الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ثمار السلام (5-4): كامب ديفيد حققت لمصر مكاسب لم يحصل عليها معسكر رفض السلام

عندما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر سوف يستضيف قمة تجمع الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، يوم 26 مارس 1979 للتوقيع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، انطلقت الشتائم والإهانات بحق الرئيس السادات، واتهامه بالخيانة والتطبيع والخروج عن الصف العربي. وأطلق «الحنجوريون» و«المزايدون» سلسلة من الاتهامات بحق القاهرة رغم كل ما قدمته مصر للقضية الفلسطينية من دماء وشهداء، وتعطل التنمية بفعل 4 حروب خاضها المصريون من أجل فلسطين.

لكن اليوم وبعد مرور أكثر من 41 عاماً على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، تأكد للمصريين وكل العرب أن المفاوضات «طريق السلام» كانت الخيار الأفضل لاستعادة الأراضي العربية المحتلة، ولو استمرت مصر أسيرة للخطابات الدعائية والحنجورية، لكانت أجزاء شاسعة من سيناء ما زالت محتلة حتى اليوم، مثلها مثل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 4 يونيو 1967 في الضفة الغربية والجولان. فالذين اتهموا السادات ومصر وقتها بالخيانة، يترحمون الآن على ما جاءت به «الاتفاقيات الإطارية لكامب ديفيد» والتي كانت تتحدث بوضوح عن تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وتنفيذ القرارات 242 و338 التي تدعو لقيام دولة فلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في 4 يونيو 1967 وهي: قطاع غزة وكل الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما كانت إسرائيل في ذلك الوقت على استعداد كامل للتخلي عن مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها حتى اليوم، واعترفت الولايات المتحدة بضمها لإسرائيل، العام الماضي.

ومكاسب اتفاقيات السلام مع إسرائيل ومنها كامب ديفيد لم تتوقف فقط على عودة الأراضي بل رسمت طريقاً جديداً يقوم على تعميق «ثقافة الحياة» بدلاً من نشر «ثقافة الموت» في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وفي السنوات التي سبقت كامب ديفيد، دخلت مصر 4 حروب بينما حافظت اتفاقية السلام على 41 عاماً من الاستقرار والتفرغ للتنمية، فما هي ثمار اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية للمصريين والعرب؟ وكيف تجسد اتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية البناء على ما تحقق في كامب ديفيد؟


لا يوجد سلام سيئ


كان للرئيس كارتر استراتيجية مذهله في إقناع الطرفين المصري والإسرائيلي بالسلام، فكان يسأل رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن عن أحفاده، والهدف من ذلك دفع بيجن للتفكير في مستقبل هؤلاء الأطفال، كما اصطحب كارتر كلاً من بيجن والسادات لزيارة متنزه جيتيس بيرج العسكري الوطني الذي يحكي مآسي الحرب الأهلية الأمريكية، مستخدماً تلك الحرب كتشبيه للنزاع بين مصر وإسرائيل، وللتأكيد أن السلام أفضل من الحرب، وأن السعي وراء التنمية أجدر من تعبئة الموارد بهدف الصراع والقتال.

وهنا تتضح معالم الاستراتيجية التي توصل إليها كل رجال السياسة والمفكرون ومحبو السلام بأنه لا توجد مكاسب من الحروب حتى بالنسبة للمنتصرين، فالحرب العالمية الثانية قتلت 75 مليون شخص، وخسرت فيها فرنسا وبريطانيا كما خسرت ألمانيا وإيطاليا ملايين الجنود، وضاعت مقدرات بتريليونات الدولارات على كل شعوب العالم ومنهم الحلفاء، لكن على الجانب الآخر لا يوجد «سلام سيئ» لأن نشر قيم السلام وقبول الآخر هو دليل قوة وقدرة لا يقوى عليها من تمتلئ قلوبهم بالكراهية والرغبة في الانتقام والثأر، وهو ما أدركته مصر، فيوماً بعد يوم يتأكد للمصريين والعرب أنهم حققوا مكاسب كبيرة سياسياً واقتصادياً من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 والتي جاءت بعد مفاوضات استمرت 12 يوماً في أكواخ المنتجع الرئاسي الأمريكي بكامب ديفيد بولاية ميريلاند، انتهت بالتوصل لاتفاق كامب ديفيد الإطاري في 17 سبتمبر 1978، وهو ما دفع الرئيس أنور السادات ليقول «حاربنا من أجل السلام الذي يستحق وقفة سلام».

