الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

موقف ألمانيا المتردد من الحرب الأوكرانية يشعل غضب الحلفاء

موقف ألمانيا المتردد من الحرب الأوكرانية يشعل غضب الحلفاء

مقابر جماعية لضحايا الحرب الروسية الأوكرانية .

أثار رفض الحكومة الألمانية حظر استيراد الغاز من روسيا مثلما فعلت دول أوروبية أخرى، واتسام موقفها بالبطء في تسليم الأسلحة لأوكرانيا، غضب الدول الحليفة، في ظل الحديث عن ارتكاب الجيش الروسي لفظائع إنسانية في مدينة بوتشا الأوكرانية، وهو ما يخلق ضغوطاً إضافية على الحكومة في العاصمة برلين تدفعها للتحرك.

انتقادات شديدة

وأكد تقرير لمجلة «دير شبيغل» الألمانية أن الحكومة الألمانية أصبحت مرة أخرى هدفاً لانتقادات شديدة. وأن الحرب الروسية ضد أوكرانيا التي تدخل الآن أسبوعها السابع، تترك بصماتها على برلين. وأن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة للمستشار الألماني أولاف شولتس، ووزيرة دفاعه كريستين لامبرشت. وأضاف التقرير أنه في بداية الحرب، تم الاحتفال بشولتس دولياً لخطابه الذي أعلن فيه أن الغزو كان «نقطة تحول»، ولإعادة توجيه الدفاع الألماني والسياسة الخارجية بالكامل. كما أدى التحول الدراماتيكي إلى رفع الآمال بين حلفاء ألمانيا. وأظهرت فكرة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا وبرنامج إعادة التسليح الضخم للجيش الألماني، كما لو أن الألمان كانوا يطالبون بدور قيادي لأنفسهم في السياسة الأمنية الأوروبية. وأشار التقرير أنه بعد ستة أسابيع، تبخرت تلك المشاعر الاحتفالية تقريباً. وأصبح يُنظر إلى شولتس وحكومته دولياً على أنهم يقفون في طريق اتخاذ خطوات أكثر استباقية، مؤكداً على أن الصور المروعة من مدينة بوتشا الأوكرانية، وتقارير الاغتصاب والقتل والنهب من قبل الجنود الروس، وكذلك النغمات الفاشية المتزايدة الصادرة عن موسكو زادت مرة أخرى بقوة من الضغط على ألمانيا.

مستندات سرية

وأشار التقرير إلى أن برلين تحاول تفادي ذلك، ولكن كالعادة تأتي متأخرة، وأنه حالياً هناك مستندات سرية في أحد المكاتب بالبرلمان الألماني «البوندستاغ» مصنفة على أنها سرية للغاية من قبل الحكومة الفيدرالية، تتضمن الأسلحة التي سلمتها ألمانيا لأوكرانيا حتى الآن، مؤكداً التقرير أنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال الكشف عن هذه الأسلحة والمعدات. وقد تم تحديث القائمة آخر مرة يوم الخميس الماضي، وتشمل 500 صاروخ مضاد للطائرات، و2700 صاروخ أرض- جو من طراز ستريلا من مخزونات ألمانيا الشرقية السابقة، و3000 مدفع مضاد للدبابات، و100 مدفع رشاش، و16 مليون طلقة من الذخيرة لأنواع مختلفة من أسلحة يدوية ومئات الألغام المضادة للدبابات.

وأشار تقرير المجلة إلى أنها تتضمن أيضاً 80 مركبة مصفحة، و50 شاحنة طبية، بالإضافة إلى معدات للرؤية الليلية ومناظير. وقالت وزيرة الدفاع الألمانية لامبرشت، مبررة السرية بأنه إذا لم نتحدث علناً عن نوع وعدد الأسلحة الموردة، فهناك سبب وجيه لذلك، وأن أوكرانيا طلبت ذلك على وجه التحديد، ونحن متمسكون به. ونفى السفير الأوكراني في ألمانيا أندريه ميلنيك، في برنامج حواري مؤخراً، ما أعلنته لامبرشت، حيث قال إنه «للأسف لا يوجد حوار مع ألمانيا حول ما نحتاجه». وقال وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، في اجتماع وزراء خارجية الناتو في بروكسل يوم الخميس إنه «من الواضح أن ألمانيا يمكن أن تفعل المزيد». وأضاف «نحتاج أسلحة، أسلحة، أسلحة، وبدون المعدات الثقيلة فإن معاناة أوكرانيا ستطول».

