محمد أحمد العلي,قصي مجدي سليم

لم يعد الحديث عن حلول الروبوت بديلاً للبشر، في معظم قطاعات العمل، مجرد خططٍ بعيدة المدى، كما يعتقد البعض.. الآن وبعد أن أصبحت الآلة موظفاً أكثر إنتاجية بتكلفة أقل، اندفع الكثيرون نحو التفكير بمخارج سريعة للتكيف مع المستقبل القريب، وأبرزها تغيير الاتجاهات الدراسية، والبحث عن تخصصات في مجالات لا يستطيع معها الروبوت، مهما بلغ من قدرات، أن يهدد فيها وظائفنا.

وهنا يتساءل طلبة.. ما قيمة أن أدرس المحاسبة كمساق بشكله الحالي في معظم الجامعات، علماً بأن الروبوت من سيتولى هذه المهمة قريباً، وكذلك الأمر بالنسبة للمرشد السياحي، والسكرتارية، وغيرها، عدا عن امتهان أعمال مرتبطة بالجهد الجسدي أو تلك التي لا تحتاج لأي جهد، كسائق التاكسي، مدير مخزن، موظف البريد؟

إذاً أصبح بمقدور الطلبة في المرحلة الثانوية التفكير جدياً بالمساقات الواجب دراستها اليوم لحجز وظائفهم لاحقاً، إذ أجبر استشراف المستقبل مؤسسات أكاديمية عالمية على استحداث مساقات تعليمية بلا مهن واضحة اليوم، وتنتظر خريجيها حتى يشغلوها في المستقبل، لذا حين يتخرج الطلاب سيجدون أبواب وظائفهم مفتوحة لأول مرة، ومن أمثلة ذلك برنامج الماجستير في القانون الجوي والفضائي.

وبحسب خبراء السوق والمواقع الأكاديمية المتخصصة في تأهيل الطلاب لسوق العمل، ستنشأ مهن من العدم، وأخرى ستغلق أبوابها نهائياً، وثالثة ستواصل معنا إلى أجل غير معلوم، ورابعة سنوصلها لمحطتها الأخيرة قريباً عبر تحول شكلها وأغراضها.

«الرؤية» رصدت أبرز المساقات والتخصصات العلمية التي تواكب عصر الروبوت في الجامعات العالمية بأمريكا وبريطانيا واليابان، لتكون بمثابة خريطة يستأنس بها الطلبة حول ما يجب التركيز عليه اليوم لضمان مستقبلهم في الغد.

** جذور مهن المستقبل

أخبار ذات صلة

«اصنع في الإمارات» يسجل 32 اتفاقية وصفقات محتملة بـ 110 مليارات درهم
شرطة أبوظبي تطلق «صيف بأمان 3» لتعزيز الوقاية والسلامة


قبل الدخول في المساقات وتفاصيل دراستها، يجب العلم بأن مهن المستقبل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمساقات التعليمية الجديدة أو القديمة المتطورة، فقليل جداً من المهن لا تحتاج إلى مساق محدد، وهي بالذات تلك المهن التي اختفت الآن عن الوجود، أو أصبحت تقل تدريجياً في كل عام (مثل مرسل المواقع، الكاشير، المسوق الهاتفي، تجار المجوهرات، وسعاة البريد، وغيرهم).

وحسب تقرير مستقبل المهن الذي أطلقه منتدى الاقتصاد العالمي أواخر 2018، هنالك عشرة جذور رئيسة لمهن المستقبل هي: الطاقة البديلة والمتجددة، الروبوتات، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الواقع الافتراضي والواقع المعزّز VR & AR، علوم البيانات الضخمة، إنترنت الأشياء، الطباعة ثلاثية الأبعاد، الابتكار الاجتماعي، التعليم الإلكتروني، وتضاف لها مساقات شبه فرعية تتسلسل منها بعض المساقات الجديدة.

** قانونيون يطورون التطبيقات

في المملكة المتحدة، ابتكرت جامعة أبردين تخصصاً جديداً هو «القانون وعلوم الحاسوب» الذي يؤهل الخريج لشهادة البكالوريوس في القانون مع القدرة على برمجة أجهزة الكمبيوتر والتعامل مع أنظمة البيانات المتقدمة.

