إعداد: إيهاب الزلاقي*

أطلقت شركة فيسبوك في التاسع من أغسطس 2017 خدمة جديدة حملت اسم Facebook Watch وهي عبارة عن خدمة بث الفيديو بالطلب Video on Demand، أتيحت في بدايتها للمستخدمين في الولايات المتحدة ثم نشرت في مختلف أنحاء العالم.

ورغم حداثة الخدمة، إلا أن الخبراء يقولون إنها على وشك أن تغيّر شكل صناعة الإعلام خلال السنوات القليلة المقبلة، لاسيما مع النموذج الاقتصادي الذي تقدمه، والذي يمكنه أن يوفر رافداً مالياً للكثير من وسائل الإعلام التي تعاني انخفاضاً في العائدات، وتشير التوقعات أيضاً إلى أن هذه الخدمة تتحول بسرعة إلى منافس قوي لأبرز منصات الترفيه الرقمي مثل «نتفلكس» و«أمازون»، بل إنها قد تزيح «يوتيوب» عن عرش منصات الفيديو الرقمية في وقت أقرب مما يتخيل الجميع.

الأرقام التي أعلنتها فيسبوك في ديسمبر الماضي تقول إن الخدمة تسير على طريق النجاح، إذ أكدت أن أكثر من 75 مليون شخص حول العالم يمضون دقيقة واحدة على الأقل في المشاهدة كل يوم، وبين المحتوى المختلف الذي توفره تلك الخدمة يأتي برنامج Red Table Talk وهو من نوعية «التوك شو»، تقدمه الممثلة والمغنية الأمريكية جادا بينكت سميث، كأكثر البرامج مشاهدة، واللافت للنظر أن البرنامج تم إنتاجه خصيصاً لمنصة «فيسبوك ووتش» ولا يعرض على أي وسيلة أخرى، لذا فهو يعطي لمحة عن مستقبل تلك المنصة.

وعلى الرغم من الإمكانات التي تتيحها تلك الخدمة لحصول شركات إنتاج المحتوى على عائدات إعلانية جيدة، إلا أن فيسبوك حددت مجموعة صغيرة فقط من الناشرين للتعاون معها في البداية، ولكن الحديث يدور عن توسع تلك القائمة في الفترة المقبلة مع انتشار الخدمة عالمياً.

وبمجرد ظهور الخدمة، دخلت فيسبوك في شراكات مع المحطات التلفزيونية الشهيرة لتقديم برامج خاصة يتم بثها عبر منصة «فيسبوك ووتش» مقابل تقاسم عائدات الإعلانات بين المنصة والمحطات التلفزيونية.

وكخطوة أولى أطلقت المنصة برامج إخبارية بالتعاون مع محطات مثل «سي أن أن» و«فوكس» و«أيه بي سي» و«يوني فيجن» وغيرها للبث في قسم خاص بالأخبار داخل خدمة بث الفيديو في المنصة، وأعلنت المنصة تجهيز قسم خاص للحلقات المسلسلة من البرامج أو الأعمال الترفيهية. ورغم عدم الإعلان رسمياً عن نسبة تقاسم العائدات، إلا أن المصادر تؤكد تقسيم العائدات بنسبة 45 في المئة لفيسبوك و55 في المئة للجهة المنتجة للمحتوى.

أخبار ذات صلة

سوق أبوظبي يستقر أعلى 9400 نقطة عند الافتتاح
سلطان الجابر: الأمن والاستقرار وجودة الحياة أحد أهم ممكناتنا الصناعية


وتتميز خدمة فيسبوك بثلاثة ملامح تحقق لها التفوق عن منافسيها، الأول هو توفر المحتوى الأصلي الذي لا يمكن مشاهدته في مكان آخر، مع استثناء وحيد يتعلق بالمحتوى الرياضي الذي يتوفر على الخدمة، بالإضافة إلى القنوات التلفزيونية.

والثاني أن الخدمة مجانية تماماً للجمهور، إذ يعتمد نموذج العائدات على فواصل الإعلانات أثناء المشاهدة.

