الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

تحليل إخباري | الإمارات «بارومتر» قياس التحولات الاستراتيجية إقليمياً

تحليل إخباري | الإمارات «بارومتر» قياس التحولات الاستراتيجية إقليمياً

ولي عهد أبوظبي في لقائه ووزير الخارجية الأمريكي في المغرب.

أبوظبي تقود الهيكل الإقليمي بتعظيم جهود التكامل العربي ورفض التهديدات

الاتفاقات الإبراهيمية وضعت البنى التحتية للحراك التكتيكي في المنطقة

تشي التطورات الإقليمية الراهنة بمحاولة بناء نظام جديد، يعيد بناء الهيكل الإقليمي بمفاهيم تتسق مع مستقبل العالم، وتتطلع إلى تعظيم جهود التكامل العربي في مواجهة إشكالات أمنية واقتصادية معقدة. ليس ثمة شك في أن الحراك الذي ترجمته القمم الإقليمية المتعاقبة بشراكة قوى أجنبية، يمكنه المساهمة بقدر كبير في بلورة الاستراتيجية المرجوَّة، إذ وضع على رأس أولوياته دعم أركان النظام الجديد على مختلف الأصعدة، من بينها بلوغ معدل الاستثمارات الإماراتية في مصر 26.9% خلال الربع الأول من 2022؛ وحصول القاهرة على وديعة سعودية بـ5 مليارات دولار، واستثمارات مباشرة بـ10 مليارات دولار؛ بالإضافة إلى استثمارات قطرية في مصر تبلغ 5 مليارات دولار. وتعكس تلك المعطيات انكفاءً عربياً على حلحلة الأزمات الداخلية، التي خلفتها الصراعات الخارجية؛ وعزوفاً عن سياسات «الجزر المنعزلة»، التي أثبتت فشلها وتعارضها مع منظور وحدة المصير الإقليمي؛ لا سيما في أعقاب ما يُعرف بـ«الربيع العربي»، الذي ساهم إلى حد كبير في خلق تهديدات، حاولت استغلال الفراغ الأمني لدى الدول المصابة بالحروب الأهلية، لفرض واقع شد أطراف المنطقة من خلال كيانات مدعومة، تتقدمها جماعة الحوثي في اليمن، و«حزب الله» في لبنان وسوريا.

وفي السياق، لا يغيب عن الأفق رؤية إقليمية جديدة، تعيد صياغة الأهداف بمنظور ينفتح على كافة القُوى الإقليمية والدولية، طالما دار الهدف حول الاستقرار، والتنمية، ومستقبل أفضل للشعوب، حسب موقع «بيزنس إنسايدر».

أبوظبي بدورها تدرك من البداية أنه لن يكون من السهل على الشرق الأوسط مواجهة تحديات العقود المقبلة، إذا ظلت دول المنطقة غارقة في الانقسام والصراعات؛ أو إذا أعادت القوى الدولية اختيار الشرق الأوسط مجدداً، ليصبح ساحة للاقتتال على حساب مقدرات المنطقة؛ وفطنت الإمارات المتحدة إلى أن بناء نظام إقليمي وتعزيز التعاون والتكامل الإقليميين، مع ثني القوى العالمية عن تصدير خلافاتها إلى المنطقة، بات ضرورة ملحَّة إذا كانت هناك رغبة حقيقية في منع المنطقة من الانزلاق إلى الفوضى. كما أن إعطاء الأجيال الشابة الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات والتغلب عليها، يعد خطوة في الاتجاه الصحيح. وإذا اتبعت الأطراف الإقليمية تلك السياسات بشكل صحيح، فمن الممكن بناء مستقبل من الأمن والازدهار وتحقيق الذات معاً، حسب مقال لرئيس «معهد الشرق الأوسط» الأمريكي بول سالم، المنشور في موقع thecairoreview.

إقرأ أيضاً..محلل سياسي سعودي: إدارة بايدن تحمل ضغائن للمنطقة العربية

مفترق طرق

في المقابل، لا تنعزل أنظار الأطراف الإقليمية عن التطورات الحاصلة على الساحة الدولية، وتدرك بموجب تقديرات مواقف استخباراتية، وقوف العالم أمام مفترق طرق، تملي أحداثه واقعاً مستقبلياً، يعيد رسم خارطة علاقات القوى العالمية، وفرض نظام عالمي جديد بميزان قُوى مختلف؛ وهو ما يتطلب إعادة دراسة نمط إدارة السياسات الخارجية لدى دول الشرق الأوسط. وإذا كانت المنظومة الإقليمية تعتمد في سياقات الماضي غير البعيد على الولايات المتحدة، وما يعززها من أدوات المصالح المشتركة بين الجانبين؛ فليس هناك شك في أن السياسة الخارجية الأمريكية هي الأخرى قد تغيَّرت في ظل الواقع والحسابات الدولية الجديدة؛ فسياسة واشنطن الخارجية التقليدية كانت تستند إلى نظريتين رئيسيتين، أولاهما تعتمد المبدأ المعروف بـ«مونرو»، الذي تم تطبيقه لأول مرة عام 1823، وصاغه وزير الخارجية جون كوينسي آدامز. وتدعو النظرية في جوهرها إلى سياسة خارجية انفصالية، تتفادى الضلوع في الحروب والصراعات الخارجية، فضلاً عن معارضة النشاط الاستعماري الأوروبي في القارة الأمريكية.

