السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«تجميد الحريات».. وثائق تكشف توسيع صلاحيات البيت الأبيض في الطوارئ

«تجميد الحريات».. وثائق تكشف توسيع صلاحيات البيت الأبيض في الطوارئ

مراجعة شرعية 56 وثيقة تتعلق بإجراءات الطوارئ الرئاسية المتعلقة بالميزانية الأمريكية

6.500 وثيقة تبرر للرئيس الأمريكي الاستيلاء على قنوات الإعلام وحظر الاتصالات

حجب الكونغرس عن «إجراءات الطوارئ الرئاسية» وتقويض تشريع يحدد سلطات الرئيس


انتزاع ملكية أراضي مواطنين أمريكيين ذوي أصول يابانية بداعي إنشاء قواعد عسكرية

إجراءات الطوارئ تطلق يد الرئيس عند التصرف في ميزانية البلاد بعيداً عن الكونغرس

لا مجال للحريات الأمريكية وقت الطوارئ، فتُعطَّل حقوق الإنسان، وتُعلَّق التحقيقات مع المحتجزين، ويحقّ للرئيس الأمريكي الاستيلاء على قنوات الإعلام، وحجب مواقع الإنترنت، وحظر الاتصالات الهاتفية، ويصل الأمر إلى مصادرة بعض الممتلكات.. تلك الإجراءات وغيرها يعتمدها البيت الأبيض ويدرجها في قائمة ما يُعرف بالتوجيهات السريَّة، أو «وثائق إجراءات الطوارئ الرئاسية»، وهي وثائق تغيب تماماً عن عيون الكونغرس، ولا يطّلع على عمليات تحديثها سوى دائرة ضيقة من حاشية قاطن البيت الأبيض.ورغم اقتصار إجراءات الطوارئ خلال الحرب الباردة على فرض الأحكام العرفية، والاعتقالات دون لائحة اتهام، وفرض الرقابة على أخبار وكالات الأنباء الأجنبية، لكنها زادت ضراوة إبان إدارة جورج دبليو بوش، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وتظهر الوثائق التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» أن عدد التوجيهات الرئاسية بلغ 48 توجيهاً، لكنه ارتفع إلى 56 توجيهاً بعد تولي بوش الابن رئاسة البيت الأبيض في 2008، وشارك في صياغة التوجيهات الجديدة نائب الرئيس الأمريكي في حينه ديك تشيني دون أدنى تشاور مع الكونغرس.

تجاهل الديمقراطية

ربما لا يعترف البيت الأبيض بإجراءات الطوارئ الرئاسية مع دول غير الولايات المتحدة، لكنه يقرّ بضرورة تفعيلها حال تعرض أمن بلاده القومي للخطر، حتى أنه يتجاهل مبادئ الديمقراطية، التي تستدعي التشاور حول القرار مع المشرعين؛ فالوثائق المؤلفة من 6,500 صفحة ظلت حبيسة الأدراج زهاء فترة طويلة، وبعد محاولات دؤوبة من جانب مركز برينان للعدالة بجامعة نيويورك، أزيح الستار عن 500 وثيقة فقط، بينما اعتبر البيت الأبيض بقية الصفحات بالغة السرية.ويحدد رئيس البيت الأبيض دون غيره حالة الطوارئ، وفقاً لدواعي الأمن القومي، بداية من اندلاع حرب نووية، أو ما يُسمى بـ«حرب نهاية العالم»، وصولاً إلى تعرض البلاد لخطر الإرهاب الداخلي أو الخارجي؛ ويظهر العديد من الوثائق التي قدمها مركز برينان للعدالة إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، أن جهود عهد بوش ركزت جزئياً على قانون يسمح للرئيس بالاستيلاء على شبكات الاتصالات أو إغلاقها خلال حالة الطوارئ، ويشير ذلك إلى أن الإدارة الأمريكية في حينه طورت أو نقّحت قائمة إجراءات الطوارئ، خاصة في ضوء النمو الهائل لمستخدمي الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي. وتنقل الصحيفة الأمريكية عن الناشطة في مركز برينان للعدالة إليزابيث غويتين قولها: «بيت القصيد هو أن هذه الوثائق لا تترك مجالاً للشك في أن إجراءات الطوارئ بعد 11 سبتمبر انطوت على آثار سلبية مباشرة وهائلة على الحريات المدنية للأمريكيين. ومع ذلك، لا يوجد إشراف من قبل الكونغرس. وهذا أمر غير مقبول».