أما الميزة الثالثة والأهم، فهي أن الخدمة فائقة التخصيص، أي يمكن ضبطها بما يناسب أدق اهتمامات المستخدم، بطريقة لا تنافس فيها أي منصة أخرى. ويستفيد نظام التخصيص من جميع المزايا التي يحبها المستخدم في «فيسبوك»، فهو نظام شخصي كما أنه نظام اجتماعي، وباختصار فإن المستخدم يحصل على توصيات بمشاهدة المحتوى الذي يحبه، كما بإمكانه تشارك المحتوى مع أصدقائه.

وتلعب تلك الفكرة دوراً كبيراً في تحقيق معدلات مشاهدة مرتفعة، فمثلاً نرى تبويب «ما يجعل الناس يضحكون»، الذي يجد المستخدم من خلاله الكثير من المحتوى الكوميدي، أو «تعرف على ما يشاهده أصدقاؤك»، وهنا سترى اقتراحات بالمحتوى الذي يشاهده الأصدقاء. الأكثر من ذلك أن الاشتراك في أحد عروض المحتوى يربط المستخدم بباقي المجموعات التي تحب هذا النوع من البرامج، فتتسع دائرة «أصحاب الذوق المشترك»، وبطبيعة الحال فأثناء مشاهدة العرض يتم ربط المستخدم بقسم التعليقات التي تسمح بالدردشة الحية حول ما يتم عرضه.

بتلك الطريقة تمثل المنصة الجديدة فرصة ضخمة لكل من المعلنين ومنتجي المحتوى على حد سواء، أخذاً في الاعتبار القاعدة الهائلة من مستخدمي فيسبوك (1.32 مليار مستخدم يسجلون الدخول على أساس يومي)، كما أن الشركة تخطط لنقل بعض محتوى الخدمة الجديدة ليظهر في مزود الأخبار News Feed لدى المستخدمين، الأمر الذي يعني المزيد من الانتشار لخدمة البث.

خدمة «فيسبوك ووتش» على وشك أن تغيّر قواعد اللعبة بالنسبة للمعلنين، فمع التراجع الكبير في الاهتمام بالإعلانات التقليدية على صفحات فيسبوك، خاصة مع ازدحام مزودي الأخبار، الأمر الذي يقلل من فرصة جذب الانتباه، سيكون الأمر مختلفاً مع الفيديو، فلن يستطيع المشاهد أن يتجاهله، بالإضافة إلى أن الفيديوهات الطويلة ستكون أكثر جذباً للمساحات الإعلانية المؤثرة. الأمر نفسه ينطبق على ظاهرة «المؤثرين» أو «الإنفلونسرز» الذين حقق معظمهم شهرته عبر قنوات «يوتيوب»، إلا أن التأثير سيكون مضاعفاً مع ازدهار خدمة «ووتش».

أما الميزة الأهم، فهي أن الشراكة بين منتجي المحتوى وفيسبوك من شأنها أن تعظم العائدات الإعلانية، خاصة إذا كان ذلك المحتوى مبتكراً، وبالتالي فمن المهم أن تبدأ شركات الإعلام في تجريب أنواع مختلفة من محتوى الفيديو لتكون جاهزة للاستفادة من تلك النقلة الجديدة.

«بيزنس بث الفيديو»

الخدمة الجديدة منصة فيديو تغيّر قواعد اللعبة فرصة للحصول على حصة من العائدات الإعلانية

الخدمة الجديدة هي الخطوة الأولى من عملاق الشبكات الاجتماعية على طريق «بيزنس بث الفيديو»، بحثاً عن الحصة الأكبر في عائدات الإعلانات التلفزيونية، بعد حصوله بالفعل على حصة ضخمة من الإعلانات الرقمية، وتبدو تلك النوايا واضحة مع تنوع المحتوى الذي تقدمه الخدمة من الأفلام الوثائقية المصغرة إلى الأحداث الرياضية المباشرة، خاصة بعد تعاقد فيسبوك مع منظمي دوري البيسبول الأمريكي، الأمر الذي يمثل تهديداً حقيقياً لشبكات البث التلفزيوني.

* صحافي مصري مهتم بتأثير اتجاهات التكنولوجيا في المشهد الإعلامي