الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

«توازن الرعب» ..زيادة الإنفاق العسكري يرفع مخاطر تراجع ألمانيا اقتصادياً

«توازن الرعب» ..زيادة الإنفاق العسكري يرفع مخاطر تراجع ألمانيا اقتصادياً

ألمانيا تمضي قدماً في زيادة مخصصات الإنتاج العسكري.

نجاة عبدالحق:رفع القدرات القتالية يرتبط بتغيير موازين القوى

فارس خطاب:استغلت فرصة الحرب لتطل برأسها على ساحة التسليح

عبدالمسيح الشامي:سباق التسلح مع روسيا «نتائجه كارثية»
أثار قرار ألمانيا الخاص زيادة الإنفاق على التسليح مخاوف من أن تفقد أكبر دولة أوروبية قوتها الاقتصادية التي أسهمت في رفع قيمة عملة الاتحاد الأوروبي بأكمله، هذا التخوف -رغم ظاهره الاقتصادي- يشمل بواطن سياسية وتخوفات من عودة ألمانيا «الهتلرية» بما يشكل تهديداً بالرجوع بالزمن الأوروبي إلى الوراء- ما قبل تشكيل الاتحاد الأوروبي- خاصة بعد خروج بريطانيا منه نهاية 2020.


خبراء أكدوا لـ«الرؤية» أن سباق التسلح مع روسيا ستكون له نتائج كارثية، خاصة أنه يؤثر على العلاقات الاقتصادية مع روسيا والصين والعالم أجمع، وأشاروا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد بروز قوة منفردة في الاتحاد الأوروبي هي ألمانيا ذات الميزان الاقتصادي المتطور للغاية، بالتوازي مع التطور العسكري.


وشددوا على أن زيادة الإنفاق العسكري تضيف أعباء إضافية على الحكومة الألمانية، ولا سيما أنه يأتي بعد 3 سنوات من أزمة اقتصادية عالمية سببها وباء كوفيد-19، وأوضحوا أن جدية ألمانيا في هذا التوجه تمكنها من الوصول إلى أهدافها في بناء القوة العسكرية خلال زمن قياسي.

مطلب أمريكي بالأساس

قال منسق العلاقات العربية - الألمانية بالبرلمان الألماني، عبدالمسيح الشامي، إن زيادة مستوى التسليح والإنفاق العسكري لألمانيا مطلب أمريكي بالأساس، لافتاً إلى الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب على دول الاتحاد الأوروبي عامة، ودول الناتو خاصة، لزيادة الإنفاق العسكري، منوهاً بأن الضغط الأمريكي آنذاك كاد يصل إلى صدام بين الطرفين، مشدداً على أن التمويل الألماني لا يعود على الجيش الألماني أو تمويل تتحكم به ألمانيا بشكل مطلق، بل ضمن إطار الناتو، بما يضع هذا التمويل الإضافي تحت إمرة الناتو.

وأكد أن الولايات المتحدة استطاعت أن تفرض على ألمانيا زيادة الإنفاق الذي طالما ماطلت في تنفيذه نتيجة الظروف الراهنة، ولا سيما بعد أن خلقوا لديهم «فزاعة» من روسيا، بالإضافة إلى التهديدات الأمريكية الواضحة بالتخلي عن ألمانيا ورفع مظلة الناتو عنها، الأمر الذي أظهر ضعف الموقف الألماني، وعجل من قرار أوروبا وألمانيا تحديداً بزيادة الإنفاق باعتباره الخيار الأمثل، مشدداً على أن هذا التوجه لا يغير من العقيدة العسكرية، أو السياسة، أو الاقتصادية للدولة الألمانية ولا الاتحاد الأوروبي، إذ رغم التوجه نحو زيادة الإنفاق العسكري، إلا أن القرارات والتوجهات في هذا الاتجاه ما زالت تسير على ذات النهج، مشدداً على أن سباق التسلح مع روسيا ستكون له نتائج كارثية، لافتاً إلى أن نتائجه السلبية تفوق الإيجابية، ولا سيما أنه يؤثر على العلاقات الاقتصادية مع روسيا والصين بل والعالم أجمع.

