السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

وجهة نظر – هل بدأ بريق فيسبوك ينطفئ؟

وجهة نظر – هل بدأ بريق فيسبوك ينطفئ؟

لا تبدو فيسبوك كأي شركة عادية، بل تبدو أقرب لكونها إمبراطورية عملاقة، وكيف لا وهي قادرة على التحكم بمصائر شركات صغرى كثيرة باتت تعتمد على المنصة الزرقاء في أعمالها وإعلاناتها؟ ولكن من يقرأ التاريخ جيداً يدرك أن لكل إمبراطورية فترات صعود يليها هبوط قد ينتهي بتحجيمها أو حتى بزوالها كما حدث مع الإمبراطورية الرومانية.

ونشر موقع Herald Chronicle مقالاً تناول فيه مسألة تراجع بريق فيسبوك في الوقت الحالي مقارنة بما كانت عليه في السابق، لقد كنا في السابق نرى في فيسبوك أداة مفيدة للتواصل مع الأصدقاء والأقارب الذين يعيشون في بلدان بعيدة، لأنه قربنا منهم، أما في الوقت الحاضر، فقد تحولت فيسبوك إلى مكان للنميمة ونشر المعلومات الكاذبة والمغلوطة، كنا نسعد لرؤية إشعار يخبرنا بتفاعل أحد بما قلناه أو بتلقي طلب صداقة من شخص ما؛ أما اليوم، فأصبحنا نتجنب هؤلاء الأشخاص لعدة أسباب، منها أن الحساب قد يكون زائفاً أو قد يكون لدى صاحبه غرض ما.

لقد اختفى السحر وخفت البريق وكثرت المشاكل وأصبحنا نقع ضحايا مختلف أشكال الاحتيال، وليس بالضرورة أن يحتال الآخرون علينا بسرقة أموالنا، بل هناك من يسرق بياناتنا الشخصية من خلال استبيانات واستطلاعات يطلبون منا تعبئتها.

في الحقيقة، ربما يكون أثمن شيء تملكه فيسبوك هو معلوماتنا وبياناتنا الشخصية، وقدرتها على تتبع سلوكنا على الإنترنت وتصفحنا المواقع كي تعرف ما نفضله وما نريد تجنبه حتى تبدأ بناء على ذلك بتوجيه الإعلانات إلينا بحيث تظهر أمامنا، وللمفارقة، فإن هذه الأداة التي تعتبر الأهم لدى المنصة، هي في الوقت ذاته الأداة الأكثر خطورة.

ومن عيوب فيسبوك أيضاً أنها تمنح الشخص قدرة كبيرة على نشر أية قصة من خلال حسابه الشخصي، حيث يظهر ذلك لدى أصدقائه الذين قد يساهم بعضهم بالنشر فيرى ذلك أصدقاؤهم، وهكذا تنتشر القصة كالعدوى بين الناس، ناهيك عن قدرة أي شخص على إنشاء صفحة وجمع عشرات الآلاف من المتابعين لها ومن ثم ترويج القصص عبرها إلى أولئك المتابعين.

وتصدرت فيسبوك المشهد خلال جائحة كورونا، فقد كانت لها فاعلية رهيبة في نشر المعلومات الطبية الخاطئة، كما يتواجد على فيسبوك الكثير من الأشخاص الذي يحبون التظاهر بأنهم يملكون المعرفة والمعلومات الصحيحة والدقيقة من الناحية الطبية، وربما تسبب هؤلاء بإلحاق الضرر للآخرين أو حتى وفاتهم نتيجة لنصائحهم الخاطئة، وربما شكلت هذه المرحلة بداية النهاية، أو لنقل بداية التراجع في شعبية فيسبوك للمرة الأولى منذ تأسيسها، ربما بدأ الناس أخيراً يسأمون كثرة الأكاذيب والزيف المنتشر على المنصة.

لم تعد فيسبوك مكاناً مناسباً للمستخدمين صغار السن، حيث أصبحوا ينفرون منها، وللمفارقة، كان هؤلاء الصغار وطلاب الجامعات والكليات هم أوائل الناس الذين استهوتهم فكرة فيسبوك في السابق وأعطوها الدفعة القوية والمكانة المرموقة التي تمتعت بها، ولكن حالما بدأ الكبار وأفراد الأسرة والآباء والأجداد بالانضمام إلى المنصة، وجد أولئك الصغار أماكن ومنصات أخرى للذهاب إليها.

لو تأملنا قليلاً في حياتنا ما قبل فيسبوك، لوجدنا أن هناك الكثير من الأمور التي كنا نجهلها عن أشخاص حولنا، فمثلاً لم نكن نعرف الآراء السياسية لبعض الأقارب الذين لا نراهم كثيراً، ولكن بسبب فيسبوك وقدرتهم على التعبير عن كل ما يدور بداخلهم من خلال نشره على حسابهم، أصبحنا نعرف هذه المعلومات التي من المفترض أنها لا تهمنا، وجاءت نتيجة ذلك سلبية أحياناً، خصوصاً عندما نبدأ بمناقشتهم فيتحول النقاش إلى شجار أمام الجميع.

ولعل من أسوأ الأمور التي قدمتها لنا فيسبوك وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي أن الناس أصبحوا ينشرون الكثير من تفاصيل حياتهم الخاصة والشخصية، والمزعج أن الشخص لا ينشر أموراً تتعلق به وحده فحسب، بل تجده ينشر تفاصيل تخص من يعيشون معه في المنزل دون معرفتهم أو موافقتهم، ويعني هذا إن كان هناك شخص واحد في منزل من هذا النوع الثرثار إلكترونياً، فستصبح خصوصيتك مستباحة بسببه.

لا يعني هذا بالتأكيد أن فيسبوك مكان سيئ بالكامل، بل ربما وسعنا القول إنها تحمل من المساوئ ما يكفي لجعل البعض ينفرون منها، وقد يكون من الممكن تشبيه فيسبوك بجهاز الفاكس أو البيجر الذي كان له وقته وفائدته في السابق حتى ظهرت أجهزة أخرى بتقنيات أحدث مثل الهاتف النقال وأخذت مكانه، وكالعادة، سيكون صغار السن المحرك وراء تلك النقلة.