عمر حسن

كشف سكان في مدينة الحديدة غربي اليمن، في تصريحات لـ «الرؤية» حقيقة الادعاءات التي يطلقها قادة الميليشيات الحوثية بين الحين والآخر، عن استعدادهم لإعادة الانتشار في المدينة، وذلك بعد إعلان المبعوث الأممي، مارتن غريفيث موافقة الميليشيات على «إعادة الانتشار»، تمهيداً لتنفيذ اتفاق استوكهولم.

وحدد السكان الأماكن التي استحدث فيها الحوثي مواقع عسكرية وأمنية، والمناطق التي حفر فيها عدداً كبيراً من الأنفاق، فضلاً عن استقدامه قوات أمنية وعسكرية لعدد من الأحياء الرئيسة وتكثيف انتشار مسلحيه في الشوارع والتضييق على السكان، في إطار ما قال السكان إنها «استعدادات حربية» تقوم بها الميليشيا على الرغم من موافقتها على تنفيذ إعادة الانتشار.

وحسب الأهالي، فإن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في المدينة التي تتمركز الميليشيات داخل أحيائها السكنية أصبحت «غير قابلة للحياة».

وأوضحوا أن هناك عمليات منظمة لسرقة المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الأهالي والتي تصل عبر ميناء الحديدة، وتوزيعها على سلسلة من التجار التابعين للميليشيا لإعادة بيعها للمواطنين، على الرغم من كونها مساعدات دولية لإنقاذ المواطنين اليمنيين.

في هذا الملف، ترصد «الرؤية»، الواقع على الأرض في المدينة التي طالما سماها اليمنيون «عروس البحر الأحمر»، واعتبروها حالياً «سجينة الحوثي والعجز الأممي»، الذي أجل حسم تحريرها مرات عدة حتى الآن.

على بُعد مئات الآلاف من الكيلومترات من الحديدة، جلس المبعوث الأممي لليمن، مارتن غريفيث في 15 أبريل الجاري، على مقعده في مجلس الأمن ليبشر المجتمع الدولي بـ «تقدم كبير»، في مفاوضات إعادة الانتشار التي يجريها الجنرال مايكل لوليسغارد، تمهيداً لتنفيذ اتفاق السويد الذي عرقلته المناورات الحوثية منذ أشهر.

أخبار ذات صلة

الين الياباني يهوي لأدنى مستوى في 24 عاماً أمام الدولار الأمريكي
زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف


وبينما كان المبعوث الأممي يتحدث عن «تعهدات الحوثي» بالسير في طريق اتفاق السويد، كانت الميليشيات تستعد لـ «لحرب شوارع»، حسب سكان في مناطق متفرقة من مدينة الحديدة.

قال السكان «حديث الاتفاق لا ظل له على أرض الواقع، فالعكس تماماً هو ما نشاهده، ففي الوقت الذي كنا نرى فيه عبر التلفزيون مبعوث الأمم المتحدة يؤكد خطوات السلام، كانت الميليشيا تستعد لحرب شوارع على الأرض. كانت هذه لحظات غريبة، فأكبر منظمة في العالم تتحدث عن السلام على التلفزيون، وننظر من النوافذ لنرى صياح المسلحين. فحين كان غريفيث يقول إن الحوثي وافق على إعادة الانتشار وتنفيذ اتفاق السويد الذي انتظرناه طويلاً، وجدنا سيارات بيك آب تحمل مسلحين تابعين للحوثي يستحدثون تمركزات عسكرية في الشارع المجاور».

وسط القبضة الأمنية الخانقة وحالات الاختطاف والتعذيب التي تمارسها الميليشيات تجاه السكان، اتفق عدد من سكان الحديدة على رواية ما يجري شريطة عدم نشر أسمائهم خوفاً من اعتقالات الحوثي التي تطال أي فرد يتحدث عن الانتهاكات داخل المدينة.

في شارع جمال، وهو أحد الشوارع الرئيسة التي تربط الساحل بوسط المدينة، قال السكان لـ «الرؤية»، «وقت حديث المبعوث الأممي، رأينا مئات المسلحين، وربما يراوح عددهم بين 300 و400 مسلح، يتوزعون على أكمنة بطول الشارع وحي الميناء، علمنا في ما بعد أن الميليشيات استغلت فترة الهدوء واستقدمتهم من مناطق أخرى لإقامة حواجز عسكرية».