أعباء إضافية

وأوضح الشامي أن زيادة الإنفاق العسكري تضيف أعباء إضافية على الحكومة الألمانية، ولا سيما أنه يأتي بعد 3 سنوات من أزمة اقتصادية عالمية سببها وباء كوفيد-19، مشيراً إلى أن القرارات الأوروبية الجديدة الخاصة بتشكيل قوة عسكرية أوروبية قوامها 5000 جندي بمشاركة كافة دول منطقة اليورو يعد نواة لقوة عسكرية أوروبية قادمة في أوروبا مستقلة عن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، مستبعداً وجود شراكة بين القوة الجديدة والناتو مستقبلاً، مرجحاً تباعد القوة الأوروبية المشكلة تدريجياً عن حلف الناتو حتى تصل إلى مرحلة «فك الارتباط» على المدى الطويل، وتشكيل قوة أوروبية خاصة.

وأشار إلى أن القوة الاقتصادية لألمانيا تتفوق في أهميتها على القوة العسكرية، ولا سيما أن القوة الاقتصادية عصب الريادة للاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن الإنفاق العسكري يمكن أن يقلل مستوى التفوق الألماني الاقتصادي، خاصة إذا ما حاولت ألمانيا منافسة روسيا على سبيل المثال بما يحتاج إمكانات هائلة، وتابع: «روسيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها دولاً ذات حيثية عسكرية سياسية مختلفة تستهلك معظم ميزانياتها في التسليح»، غير أن ألمانيا وضعها مختلف لا تحتاج لكل هذا الإنفاق، مؤكداً أنه يأتي على حساب البعد الاقتصادي بلا شك، ولا سيما أن البعد الاقتصادي لألمانيا يعطيها قيمتها الحقيقة.

في السياق ذاته أشارت المتخصصة في الشؤون الاقتصادية الألمانية والأوروبية، دكتورة نجاة عبدالحق، إلى أن ألمانيا تأتي في المرتبة الرابعة اقتصادياً على مستوى العالم، والأولى أوروبياً، مؤكدة أن زخم ألمانيا يأتي من قوة اقتصادها بالأساس، لافتة إلى أن عدم دعم القطاع العسكري خلال السنوات الماضية أدى إلى تهالك قوامه الذي يصل إلى 180 ألف جندي، ولا سيما بعد تواجد قوات منها داخل أفغانستان حتى وقت قريب، مشيرة إلى أن التوجه الأوروبي عامة والألماني خاصة يرى ضرورة تعزيز القوة الاقتصادية بقوة عسكرية دفاعية، ولا سيما أن الاتجاه نحو العسكرة يرتبط بتغيير موازين القوى بعد انتهاء العملية الروسية في أوكرانيا.

صناعة السلاح

وأرجعت قدرة ألمانيا في الحفاظ على القوة العسكرية بالتوازي مع الاقتصادية إلى أسباب عدة أهمها: إن صناعة السلاح تعمل على ضخ أموال في صناعة السلاح الألماني التي تعد جزءاً من الاقتصاد الكلي، إلى جانب ازدهار الصناعات المكملة للسلاح، وأخيراً تعاضد ألمانيا مع غيرها من الدول الأوروبية رغم التوجه نحو شراء طائرات f35 الأمريكية دون غيرها من الطائرات الأوروبية الشهيرة سواء «اليورو فايتر» أو «الميراج»، مؤكدة أن صناعة السلاح تؤثر على الاقتصاد إيجابياً.

وقالت إن السبب في اختيار الطائرة الأمريكية يعود إلى قدرتها على حمل رؤوس نووية، إذ رغم عدم امتلاك ألمانيا سلاحاً نووياً، فإن لديها رؤوساً نووية أمريكية داخل قاعدة «رامشتين» جنوب غرب ألمانيا، لافتة إلى قدرة شركة إيرباص الفرنسية - الألمانية على تطوير طائرات تحمل رؤوساً نووية، إلا أن الأمر يتطلب موافقات أمريكية، مضيفة أن طائرات f35 قادرة على تشتيت الذبذبات الكهرومغناطيسية للرادارات، غير أن الخيارات العسكرية لا تخلو من مواءمات سياسية بحسب «نجاة»، إذ ترى أن ألمانيا ترغب في تحقيق التوازن بين أمريكا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، خاصة أنه سيتم شراء معدات عسكرية أخرى من داخل أوروبا دون الإعلان عن نوع الأسلحة وأماكن شرائها وفق اتفاق بين وزارة الدفاع، والاقتصاد، والخارجية، واللجنة الدفاعية بالبرلمان.