حماية الديمقراطية

وفي حين لا تتضح كيفية تطور التوجيهات الرئاسية منذ المراحل الأخيرة للحرب الباردة، لفتت غويتين إلى اتساع دائرة إجراءات الطوارئ على الأرجح لتشمل سيناريوهات أُخرى بخلاف هجوم نووي مدمر، إذ تظهر الوثائق أن إصدارات التوجيهات الأخيرة قفزت في الغالب من فئة واحدة إلى 7 فئات، واندرجت في إطارها بنود مكافحة الإرهاب الداخلي والخارجي، وتجارة السلاح والمخدرات؛ فجميع هذه القضايا تعطي الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ وممارسة صلاحيات واسعة على حساب الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان دون الرجوع إلى الكونغرس والدوائر التشريعية المختلفة. أما مسؤولي إدارة بوش الذين وردت أسماؤهم في الوثائق، فوافقوا على نقاش أمور في هذا الخصوص رغم سريتها، ووصفوا قائمة إجراءات الطوارئ إبان إدارة بوش الابن وما سبقها وما تلاها بـ«أسلوب جيد وحازم في إدارة شؤون البلاد»، ورأوا أنه من الحكمة عدم الالتفات إلى كل ما يقوِّض قبضة الدولة حيال الحفاظ على الأمن القومي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وجاء الكشف عن الوثائق بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون في ديسمبر 2021، يفرض قيوداً كبيرة على السلطة التنفيذية بعد سنوات إدارة ترامب، بما في ذلك بند يطالب باطلاع الكونغرس على وثائق إجراءات الطوارئ. ولا يعوِّل المراقبون في واشنطن كثيراً على إتاحة مجلس الشيوخ تمرير مشروع القانون المعروف بـ«حماية ديمقراطيتنا»، لا سيّما أن الجمهوريين الداعمين لفرض إجراءات الطوارئ يعتزمون وضع العراقيل لتعطيل تمرير مشروع القانون. لكن المدافعين عن فرض بعض القيود الجديدة على سلطات الطوارئ الرئاسية، يصرّون على طرح الإشكالية للتداول في وقت لاحق من العام الجاري، أو إدراجها ضمن قانون تفويض الدفاع السنوي الذي يعتبر تشريعاً «يجب تمريره»، حسب تعبير «نيويورك تايمز».

تسليم الوثائق

وبينما لا يتضح ما إذا كان من الممكن تضمين النص الخاص بوثائق إجراءات الطوارئ في التشريع المرتقب، يرى السيناتور إدوارد جيه ماركي، الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس، أن الفرصة سانحة أمام الكونغرس لتحقيق بعض المساءلة حول إجراءات الطوارئ. وقال في بيان: «من واجبنا بصفتنا مشرعين وممثلين عن الشعب مطالبة السلطة التنفيذية بتسليم الوثائق حتى يتسنَّى للكونغرس تقييم دستورية محاولة أي رئيس مستقبلي لاستغلال حالة الطوارئ في الحصول على صلاحيات غير تقليدية». السيناتور ماركي الذي شارك في صياغة مشروع القانون أكّد أيضاً أن الرئيس السابق دونالد ترامب، وبموجب الإجراءات الرئاسية، تمتع بسلطة «كاملة» في الأيام الأولى من تفشّي وباء كورونا، خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ. وتندرج في الوثائق التي تم رفع السرية عنها نسخ من مسودة أوامر إجراءات الطوارئ الأمريكية، التي تعود في تاريخها إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتضمنت على سبيل المثال توجيهات بفرض الأحكام العرفية، وفرض رقابة على المعلومات العابرة للحدود، وتعليق جلسات المحاكمة للأشخاص المحتجزين، وانتزاع ملكيات خاصة من مواطنين أمريكيين ذوي أصول يابانية بداعي إنشاء مناطق عسكرية خلال خمسينيات القرن الماضي. وخلال الحرب العالمية الثانية، صادرت الإدارة الأمريكية في حينها مساحات واسعة من أراضي الساحل الغربي. وفي عام 1967، أوصت وزارة العدل الأمريكية بإسقاط بند مصادرة الأراضي من قائمة إجراءات الطوارئ الرئاسية.

إقرأ أيضاً..لويس ميغيل: الاتحاد الأوروبي والخليج يمكنهما تحقيق شراكة «أكثر استراتيجية»

انتزاع الملكية

وتشير مذكرة يعود تاريخها إلى 1967 إلى أن «النقد واسع النطاق لبرنامج إعادة توطين اليابانيين معروف وقائم على أسس جيدة». وأضافت المذكرة: «يطرح تعاطي الإدارة الأمريكية مع تلك الإشكالية العديد من التساؤلات حول السماح بأي برنامج يعطي الإدارة الأمريكية الحق في انتزاع ممتلكات أو اعتقال مواطنين أمريكيين على خلفية عرقهم أو دينهم أو أصلهم القومي». في السياق، تضمنت التوجيهات الرئاسية الأُخرى في حينه إعلان حالة الحرب في البلاد، وترتيب عقد جلسات الكونغرس في مكان آمن، وإنشاء وكالة معنية بفرض ضوابط شاملة على الاقتصاد؛ ويمكن لهذه الوكالة التي ترفع تقاريرها إلى الرئيس مباشرة، أن تسنَّ ضوابط مثل مصادرة الممتلكات الخاصة، وانتزاع ملكية المؤسسات الصناعية، وفرض ضوابط على الأجور والأسعار والإيجارات، وتقنين أو تسوية الخلافات العمالية بعيداً عن المؤسسات التقليدية المعنية بذلك. إلا أنه لا يتضح ما إذا كان معمولاً بهذه التوجيهات أو تبنّي إجراءات مماثلة حتى الآن.

ولا تتفادى إجراءات الطوارئ الرئاسية إطلاق يد قاطن البيت الأبيض عند التصرف في ميزانية البلاد، فعلى مدار عدة سنوات، قال تقرير صادر عن وزارة العدل في عهد أوباما، إن مكتب مستشار الوزارة القانوني شرع في 2012 بمراجعة شرعية 56 وثيقة تتعلق بإجراءات الطوارئ الرئاسية المتعلقة بالميزانية. وفي 2017، كررت وزارة العدل في ظل إدارة ترامب الإشارة ذاتها، إلا أنها سقطت دون ذكر مبرر من التقارير السنوية. ولم تكشف وثائق الميزانية اللاحقة التغييرات الأخرى، إن وجدت، التي أدخلتها عليها إدارة أوباما وترامب.