أحد السكان في منطقة وسط المدينة أفاد بأن الميليشيات حركت عشرات السيارات العسكرية، بعضها مكشوف، ورأيت صناديق الذخيرة داخلها. وحين اتصلت بأقاربي في أحياء مختلفة بقلب المدينة، عرفت أن ذات المشهد قد تكرر».

يضيف الشاهد «رصدت نحو ثماني مركبات عسكرية تحمل ذخيرة، تقف في الشوارع الضيقة بوسط المدينة. فيما أطلق الحوثي طائرات عدة مسيرة في سماء المدينة، لمراقبة الأحياء المكتظة بالسكان. من الواضح أنهم يخزنون الذخيرة في ارتكازات أسفل منازلنا، وهذه جريمة كاملة».

مصادر من داخل الحديدة، يقتضي عملها الاطلاع على الخط الواصل بين ميناء الصليف والمدينة، قالت إن الميليشيات: «قطعت الطريق الواصل بين الميناء والمدينة، وهذا على العكس تماماً مما قال المبعوث الأممي إن الحوثيين قد التزموا به أمامه في صنعاء، أيضاً فوجئنا بتعزيزات عسكرية تتمركز على بوابة الميناء الرئيسة، وتقوم بدوريات ووضع استحكامات عسكرية مكثفة، وسط وصول مئات المسلحين التابعين للميليشيا إلى منطقة الميناء، وهي المنطقة التي من المفترض أن تكون الخطوة الأولى في إعادة الانتشار بالانسحاب منها».

وقال شاب يطل بيته على منطقة الميناء «على مدى الأيام الثلاثة الماضية، ومنذ إعلان التوصل لاتفاق، تقوم الميليشيا بإجراءات إعادة تموضع، وتستعد للحرب».

* معسكرات جديدة

أربعة معسكرات استحدثتها الميليشيا الحوثية في مزارع كثيفة الأشجار بوادي سهام الواقع في مديرية الضحي شمال الحديدة. إذ تؤكد مصادر في الحديدة أن المعسكرات الأربعة التي أقامها الحوثي في وادي سهام تضم معسكراً للتدريب على الرماية واستخدام السلاح، ويقع المعسكر في أحد سهول الوادي كثيف الأشجار، حيث يستخدم الحوثيون المعسكر لتدريب مجنديهم على الرماية والقنص، مستغلين كثافة الأشجار في المكان لتجنب الرصد، فضلاً عن إجراءات للتشويش والتمويه لتجنب رصدهم.

المعسكر الجديد في وادي سهام لا يضم فقط مسلحين من الميليشيا، حيث قال مصدر محلي بالمنطقة «المعسكر يضم مجندين فرض عليهم القتال تحت التهديد، وهم من أبناء مديرية الضحى، فنحو 250 شاباً اختطفوا تحت تهديد السلاح للانضمام إلى الميليشيا، وهذه كارثة كبيرة، فمعظم الذين يعدهم الحوثي ليكونوا في الصفوف الأمامية مجندون جبراً، وعائلاتهم مهددة».

المعسكران الآخران، بحسب المصدر ذاته، يحويان منصات لإطلاق الصواريخ «أما المعسكر الثالث فيحتوي على مجموعة ورش مختصة في تصنيع الألغام والعبوات والناسفة، فضلاً عن مخازن للذخيرة».

وتعتبر الألغام من أكثر الأسلحة التي يستعملها الحوثيون، فحسب تقرير للمشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن المعروف اختصاراً باسم (مسام)، فإن الحوثين زرعوا مليون لغم أرضي خلال ثلاث سنوات فقط، وتسببت هذه الألغام في 1194 من الضحايا الأبرياء.

وحذرت تقارير دولية وإنسانية من خطورة الألغام التي ينشرها الحوثيون، حيث بعضها من الأسلحة المحرمة دولياً، خصوصاً الألغام ضد الأفراد، وقالت منظمة أطباء بلا حدود، إن فرقها استقبلت وعالجت أكثر من 150 جريحاً نتيجة الألغام والعبوات المتفجرة يدوية الصنع والذخائر غير المنفجرة، في الفترة من أغسطس 2017 إلى يناير 2018، علماً بأن ثلثهم أطفال كانوا يلعبون في الحقول».