مخاوف ألمانيا

وتطرق التقرير إلى أن حقيقة استمرار ألمانيا في إرسال مبالغ من المال بملايين الأرقام إلى روسيا كل يوم لتسليم الغاز يمكن بالكاد تبريرها. فمن المرجح أن يتسبب التعليق الفوري لواردات الغاز الروسي، بعد عقود من التبعية، في إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الألماني، مع عواقب لا تحصى على الدول الأوروبية الأخرى أيضاً. ويتفهم العديد من الحلفاء إحجام ألمانيا عن فرض عقوبات جذرية على الطاقة، حتى لو كان هذا الاعتراف مؤلماً بالنسبة لهم. وطرح التقرير تساؤلات منها: هل تخشى الحكومة في برلين أن يتحرك بوتين بمفرده لقطع إمدادات الغاز الروسية عن ألمانيا؟ وأن المصادر تشير إلى أن مثل هذه المخاوف ليست منتشرة. لسبب واحد، أنه لا يمكنك إيقاف تشغيل الغاز على الفور. كما أن تحويلها ليس بالأمر السهل وحرقها سيعرض حقول الغاز للخطر. وتساءل التقرير: لماذا إذن برلين مترددة؟ هل لأنهم يفترضون أن بوتين سيبقى في السلطة وأن برلين ستواصل التعامل معه في المستقبل؟ أم لأن شولتس، عضو الاشتراكيين الديمقراطيين، لم يكن قادراً على فصل نفسه تماماً عن علاقة الحب الكارثية لحزبه مع روسيا، كما يعتقد حزب الديمقراطيين المسيحيين المحافظين؟

وأكد التقرير على أنه من الممكن أيضاً أن يكون هناك تفسير أبسط بكثير، وهو أن البطء في تسليم برلين للأسلحة هو نتاج البيروقراطية الألمانية. لأن الإدارة لا تحب أن يقال لها كيف تتصرف بسرعة، حتى في مواجهة حرب عدوانية، كما أن النظام الألماني معقد للغاية ويطرح تساؤلات تستغرق وقتاً منها: كيف سيحصل الأوكرانيون على التدريب اللازم؟ وكيف سيتم تسليم قطع الغيار؟ ومن سيهتم بالصيانة؟

سباق التسليح

وتطرق التقرير إلى أن المقربين من المستشار الألماني يعطون انطباعاً بأن المستشار غير مهتم بالمشاركة في سباق لمعرفة من يمكنه تسليم أكبر عدد من الأسلحة بشكل أسرع، ويقولون إن ألمانيا لا تستطيع الفوز على أي حال، وما تفعله ألمانيا لا يزال يقاس جيداً بما ساهمت به دول مثل فرنسا وبريطانيا، وهذا ما يثير غضب حلفاء ألمانيا، حيث وقف نائب وزير الخارجية البولندي، شيمون سينكوفسكي، أمام وزارة الخارجية في برلين وأدلى ببيان مؤخراً قائلاً إن سياسة ألمانيا تجاه روسيا كانت ساذجة. وإنها لعدة سنوات، ومرة أخرى في الأيام الأخيرة، أظهرت ألمانيا تردداً مراراً وتكراراً. وقال إن «الصور من بوتشا هي نتيجة هذا التأخير». ولا توجد حكومة أخرى تصوغ تحفظاتها على سياسة برلين بشكل صريح مثل وارسو. لكن هذا لا يعني أن بولندا وحدها في انتقادها. فهناك دول أخرى لديها أيضاً أسئلة حول موقف برلين. وتتساءل إستونيا كيف يمكن لجمهورية صغيرة على بحر البلطيق أن تزود أوكرانيا بمواد دفاعية أكثر من ألمانيا الكبيرة؟ وأن أولئك الذين يعيشون على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الروسية لا يتعاطفون كثيراً مع البيروقراطية الألمانية واختناقات التسليم.

عامل الفرامل

ونوه التقرير بأن تردد ألمانيا يضعف مكانة برلين داخل الاتحاد الأوروبي، وأنه في اتفاق تشكيل الائتلاف الحكومي، أكدت الأحزاب الثلاثة في الحكومة الفيدرالية - الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والديمقراطيون الأحرار، أن ألمانيا يجب أن يكون لها دور قيادي في أوروبا. ولكن في هذه المرحلة، برلين بعيدة عن ذلك. ففي قمة الاتحاد الأوروبي قبل أسبوعين، كان شولتس مرة أخرى يظهر في دور «عامل الفرامل، فلم يوافق على حظر نفطي أو التخلي السريع عن الغاز الروسي». وفي أثينا، هناك اعتقاد أن ألمانيا وضعت المصالح الاقتصادية على مبادئها في علاقاتها مع روسيا. وأوروبا الآن تدفع الثمن مقابل ذلك. في الوقت نفسه، فإن الحكومة الألمانية ليست معزولة فيما يتعلق بقضية عقوبات الطاقة كما يحب بعض الشركاء تصويرها، ففي برلين، هناك شكاوى من أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تشجع الألمان وراء الأبواب المغلقة على عدم التزحزح عن قضية حظر النفط والغاز. لكنهم يتحدثون إلى الصحافة المحلية الخاصة بهم، ثم يطالبون باتخاذ إجراءات صارمة ضد روسيا، وعلى سبيل المثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يؤيد علناً حظراً نفطياً. لكن خلال اجتماع سري مع نظرائه من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حذر وزير المالية برونو لومير، من ارتفاع أسعار النفط بعد فترة وجيزة.