للاتحاد الأوروبي تحت البحر الأسود تجعل روسيا لاعباً مهماً في اتفاقيات نقل وتوريد الغاز في المستقبل خاصة في ظل الاكتشافات المحتملة في البحر الأسود، وأخيراً، يضمن دوراً روسياً مهيمناً على سوق الطاقة الأوروبي.

مكاسب تركيا

اكتسبت تركيا عبر المشروع ميزة إضافية كممر للطاقة من روسيا إلى أوروبا، الأمر الذي لعب دوراً مهماً في تحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح مركزاً للطاقة، وضمان إمدادات من شأنها أن تعوض خسارة ما يقارب 16 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً عبر الخط الغربي الذي سينتقل العمل به بسبب تجاوز روسيا لأوكرانيا، وساهم المشروع في تنمية منطقة «كييكوي» التركية الواقعة على ساحل البحر الأسود - نقطة دخول الخط إلى تركيا، والقضاء على المخاطر المحتملة الناشئة عن وجود دول أخرى عبر إنشاء خط مباشر من المورد إلى العميل مباشرة، وأصبحت تركيا ممراً آمناً للطاقة إلى أوروبا من خلال المشاركة في خط «TANAP» بما يتيح لها نقل الغاز الأذربيجاني أيضاً إلى أوروبا. الأهم مما سبق أن المشروع يتيح فرصة دمج «حوض الطاقة» في أوروبا إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نقل الغاز الأذربيجاني عبر ربطه بخط «ترك ستريم».

تسييس الغاز

ومن جهته، قال مدير المركز العالمي للدراسات التنموية، ومدير وحدة البحوث الاقتصادية في المملكة المتحدة، دكتور صادق الركابي، إن تسييس ملف الغاز يضر بمصالح كافة الأطراف، سواء المصدرة أو المستوردة، لافتاً إلى إنه يهدد الاستثمارات في هذا القطاع ويرفع من درجة مخاطرها، بالإضافة إلى أنه يرفع كلفة التعامل بالغاز بما يهدد أمن الطاقة العالمي، مؤكداً أن الخلط بين الغاز والسياسة يرفع من الكلفة التي تتحملها التجارة العالمية بما يسهم في زيادة الأزمات والاضطرابات الاجتماعية، مشدداً على أنه ليس من مصلحة أي الأطراف استخدام الغاز ورقة ضغط سياسي باعتباره يزيد من حدة الصراعات بين الأطراف المتعاملة أو المستفيدة بما قد يتسبب في نشوب حرب بين تلك الأطراف، مشدداً على ضرورة التعامل مع الغاز بصورة تجارية في إطار عامل الاقتصاد.

وأكد أن القدرة التصديرية لخط غاز ترك ستريم التي تقترب من 16مليار متر مكعب سنوياً، لا تتعدى ثلث قدرة نوردستريم2، التي تصل قدرته التصديرية إلى 55 مليار متر مكعب سنوياً، الأمر الذي يبرهن على صعوبة أن يكون ترك ستريم بديلاً لنورستريم2، لافتاً إلى احتمالية مواجهة الخط التركي مشاكل قانونية من أوروبا تتعلق بالمسار الذي يمر عبر صربيا ( الداعمة لروسيا)، حيث تتجاهل أوروبا هذا الأمر في الوقت الراهن نظراً إلى حاجتها الملحة إلى كافة مصادر الطاقة.