محمد منصور

يُعد الصداع واحداً من أكثر الحالات المرضية شيوعاً، إذ يصيب أكثر من 12 في المئة من سكان العالم، ويمكن أن ينجم عن مجموعة كبيرة الاضطرابات في الدماغ، يُسببها التوتر، أو الأمراض العصبية المختلفة، أو حتى الأورام واضطرابات الهرمونات.

«الرؤية» حاورت الطبيب الأمريكي الأبرز في مجال العلاجات الجديدة للصداع، ديفيد دودك، ليكشف لنا عن أسباب ذلك المرض، والطريقة المُثلى لتشخيصه، علاوة على الاتجاهات الجديدة لعلاجه.

هل لك في البداية أن تُعرّف لنا الصداع؟

يُعد الصداع أحد أشكال الألم الأكثر شيوعاً في منطقة الرأس، قد يمتد الصداع على طول الجبهة وصولاً إلى منطقة الدماغ الخلفية، وقد يأتي على جانب واحد، أو جانبين، أو في مكان محدد من الرأس، ولكي نقول إن المريض مُصاب بالصداع النصفي؛ يجب أن تستغرق النوبة نصف ساعة على الأقل وتتكرر خمس مرات في الأسبوع على الأقل طوال أشهر عدة.

وهل يُصيب الصداع فئة معينة من البشر.. مثلاً هل يكون شائعاً في عمر معين أو جنس معين؟

الحقيقة أن نوبات الصداع تصيب النساء أكثر، خصوصاً في عمر الحيض أو إبان فترة انقطاع الطمث، إلا أن الأطفال أيضاً في سن المدرسة يُمكن أن يصابوا بالصداع النصفي.

أخبار ذات صلة

الين الياباني يهوي لأدنى مستوى في 24 عاماً أمام الدولار الأمريكي
زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف


وتقول الإحصاءات أن طفلاً واحداً من كل عشرة أطفال يُصابون بنوبات آلام الرأس المزمنة، ومع ذلك؛ يأتي الصداع في كل الأعمار، وللجنسين، وعلى اختلاف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، ومن غير المألوف أبداً أن نعثر على شخص لم يُصب بالصداع مرات عدة في حياته.

هل يُمكن تصنيف الصداع بكونه مرضاً مزمناً يحتاج إلى علاج؟

بكل تأكيد هو مرض، لكن لحسن الحظ يُعد الصداع عرضاً مؤقتاً في معظم حالاته.

وما أسباب الإصابة بالصداع؟

يُمكن أن تكتب مجلداً كاملاً عن أسباب الإصابة، فهي متنوعة وكثيرة للغاية.

يأتي الصداع بسبب الإرهاق، أو التوتر، أو قلة النوم واضطرابه، أو سوء التغذية والأنيميا، تلك هي أكثر أسباب الصداع، إلا أن هناك مجموعة أخرى من الأسباب التي تشمل اضطرابات الجيوب الأنفية، وتخثر الدم، وارتفاع ضغط الدم المزمن، وعدوى الأذن، والأورام السرطانية، والحميدة، أو حتى التسمم بأول أكسيد الكربون.

في كل الحالات؛ يجب على المريض الذي تنتابه موجات متكررة من الصداع استشارة الطبيب على الفور للوقوف على سبب تلك النوبات.

وهل هناك أنواع متعددة من الصداع؟

نعم، هناك أربعة أنواع رئيسة؛ هي الصداع العنقودي؛ الذي يحدث على جانب واحد من الرأس، ويتميز باحمرار العين وانسداد الأنف ونزول الدموع، وفي الغالب يحدث أثناء فترات الليل.

أما النوع الثاني فهو الصداع النصفي؛ الذي يتميز بالإحساس بالغثيان المتزامن مع وجع في جانب واحد أيضاً من الرأس، أما النوع الثالث فهو الصداع النصفي الحسي؛ الذي تتزامن مع الشعور به اضطرابات في الرؤية، أما النوع الرابع فهو صداع التوتر.