منعطف ترومان

وانزلقت السياسة الخارجية الأمريكية لمنعطف مغاير حمل اسم «ترومان»، وبموجبه خاضت الولايات المتحدة حروباً في فيتنام، وكوريا، وأفغانستان، والعراق. وعلى مدار ما يقرب من ستة عقود، استثمرت واشنطن موارد هائلة في تعظيم قوتها العسكرية ودعم حلفائها. إلا أنه في مستهل رئاسة باراك أوباما، تصاعدت الأصوات الأمريكية الداعية إلى «وقف استنزاف الموارد»، وعادت الولايات المتحدة إلى سياسة «مونرو»، وانعدم اهتمامها بما يجري وراء البحر، باستثناء لغة حماسية في المؤتمرات الدولية، يمكن من خلالها الحفاظ فقط على مكانتها كدولة عُظمى، ومن ذلك على سبيل المثال صمتها أمام تجارب كوريا الشمالية النووية، وعلى سيطرة روسيا دون منازع على شبه جزيرة القرم، وسياستها التصالحية مع إيران، وتفاديها تماماً للضلوع في نزاعات خارجية، وتأكيد الرئيس السابق صراحة «الولايات المتحدة أولاً»، حسب صحيفة «نيويوركر». وفي ظل ما يمكن وصفه بـ«سياسة التخلي الأمريكية»، لا سيما بعد انسحابها من أفغانستان، وهرولتها نحو اتفاق نووي معيب مع إيران، وتراجعها عن إدراج الحوثيين ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، واستعدادها لرفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة ذاتها، آثرت أطراف النظام الإقليمي الجديد عدم وضع البيض كله في السلَّة الأمريكية، لا سيما أنه سيتم ملء الفراغ الذي خلَّفته الولايات المتحدة بلاعبين جدد؛ ربما يأتون من الشرق في شكل قوة صينية صاعدة، أو من أي مكان آخر، إذ يؤشر فقه العلاقات الدولية إلى أنه عندما تشرف قوة عظمى على الانهيار أو على الأقل ضعف النفوذ والتأثير، فينبغي على صانعي القرار الإقليميين الانفتاح على قوى بديلة، أو على الأقل خلق جبهة إقليمية أكثر اتساعاً في ظل مستجدات لواقع عالمي جديد.

بارومتر التحولات

وتعزو دوائر استراتيجية دور القيادة في إعادة صياغة المنظومة الإقليمية إلى الإمارات المتحدة، وتعتبرها «بارومتر» يمكن من خلاله قياس التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وإذا كانت القمة الأخيرة بين ولي عهد أبوظبي، والرئيس السوري، مؤشراً علنياً على عزل إيران إقليماً، وإعادة ضم سوريا إلى الحاضنة العربية، فالخطوة المبكرة كانت بإعادة أبوظبي فتح سفارتها لدى دمشق، والعمل على حضور الجنرال حسام لوقا الذي يُعد حالياً رجل الاستخبارات السورية المقرَّب جداً من بشار الأسد «المنتدى العربي الاستخباراتي»، حين جرت فعالياته العام الماضي في العاصمة المصرية القاهرة. وحسب تسريبات استخباراتية نقلتها صحيفة «لوموند» الفرنسية، لعبت أبوظبي دوراً لا يقل أهمية في خلق قنوات سريَّة للتقارب والمصالحة بين الرياض ودمشق. وأشار تقرير الصحيفة الفرنسية إلى أنه على هامش «المنتدى العربي الاستخباراتي» الذي يدور الحديث عنه، عملت أبوظبي على عقد لقاء بين رئيس أجهزة الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، والجنرال السوري حسام لوقا. ولم يجرِ مثل هذا اللقاء خلال السنوات العشر الماضية، وهو ما لا يؤشر فقط إلى فتح قنوات تعاون بين المؤسستين الاستخباراتيتين السعودية والسورية، وإنما إلى بداية عملية مصالحة سياسية بين القصر الملكي السعودي، والرئاسة السورية.