* رهائن

في نقطة الشام شمال مدينة الحديدة غرب اليمن، تضطر مئات السيارات ومركبات النقل الجماعي للتوقف يومياً لأكثر من خمس ساعات بسبب إغلاق الميليشيات الحوثية للطريق الوحيد المؤدي من الشمال إلى خارج الحديدة، وهناك تبدأ معاناة المدنيين الذين يحاولون مغادرة المدينة هرباً من حالة القمع التي تفرضها الميليشيا الحوثية عليهم.

ويجري هذا التأخير أثناء قيام عناصر الميليشيات الحوثية بعمليات تفتيش تستغرق ربع ساعة على الأقل لكل مركبة، بينما يتطلب الأمر من خمس إلى سبع دقائق للسيارات الصغيرة، حيث تفرز كل الحمولات ويتم إفراغها وتفتيشها بما فيها الحقائب النسائية التي تحوي أغراضاً خاصة بالنساء.

وقال أحمد مرشد أحد المدنيين الذين خرجوا قبل أيام عبر ذاك الطريق وانتقل مع عائلته إلى مدينة تعز إن الميليشيات فتّشت كل شيء حتى ملابس زوجتي، ويشير إلى أن الجماعة الانقلابية اعتقلت خمسة ركاب كانوا في السيارة التي أمامنا ونقلوهم بسيارة عسكرية إلى مكان مجهول، إذ يجري اعتقال المدنيين يومياً في ذلك الطريق؛ بعضهم يعتقلون لأيام قبل أن يفرج عنهم وبعضهم الآخر يغيبون تماماً عن ذويهم.

لا يختلف الوضع داخل المدينة التي باتت تشبه سجناً كبيراً يفرغ فيه الحوثيون كل ما أمكنهم من حقد على المدنيين، وقد شكا سكان في المدينة من قيود صارمة تفرضها الميليشيا الحوثية عليهم، حيث تمنعهم من التحرك بحرية بين الأحياء بعد أن قطعت الشوارع ونشرت مئات الحواجز الأمنية في الأوساط السكانية.

وتنتشر في الحديدة أكثر من 700 خندق وآلاف الأنفاق والحواجز الترابية والخرسانية والمتارس المحفورة والمُركبة، وقد قطعت في عدد من الأحياء شبكات المياه وبعض خطوط الاتصال الأرضي، غير الحركة التي منعت في شوارع بالمدينة مثل شارع المطار وأطراف حي الربصة ومحيط حي 7 يوليو إلى الشرق من المدينة، بحسب شهادات الأهالي.

وذكر السكان أن مدافع نصبتها الميليشيا منذ أيام في أطراف حي 7 يوليو، إضافة إلى استحداث مواقع عسكرية في منتجع «حديدة لاند»، في الوقت الذي فرضت فيه على مُلاك المحال التجارية وضع كاميرات مراقبة في الخارج لمراقبة حركة المواطنين في الشوارع العامة.

ويرمي الحوثيون المدعومون من إيران من خلال هذه التصرفات للإيقاع بمزيد من المدنيين ومحاولة اختلاق تهم يلفقونها بالسكان لاعتقالهم ثم المقايضة بالإفراج عنهم مقابل مبالغ مالية تستثمر في ما يسمى لدى الحوثيين بـ «المجهود الحربي».

وعاودت الميليشيا الحوثية قطع شبكات الإنترنت الأرضي والخلوي بعد نحو أسبوعين من إعادة تشغيلها، حيث كانت قد قطعت الخدمة سابقاً منذ بداية نوفمبر الماضي 2018، كما أضعفت شبكات الهاتف وأوقفت عمل عديد من أبراج الاتصال التي تزود المشتركين بالشبكة.

وأفاد أحد المدنيين النازحين من شارع المطار في المدينة بفرار أكثر من 40 أسرة من المنطقة إلى الأحياء في وسط المدينة بعد تلقيها تحذيرات من ميليشيات الحوثي بالمغادرة الفورية، حيث دفع الحوثيون بالعشرات من مقاتليهم إلى أسطح البنايات التي غادرها المدنيون ونشروا عدداً من القناصة وفرق الاستطلاع، استغلالاً منهم لوضع الهدنة الساري منذ 18 من ديسمبر الماضي.

* مساعدات منهوبة

تعيش مدينة الحديدة أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل رفض الميليشيا فتح المعابر الإنسانية إليها لإيصال المساعدات الإنسانية، ونهب المساعدات الأخرى التي تصل عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها، والتي يتم توزيعها على أسر مقاتلي الميليشيا في وقت تمنع فيه عن المدنيين الذين يعيشون في فقر مدقع.