ما الدور الذي تقوم به الجمعية الدولية للصداع لخدمة المرضى؟

نحن نطور وننتج أبحاثاً عالمية لخدمة المرضى، تلك الجمعية منوط بها الدفاع عن المصابين بالصداع النصفي عبر توفير الأموال اللازمة لإجراء الأبحاث العلمية والوصول لعلاجات أفضل وأنجع، ونحن مجتمع من الأطباء والعلماء والباحثين والصيادلة الذين يسعون للحد من تلك الأزمة المزمنة التي تؤثر في إنتاجية الفرد وجودة حياته.

ما العقبات التي تواجه المرضى بالصداع؟

المشاركة في الحياة الطبيعية، والعمل، والنوم، وتقريباً كل شيء في الحياة.. المريض بالصداع المزمن تتأثر جودة حياته بأكملها، قد يُسبب الصداع اكتئاباً، وقد يؤدي أحياناً إلى الانتحار.



ما آخر الاتجاهات الحديثة لعلاج الصداع؟


لفهم الاتجاهات الحديثة يجب علينا في البدء أن نعرف السبب البيولوجي المؤدي لحدوث الصداع، فعلى مستوى العصبونات الدماغية، حين يحدث الصداع تتزايد مستويات بروتين يُسمى CGRP في الدماغ، ويُسبب ذلك البروتين التهاباً في سحايا الدماغ، لذا؛ فإن استهداف ذلك البروتين يُعد أحد الاتجاهات الجديدة في علاج الصداع.

وصممت عدداً كبيراً من التجارب السريرية لمعرفة ما إذا كان كبح البروتين سيكون فعالاً للوقاية من الصداع.

وبالفعل؛ نجح فريق بحثي في تصميم دواء يُمكن أن يُعطل إفراز ذلك البروتين.

إن معظم الأدوية الحالية غير مصممة في الأساس لعلاج الصداع، إذ تؤخذ لعلاج أمراض أخرى تُسبب الصداع ضمن أعراضها، تقوم تلك الأدوية بالتخفيف فقط من أعراض الصداع عبر تهدئة الدماغ أو معالجة السبب الأصلي للصداع، إلا أن الاتجاهات الحديثة هي تعطيل البروتين المسؤول أصلاً عن الإصابة بالصداع.

وأعتقد أن العلاجات الجديدة ستحدث ثورة في علاج الصداع فهي مُحددة للغاية، وتستهدف البروتينات المسؤولة عن نقل إشارات الألم.

وفي حين لكل دواء سُمية؛ تترسب بعضها على سبيل المثال في الكبد، إلا الأدوية المستهدفة لذلك البروتين، لا توجد سمية لها خارج الهدف؛ فقط تعمل تلك الأدوية داخل الدماغ، ولا يتم استقلابها في الكبد، وبالتالي ليس لها أي أعراض جانبية.

هل يُمكن أن تشرح لنا الآلية التي يعمل بها هذا الدواء؟

يتكون الدواء من مواد كيميائية تستهدف البروتين المُسبب للصداع والناقل له، ويقوم المريض بتناوله مرة واحدة كل شهر، ويتميز بالفعالية الممتدة، وانخفاض الآثار الجانبية، ويُمتص الدواء عبر الدم وصولاً لعصبونات الدماغ، ويمنع تكون البروتين من الأساس.

وهل حصل ذلك الدواء على موافقة المنظمات الصحية المعتمدة؟

نعم.. حصل على الموافقة قبل شهور قليلة.

وكم يبلغ ثمن الدواء؟

للأسف لا يزال مرتفع السعر، إذ يبلغ ثمن الجرعة الشهرية نحو 2000 درهم إماراتي.

وهل يتحسن جميع المرضى إذا ما تعاطوا ذلك الدواء؟

لا.. هناك مجموعات من المرضى لا تستجيب للعلاج بكوابح البروتين، إذ إن هناك تبايناً فردياً بين الأشخاص، إلا أن الدواء يصلح لعلاج أكثر من 80 في المئة من المرضى.

ما مستقبل أدوية الصداع؟

أعتقد أن الصداع سينتهي تماماً في غضون السنوات القليلة المقبلة، فبفضل التكنولوجيات الجزيئية وعلوم الصيدلة الحيوية اكتشفنا مسارات الصداع المهمة، واعتقد أيضاً أننا بصدد حل المشكلة التي تواجه البشر في كل الأعمار.. مشكلة الصداع.