ويدرس الطالب على مدى السنوات الأربع المواد القانونية التقليدية، وإلى جانبها مواد علوم الحاسوب، ومن بينها الذكاء الاصطناعي وتطوير التطبيقات والبرمجة لأغراض محددة، برسوم سنوية للطالب غير الأوروبي تبلغ نحو 75 ألف درهم.

https://www.abdn.ac.uk/study/undergraduate/degree-programmes/1146/M1G1/bachelor-of-laws-with-computing-science/

أما جامعة ملبورن الأسترالية، فقد أضافت منهجاً في الدراسات العليا يتناول المسائل القانونية التي يكون الذكاء الاصطناعي أحد أطرافها، وموجهاً بشكل رئيس إلى المحامين الممارسين وصانعي السياسات القانونية، تتضمن عناوينه العريضة القضايا القانونية التي أثارها الذكاء الاصطناعي، ونظرة عامة على المراجعات القانونية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأستراليا في هذا المجال، فضلاً عن قضايا الملكية الفكرية والمسؤولية الجنائية، وأنظمة التأمين الإلزامية عن الفقد أو التلف التي تسببها الروبوتات ذاتية الحركة، والأنظمة القانونية التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الأمنية والعسكرية.

https://handbook.unimelb.edu.au/2019/subjects/laws90145

** تمكين الإعلاميين بالتقنيات المعاصرة

قررت جامعة إدنبرة في بريطانيا أيضاً مواكبة العصر التكنولوجي في تدريس الإعلام، حيث أنشأت برنامج ماجستير الإعلام الرقمي والثقافة، يتيح للدارسين دورات تمكّنهم من توظيف التقنيات المعاصرة في عملهم، ويؤهلهم للتعامل مع نظريات وفلسفات الوسائط الرقمية، والتغير التكنولوجي، والألعاب، والذكاء الاصطناعي، والسياقات الاجتماعية والثقافية التي تحدث فيها هذه التطورات.

ومنحت الجامعة الراغبين في دراسة هذا التخصص خيارين: الدراسة بتفرغ تام لعام دراسي واحد، برسوم تصل إلى 104 آلاف درهم، أو الدراسة بدوام جزئي لعامين، بنحو 52 ألف للعام الدراسي الواحد.

https://www.ed.ac.uk/studying/postgraduate/degrees/index.php?r=site/view&edition=2019&id=370

وفي جامعة طوكيو للتكنولوجيا، يكرس برنامج الماجستير في علوم الإعلام حيزاً كبيراً لتعليم الطلبة إنتاج الفيديوهات، والرسوم المتحركة، ومحتوى اللعبة، إضافة إلى أحدث تقنيات المعلومات الإعلامية المستندة في معالجة الوسائط الصوتية والمرئية، ما يكسبهم القدرة على إنشاء محتوى إعلامي مبتكر خاص بهم، إضافة إلى تعليمهم خدمات تصميم الإعلانات وتقنيات التواصل الإعلامي مثل التسويق واللافتات الرقمية.

https://www.teu.ac.jp/grad/english/ms/index.html

** دمج القطاعات الهندسية بالذكاء الاصطناعي

ذهبت جامعة ساوثمبتون إلى أبعد مما هو معتاد في الهندسة الإلكترونية، حيث دمجتها مع الذكاء الاصطناعي، ليركز الطالب في هذا التخصص الذي تستمر الدارسة فيه لأربع سنوات على تصميم وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، فضلاً عن قطاعات تشمل التعلم الآلي، الأنظمة الآلية، وعلم الأحياء الحاسوبي (حقل تخصصي متداخل بين تقنيات المعلوماتية وعلوم الحاسب والرياضيات التطبيقية، مطبقة على مسائل تتعلق بعلم الأحياء)، وتتجاوز الرسوم الدراسية في هذا التخصص 100 ألف درهم سنوياً.

https://www.ecs.soton.ac.uk/programmes/meng-electronic-engineering-artificial-intelligence#modules

أما جامعة ليدز فقد أفردت برنامجي بكالوريوس وماجستير في الهندسة للميكاترونكس والروبوتات، وهو حقل تستفيد منه صناعات النقل والصحة والترفيه والخدمات وغيرها.

ويوفر هذا التخصص الفرصة لدراسة الإلكترونيات والتصميم الميكانيكي والذكاء الاصطناعي وتطبيقها في تصميم وتصنيع أنظمة ذكية متطورة، وتقدمها كليات الهندسة الإلكترونية والكهربائية والهندسة الميكانيكية والحوسبة في الجامعة بشكل مشترك، بناء على الأبحاث المتطورة التي تنفذها المنشأة الوطنية للأنظمة الروبوتية المبتكرة.