عودة سيناء بالكامل

يكفي اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية أنها أخرجت مصر من دوامة الحرب التي بدأت 1948، واستمرت في حروب 1956، 1967، و1973، وذلك بعد استعادة مصر لشبه جزيرة سيناء بالكامل، والتي تبلغ مساحتها 61 كيلو متر مربع، أي 3 أضعاف مساحة إسرائيل. وبدون «جلد الذات» فإن الحقائق على الأرض تقول إنه لو فشلت المفاوضات بين السادات وإسرائيل، ما كانت سيناء عادت لحضن الوطن، حتى الآن، لأن الذين ساروا في المسار «الآخر» البعيد عن السلام وطاولة المفاوضات لم يسترجعوا أراضيهم المحتلة حتى اليوم، وكانت، وما تزال، عودة سيناء لمصر بداية جديدة للدولة المصرية التي سخرت كل مواردها في السابق من أجل استعادة سيناء، كما أن سيناء أضافت الكثير للناتج القومي المصري من خلال الثروات الكثيرة والعظيمة التي تختزنها، وأصبحت معالم سيناء السياحية وجهات عالمية.

وفتحت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الباب أمام الاستثمارات العربية والأجنبية التي حولت أجزاءً من سيناء إلى منتجعات سياحية جاذبة تُدر مليارات الدولارات للشعب المصري، وتوفر فرص عمل حقيقية لآلاف الشباب المصريين، كما أن المشروعات العملاقة التي يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي في سيناء أكبر دليل على الفرص التي أتاحتها معاهدة السلام من أجل التنمية والازدهار، ونتذكر جميعاً الصعوبة الكبيرة التي كانت في تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في شرم الشيخ، لكن بالمفاوضات والدبلوماسية الشجاعة للرئيس السادات الذي نظر لمصلحة بلاده دون الالتفات إلى الانتقادات والشتائم، عادت سيناء بالكامل وانتهت مرحلة احتلال جزء غالٍ من الأراضي المصرية.

قناة السويس

لم تتوقف ثمار اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على عودة كل الأراضي المصرية المحتلة، بل عادت معها قناة السويس التي انتهى من حفرها آلاف المصريين في نوفمبر 1869، كأسرع شريان بحري بين الشرق والغرب، وها هي اليوم تشكل رافداً قوياً للاقتصاد المصري حيث أضافت 5.9 مليار دولار للميزانية المصرية عام 2019. ويُتوقع لها بنهاية 2023 أن تزيد مساهمتها في الناتج القومي المصري، خاصة بعد حفر الرئيس عبدالفتاح السيسي لقناة السويس الجديدة وافتتاحها في أغسطس 2015، ناهيك عن القيمة السياسية الكبيرة لقناة السويس التي تمر من خلالها سفن التجارة العالمية والأساطيل الحربية لكل دول العالم.

من المكاسب التي حصلت عليها مصر من توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، أنها تخلصت من توجيه كل الموارد للمجهود الحربي، وبدأت منذ ذلك التاريخ، العمل على البناء وتحقيق الرخاء والازدهار لمواطنيها، كما حصلت مصر على مساعدات عسكرية واقتصادية كبيرة من الولايات المتحدة، كانت تحتاجها بعد سنوات طويلة من الحرب والإنهاك الاقتصادي، ووصلت نسبة المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر إلى 10% من الناتج القومي المصري عام 1981 وفق المصادر الأمريكية، وزادت عام 1982 إلى 2.1 مليار دولار منها 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية، 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، ورغم تقلص المساعدات الاقتصادية، إلا أن المساعدات العسكرية تدور حول هذا الرقم حتى اليوم وهو 1.3 مليار دولار، وهو ما ساهم في حصول مصر على الطائرات والصواريخ الأمريكية المتقدمة منذ عام 1979 منها طائرات «إف 16»

بالفعل شكلت اتفاقية كامب ديفيد نقلة نوعية في تاريخ المنطقة وساهمت في التحول من حالة النزاع المستمر إلى حقبة من السلام، ومن الثمار السياسية لكامب ديفيد أنها شكلت الأساس الذي يمكن للدبلوماسيين البناء عليه في الاتفاقيات القادمة.

ثمار السلام (5-1)

الحلقة الثانية (5-2)

الحلقة الثالثة (5-3)