ويصادر الحوثيون أغلب المساعدات الإنسانية التي تمر عبر ميناء الحديدة، إذ تذهب نسبة 65 في المئة من إجمالي تلك المساعدات إلى تجار حوثيون يعملون على استبدال الأكياس والطوابع الخاصة بها للتمويه، ثم يعاودون بيعها في الأسواق على المواطنين، في حين يجري توزيع أغلب النسبة المتبقية على موالين لهم، في الوقت الذي لا يتحصل فيه الفقراء إلا على شيء ضئيل لا يفي بأقل الحاجة.

وقالت امرأة في المدينة ـ مفضّلة عدم ذكر اسمها لدواعٍ أمنية ـ إن ابنها (4 أعوام) توفي الأسبوع الماضي على سرير المرض في مستشفى الثورة بالمدينة، نتيجة رفض إدارة المستشفى المعينة من الميليشيا منحه العقاقير الطبية المقدمة من المنظمات الدولية، مطالبة الأم بدفع تكاليف باهظة وصلت إلى 70 ألف ريال يمني، ما يعادل (140دولاراً).

* جهوزية القوات المشتركة

وتعليقاً على موقف القوات المشتركة اليمنية من تعنت الميليشيا في تنفيذ اتفاق السويد، قال الناطق باسم قوات تحرير الساحل الغربي وضاح الدبيش، إن «الخيارات العسكرية للقوات المشتركة لم ولن تتوقعها الميليشيات الانقلابية وإن السحر قد انقلب على الساحر، وموقفنا يزداد قوة وصلابة».

وأضاف الدبيش «كنا ندرك إدراكاً راسخاً أن ميليشيا الحوثي الانقلابية والإرهابية لا تفي بأي عهود واتفاقيات سلام. تنصل الحوثيين أمر طبيعي، فلديهم الخبرة في المكر والخداع، وما حدث هو تأكيد على سياسة نقض العهود الذي يتميز به الانقلابيون. لقد قبل الحوثيون بالذهاب إلى المفاوضات والقبول بالاتفاق بهدف إيقاف العملية العسكرية التي كانت على وشك تحقيق أهدافها، وظنوا أن ذلك سيجعل من الصعوبة بمكان استئنافها».

واستدرك الناطق باسم قوات تحرير الساحل الغربي «توقع الحوثي إضفاء شرعية أممية على الحديدة، ومنع تقدم القوات المشتركة الحكومية والتي كانت قاب قوسين وأدنى من حسم المعركة وتحرير وتطهير مدينة الحديدة، وتفصلنا عن مركز المحافظة ومينائها أقل من ثلاثة كيلومترات، وعلى الرغم من إدراكنا أنه لا جدوى من التزام ميليشيات الحوثي الانقلابية، إلا أننا أردنا إظهار الحوثي عارياً أمام المجتمع الدولي. إضافة إلى ذلك حرصاً منا على حقن دماء اليمنيين ووقف معاناة اليمنيين، والضغط الدولي على الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي».

واعتبر الدبيش أن «التراخي الأممي في تنفيذ اتفاق السويد، وغياب الوضوح في تسمية المعرقل أحد الأسباب التي شجعت الانقلابيين المدعومين من إيران على مزيد من الاستفزاز واستغلال المعاناة الإنسانية»، وأردف أن الموقف الحكومي من هذا التنصل الحوثي كان مؤكداً من قبل، وأن القوت المشتركة والحكومة لديها خيارات واستراتيجيات تكفل حق استعادة وتحرير الحديدة. ولا مفر أو بديل أمام الميليشيات الانقلابية، إما الانسحاب بالسلم أو الانسحاب بالقوة. وعليه الإسراع في اتخاذ القرار المناسب له، خلال الأيام المقبلة».

وكشف عن مهلة أعطيت للأمم المتحدة لمدة أسبوعين مقابل الضغط على الميليشيات الانقلابية بتنفيذ الاتفاق سلماً. وإما التنفيذ بالقوة بناء على القرارات الدولية. وأكثر من ذلك لا يحتمل الوضع الإنساني»، معتبراً الخيار العسكري الأقرب، وأنه «اللغة الوحيدة التي ينصاع لها الميليشيات الانقلابية».