حراك تكتيكي

ولا تستبعد تقارير نشرتها وسائل إعلام دولية الاتفاقات الإبراهيمية عن محور التحولات الشرق أوسطية؛ مشيرة في هذا الخصوص إلى أن الاتفاقات وضعت البنى التحتية للحراك التكتيكي في المنطقة؛ وأمام التهديد الإيراني والضعف الأمريكي، بات النظام الإقليمي الجديد قاب قوسين أو أدنى من رص الصفوف، لا سيما في ظل العجز الأمريكي عن احتواء الأزمات. لكن المشكلة الأكبر، حسب دراسة نشرها «معهد غايتستون»، هي فشل الرئيس جون بايدن في مواجهة أو على الأقل امتصاص التهديد النووي الإيراني؛ وهو الفشل الذي أدى إلى تآكل مكانة الولايات المتحدة العالمية. كما أن الافتقار إلى الرغبة وانعدام قدرة بايدن على الاعتراف بالواقع، أفضى إلى توترات غير مسبوقة في العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى، بعد أن كانت العلاقات بين الدولتين وواشنطن أكثر اقتراباً؛ وتجلت حالة انعدام الرضا الخليجية من السياسة الأمريكية في رفض قادة الدولتين استقبال اتصالات هاتفية من الرئيس بايدن، حاول من خلالها التباحث مع أبوظبي والرياض حول أزمة الطاقة العالمية؛ وهو ما يحدو بقادة البيت الأبيض إلى حتمية استيعاب حقيقة رفض قادة الدول الحليفة مجرد الحديث مع الرئيس بايدن حول إشكالية مهمة بهذه الدرجة، وأن ذلك يأتي نتيجة مباشرة للسياسة الأمريكية المعيبة إزاء الاتفاق النووي مع إيران؛ أو بالأحرى الاتفاق الذي إذا خرج إلى النور بصيغته الحالية، يعد بمثابة المسمار الأخير في نعش جون بايدن الرئاسي، حسب تعبير معهد الأبحاث الأمريكي.

إقرأ أيضاً..مباحثات تركية أمريكية في مجالات أمن الطاقة والدفاع والاقتصاد

قواسم مشتركة

وتلعب القواسم المشتركة بين دول المنطقة دوراً كبيراً في تعزيز التحالف الإقليمي الجديد؛ فحتى إسرائيل تسعى إلى الانضمام إلى تكتل إقليمي، يستشعر حجم الخطر الإيراني، ويسعى إلى مواجهته بطريقة أو بأُخرى؛ ولعل ذلك كان واضحاً خلال انعقاد قمتَيْ شرم الشيخ والنقب، وما استبقهما وتلاهما من محاولات إسرائيلية دؤوبة للتقارب مع الأصدقاء الجُدُد في منطقة الخليج، خاصة في الإمارات المتحدة والبحرين؛ وحتى إذا غابت أسماء عربية أخرى عن هذا التحالف مثل المملكة العربية السعودية، فليس هناك شك، حسب صحيفة «ماكوريشون»، أنها مطلعة أو على الأقل تتابع المشهد عن كثب ولا تعارضه.

وربط تقرير الصحيفة العبرية بين تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل ونظيره مع الدول العربية، واستنكر الكاتب نوعام أمير ما وصفه بـ«العبارات الإنشائية» بهذا الخصوص، وتسائل: «تدعي الولايات المتحدة أنها أفضل صديق لإسرائيل ودول الشرق الأوسط، وأنه لا بديل عنها في توفير الغطاء الأمني في المنطقة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه على واشنطن حالياً يدور حول المقاييس التي ترى بها إدارة بايدن هذه الصداقة؛ فهل يُعد توقيع اتفاق مع دولة تهدد أمن أقرب حلفاء الولايات المتحدة، يندرج في إطار الصداقة؟ وهل إلغاء العقوبات التي تحول دون هرولة الإيرانيين نحو امتلاك قنبلة نووية يدخل في إطار الصداقة؟ وهل التراجع عن إدراج جماعة الحوثيين في اليمن ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية يبرهن على متانة علاقة واشنطن بأصدقائها في منطقة الخليج؟

وخلصت «نيويورك تايمز» إلى أن «الحراك الإقليمي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط حالياً، يؤشر إلى رغبة ملحَّة في إعادة ترتيب الأوراق بما يتسق ومصالح المنطقة، إذ تنظر الدول العربية إلى إيران على أنها أداة تهدد أمنهم واستقرارهم في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم؛ وإذا كانت إدارة بايدن تعتزم التموضع إلى جانب نظام آيات الله، فمن المحتمل أن تفقد دعم أصدقائها لدى العالم العربي والإسلامي، الذين يشعرون بالخيانة ويخشون أن تصل الأسلحة النووية إلى طهران وأذنابها الإرهابيين».