تحالفات مضادة

وأوضحت أن ألمانيا أعلنت زيادة حصتها داخل حلف الناتو لتصبح 2% نتيجة الظروف الراهنة، مشددة على اتجاه ألمانيا إلى تقليل الاعتماد على حلف الناتو والتوجه نحو تقوية ذاتها عسكرياً خاصة بالأمور الدفاعية وتوزيع القوة العسكرية في الداخل، إلى جانب المشاركة في القوة الأوروبية المشتركة، لافتة إلى أنه رغم الترحيب بقرار المستشار الألماني، أولاف شولتس، الخاص بإعادة هيكلة السياسة الأمنية، يحصل الجيش الألماني خلالها على دعم وتجهيزات وأسلحة بقيمة 100 مليار يورو، فإنه بدأ ظهور تحالف مكون من سياسيين، وأعضاء من المجتمع المدني، وحزب اليسار، والحزب الاشتراكي ـ حزب شولتس - يشكك في تأثير تلك المخصصات على الميزانية العامة، ويطالب بضمانات حكومية بعدم تأثر البنود الأخرى من الصحة، والتعليم، والبيئة، وخلافه، رغم تأكيدات المستشار الألماني أن المخصصات الدفاعية تأتي من صندوق خاص ولن تقترب من الميزانية.

شروط الحلفاء

يرى الباحث والمحلل السياسي من لندن، دكتور فارس خطاب، أن ألمانيا لم تتخلَّ عن تطوير آلتها العسكرية، غير أن خسارتها في الحرب العالمية الثانية والشروط الشديدة التي فرضها الحلفاء للاعتراف بالنظام الجديد المعادي للنازية قلص من إمكاناتها، لكن في حدود معينة، إذ منع ألمانيا من امتلاك أسلحة ذات مدى بعيد، أو تأثير جماعي، الأمر الذي ينطبق على أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة النووية وما سواها، لافتاً إلى أن هذا لم يمنع ألمانيا من صنع أسلحة ذات النمط التقليدي في الحروب التقليدية، والتي لا تشكل مصدر قلق للعالم وتحديداً أوروبا.

وأكد أن ألمانيا استغلت فرصة الحرب الأوكرانية لتطل برأسها من جديد على ساحة التسليح، لافتاً إلى أنها تعطي للعالم رسالة مفادها أنها تمضي قدماً في زيادة مخصصات الإنتاج العسكري وتطويره، مشدداً على أن جدية ألمانيا في هذا التوجه تمكنها من الوصول إلى أهدافها في بناء القوة العسكرية خلال زمن قياسي بحسب «خطاب».

وشدد خطاب على ضرورة استمرار ألمانيا على نهج التسليح لمواجهة ما أسماه «الفلتان» الناتج عن العملية الروسية في أوكرانيا، والذي ساهم في وضع أوروبا بين خيارات أشد مرارة، معتقداً ضرورة أن تمضي ألمانيا في طريقها بمساعدة فرنسا التي قد تضع عصا في عجلة التسلح على المدى القريب، لافتاً إلى أنه في حال انتهاء الحرب الأوكرانية وسعي دول أوروبية إلى إثناء ألمانيا عن توجهها التسليحي، فإنها لن تجد قبولاً من الجانب الألماني، معتقداً أن المرحلة المقبلة ستشهد بروز قوة منفردة في الاتحاد الأوروبي- ألمانيا- ذات ميزان اقتصادي متطور للغاية، لم يشهد أي تراجع منذ الحرب العالمية الثانية، بالتوازي مع التطور العسكري، مؤكداً أن ألمانيا لديها قاعدة علمية وخبرات خاصة بصناعة الأسلحة، ومن ثم تمتلك الجانب العلمي الذي يضعها في طريق تطوير أسلحة ذات استراتيجيات قتالية حديثة.