وتمتد فترة الدراسة في البكالوريوس لثلاث أو أربع سنوات، حسب عدد المساقات، في حين تتم دراسة الماجستير خلال عام واحد، برسوم سنوية تناهز 109 آلاف درهم.

https://courses.leeds.ac.uk/g488/mechatronics-and-robotics-msc-eng-

وفي الولايات المتحدة، أدخلت جامعة جون هوبكنز ضمن مقررات بكالوريوس الهندسة الميكانيكية مواد ديناميكيات الروبوتات والمركبات الفضائية، ومجسات ومحركات الروبوتات.

وأسست جامعة ولاية أريزونا برنامج بكالوريوس في الهندسة مخصصاً للروبوتات، تشمل مناهجه الأنظمة الكهروميكانيكية، الحساسات، تطبيق الأنظمة الرقمية المدمجة، تصميم وتحليل الأنظمة الديناميكية، مع توفير خبرة عملية في تصميم وتنفيذ أنظمة الروبوتات لتلبية احتياجات المستخدمين.

http://catalog.mit.edu/schools/engineering/mechanical-engineering/#undergraduatetext

ويسمح مختبر الذكاء الاصطناعي في جامعة تسوكوبا اليابانية للراغبين من الجامعة بالانضمام إليه، من الطلبة أو الخريجين أو من يحضّرون لدرجة الدكتوراه أو حتى الحاصلين عليها، حيث يجري العمل على الأنظمة الهندسية وعلوم الكمبيوتر والروبوتات والهندسة الكهربائية /‏‏‏‏ الميكانيكية، مع التركيز في الدراسات العليا على برامج الروبوت القابلة للارتداء، والروبوتات البشرية، والتفاعل بين الإنسان والروبوت، والحوسبة والموسيقى ومعالجة الصوت وتعلم الآلة.

http://www.ai.iit.tsukuba.ac.jp/joining.html

** تقنيات في التمويل والمحاسبة والبنوك

بدورها، حققت جامعة تشستر البريطانية نقلة في تدريس التمويل والمحاسبة عبر توفير البكالوريوس ـ تخصص الذكاء الاصطناعي في التمويل، اعتباراً من العام الدراسي 2020 - 2021.

ووفقاً لما أورده موقع الجامعة الإلكتروني، تعد تشستر الجامعة الوحيدة في المملكة المتحدة حتى الآن التي ستمنح شهادة لتأهيل «الجيل المقبل من المهنيين في المحاسبة والمالية الناجحة»، لأن المهارات والمعرفة المطلوبة في سوق العمل ستكون مختلفة تماماً عما تقدمه الدرجات التقليدية، ويقود الذكاء الاصطناعي مقداراً كبيراً من هذا التغيير.

وتشمل مساقات البكالوريوس، التي لم يوضح موقع الجامعة تفاصيلها أو رسومها بعد، مواضيع تساعد في فهم سلوك المستهلك، والتنبؤ بالتغييرات وتحليلها، علاوة على تحديد أنماط المعاملات التي يمكن أن تساعد في الحد من الاحتيال، مع التركيز على تطبيقات المحاسبة والتمويل المتقدمة والتقنيات ذات الصلة.

وتتوافر الدراسة بنظام التفرغ التام لثلاث سنوات، أو بالدوام الجزئي الذي يمتد لغاية سبع سنوات، إلا أن موقع الجامعة لم يذكر مبلغ الرسوم السنوية المطلوبة للدراسة.

https://www1.chester.ac.uk/study/undergraduate/artificial-intelligence-finance/202009

وفي السياق ذاته، يوفر مركز التمويل والتكنولوجيا وريادة الأعمال في بريطانيا للراغبين في تطوير مهاراتهم وتعزيز قدراتهم في مجالات التمويل والمحاسبة والبنوك، دورات متخصصة عبر التعلم عن بعد وبرسوم رمزية مقارنة مع برامج البكالوريوس والماجستير، ومنها على سبيل المثال دورة تعلم الآلة التي تديرها جامعة ستانفورد، وتساعد على مدى 11 أسبوعاً في فهم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وتغطي مجموعة متنوعة من المفاهيم الأساسية، وكذلك دورة الذكاء الاصطناعي في مجال التمويل التي تتناول مواضيع معالجة اللغات الطبيعية وعلوم البيانات والشبكات العصبية الاصطناعية وربطها بمجال التمويل.

علاوة على ذلك، يقدم المركز دورة تنظمها كلية التمويل الدولية في الذكاء الاصطناعي المصرفي، حيث التركيز على دراسة الممارسات الحالية في الأعمال المصرفية، مع نظرة متعمقة في أفضل الممارسات المتاحة وكيفية تطبيقها في أي مؤسسة.

وفي نطاق الأعمال، خصص قسم علوم الحاسوب والهندسة في جامعة أوهايو مقررات لتدريس الطلبة برمجة جداول البيانات للشركات وبرمجة الشركات مع معالجة الملفات.

** الطب والجراحة الأوفر حظاً

ويبدو أن الطب يحظى بالنصيب الأكبر من تحديث الجامعات لمناهجها واعتمادها تعليم آخر التقنيات لمواكبة الثورة المعلوماتية والتكنولوجية، لا سيما بعد بزوغ فجر تقنيات النانو، أو ما يعرف بتقنية الجزيئات متناهية الصغر، التي تهتم بابتكار تقنيات ووسائل جديدة تقاس أبعادها بجزء من المليون من الميليمتر، وهي أبعاد أقل كثيراً من أبعاد البكتيريا والخلية الحية.

ومن بين الجامعات البريطانية التي استشعرت أهمية تدريس أحدث التقنيات أكاديمياً كلية إمبريال لندن ـ قسم الجراحة والسرطان، حيث خصصت أبحاثاً تتمحور حول الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، علم الروبوتات، التصميم الطبي للروبوتات، التقنيات الجراحية، الأجهزة الجراحية الذكية، وغيرها.

https://www.imperial.ac.uk/department-surgery-cancer/research/surgery/research-themes/surgical-technology/

وتعاونت مجموعة من أعرق المؤسسات الأكاديمية والطبية في الولايات المتحدة للخروج ببرنامج فريد اتخذ شعار «دمج العلم بالهندسة والطب»، يدعى برنامج «هارفرد ـ إم آي تي» في العلوم والتكنولوجيا الصحية، ويجمع بين معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وكلية هارفارد الطبية، وجامعة هارفارد، والمستشفيات التعليمية في منطقة بوسطن.

وأثمر هذا التعاون في ابتكارات وعلاجات شتى، من بينها نظام الأدوية الذي حوّل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) إلى مرض قابل للعلاج، وأول تقنية لمراقبة الدماغ أثناء العمل.

ويحظى المنتسبون إلى هذا البرنامج بتعلم وممارسة أحدث التقنيات في العلوم الصحية، والتكنولوجيا المساعدة للأطباء، والأنظمة البيولوجية المعقدة.

https://meded.hms.harvard.edu/health-sciences-technology

وفي اليابان، أطلق المعهد الوطني للمعلوماتية نهاية عام 2017 مركز أبحاث متخصصاً للبيانات الطبية الكبرى تشمل تصميم المنصات السحابية لجمع بيانات التصوير الطبي وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور.

وسيستخدم المركز أدوات متطورة من تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك الشبكات، والحوسبة السحابية، والبنية التحتية الأمنية، والذكاء الاصطناعي لحل المشاكل في مختلف مجالات الطب.

https://www.nii.ac.jp/en/news/release/2017/1225.html

من جانبها، أسست جامعة كيوتو العام الماضي قسم الأنظمة الطبية الذكية، للتركيز على التطبيقات الطبية للذكاء الاصطناعي، باستخدام سجلات المرضى للبحث عن طرق جديدة للدعم التشخيصي واكتشاف العقاقير، بهدف تسريع البحث والتطوير في إنتاج جيل جديد من الطب المتقدم.

ومن المتوقع أن يسهم المشروع في مختلف القطاعات المجتمعية الأخرى، مع الإشارة إلى وجود خطط حالية لدراسة التطبيقات التي يمكن استخلاصها من قاعدة بيانات المشروع ونتائجه في التأمين الصحي والميادين الأخرى ذات الصلة.

يذكر أن الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل بدخول القطاع الطبي، إذ يستخدم أثناء إجراء الجراحة المجهرية، ويساعد الجراحين في معرفة ما يحدث أثناء عملية معقدة بتوفير بيانات مباشرة، فضلاً عن تحليل القدرات الفنية للجراح، ما أسهم في الحد من المخاطر وتحسين الجودة، وتسهيل تدريب الجراحين المبتدئين.

وعلى نطاق أعم، يستفاد من الذكاء الاصطناعي في مراقبة مؤشرات المريض الحيوية، من حرارة وضغط وتنفس ونبض، وكذلك في تشخيص المرض، والصيدليات، وتحليل الصور.

للاطلاع على القسم الثاني اضغط هنا

للاطلاع على القسم الثالث اضغط هنا