عبدالحفيظ سعد

تدخل معركة «طوفان الكرامة»، التي يخوضها الجيش الوطني الليبي لتحرير العاصمة طرابلس من سيطرة الميلشيات الإرهابية أسبوعها الخامس، ورغم التقدم الذي أحرزته قوات الجيش على الأرض منذ بداية المعركة وتحركها على سبعة محاور، واقترابها من قلب طرابلس، إلا أن العمليات لم تحقق أهدافها بالحسم السريع وتحرير العاصمة من الميليشيات حتى اللحظة، وفقاً لخبراء وعسكريين. ويأتي تأخر الحسم الميداني، في خضم مشهد دولي غير واضح المعالم، ففيما لقي إعلان البدء في تحرير العاصمة طرابلس تأييداً من بعض الدول وعلى رأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي عبر في اتصال مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر عن دعمه لمحاربة الإرهاب تمهيداً للحل السياسي، دعت الأمم المتحدة وبعض الدول إلى وقف القتال وإفساح المجال للحل السياسي وهو الحل الذي طال أمد انتظاره وفتح الأفق أمام أطراف إقليمية تسعى لتدمير ليبيا عبر دعمها للميليشيات الإرهابية في طرابلس بالمال والأسلحة، وهو الأمر الذي أطال أمد الحرب والفوضى في ليبيا.

وزاد دعم الميليشيات الإرهابية في طرابلس بالأسلحة من تعقيد المشهد، وتأخر الحسم العسكري في ضوء تقارير دولية تتحدث عن قتلى وجرجي ونازحين، مع استمرار تحذيرات الأمم المتحدة من تدهور الوضع الإنساني.

ووفقاً لمصادر في الجيش فإن الأيام المقبلة ستشهد تحركات نوعية، بعد وصوله إلى منطقة العزيزية، ومعسكر اليرموك، وفتح محور قتال ثامن في اتجاه مدينة سرت، ما يشكل ضغطاً جديداً على ميليشيات مصراتة التي تقود العمليات في طرابلس، باعتبارها الميليشيا الرئيسة التي تقود العمليات ضد الجيش الوطني.

وأكد المحلل السياسي الليبي جبريل عبيدي، أن فتح المحور الثامن بالهجوم على سرت، سيشكل عاملاً مهماً في المعركة، خصوصاً أنه يفتح الطريق أمام السيطرة على قاعدة «القرضابية» الجوية بسرت، ما يمهد لفتح الطريق أمام قوات الجيش نحو مصراتة، ثم إجبار مسلحيها في طرابلس على التراجع للدفاع عن مدينتهم.

حماية المدنيينويرجع المحلل الليبي، تأخر الجيش في حسم المعركة ميدانياً في طرابلس، إلى «حرص الجيش الوطني، على أرواح المدنيين خصوصاً مع اقتراب قواته نحو عمق ستة كيلومترات فقط من قلب العاصمة.

ويدلل المحلل السياسي الليبي، على تقدم الجيش الوطني، وشعور الميلشيات بقرب نهايتها، بطلب شخصيات متحالفة مع الميلشيات، مثل رئيس حزب العدالة والبناء محمد الصوان التابع لتنظيم الإخوان الإرهابي، إلى الهدنة، وكذلك رئيس مجلس الدولة خالد المشري، مضيفاً أنه معروف أن «عناصر الإخوان عندما تشعر بضعف موقفها، تطلب الحوار والتهدئة، وهو ما يفسر التحركات التي تقودها بريطانيا في مجلس الأمن، من أجل استصدار قرار بوقف القتال».

أخبار ذات صلة

الين الياباني يهوي لأدنى مستوى في 24 عاماً أمام الدولار الأمريكي
زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف


ويشير جبريل عبيدي، إلى أن الجيش الوطني، لن يوقف عملياته نحو تحرير ليبيا، لكون عقيدة الجيش لا تقبل بالتفاوض مع التنظيمات العقائدية والإرهابية «التي لا بد من اقتلاعها».

ويبرر رئيس لجنة الرقابة والمتابعة في البرلمان الليبي زايد هدية، استمرار مقاومة الميليشيات في طرابلس، بأن غالبيتها يعمل لصالح أطراف إقليمية تمدها بالدعم السياسي والإعلامي، وكذلك السلاح، إلى جانب الدعم المالي والذي تحصل عليه من البنك المركزي في طرابلس، والذي تجاوز ملياراً دولار.

وكشف البرلماني الليبي عن أن «هناك وثائق عن وجود تحويلات بملايين الدولارات من البنك المركزي يتم تحويلها إلى بنوك تركية، دون تحديد إلى أين تتجه هذه الأموال، وسبب توجهها إلى تركيا»، مع العلم أن هناك قادة للميليشيات يعيشون في تركيا.

وأضاف هدية أنه من خلال عمله بلجنة المراقبة في البرلمان خاطب المركزي الليبي عدة مرات لوقف الأموال المقدمة للميليشيات في الداخل والخارج، لكن المركزي لم يستجب في ظل ولاء محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، لحكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها.

مكاسب ورأى رئيس برنامج المتوسط وشمال أفريقيا بمركز الأهرام للدراسات زياد عقل، أن تأخر حسم قوات الجيش الوطني لمعركة دخول العاصمة أمر طبيعي «لأن المعركة ممتدة منذ ثماني سنوات ولا يمكن أن تحسم في أسابيع قليلة».

وأضاف أن الجيش الليبي حقق مكاسب، بوصوله إلى مشارف طرابلس، وسيطرته على مدينة «غريان»، ويخوض قتالاً بالقرب من قلب العاصمة، موضحاً أن الجيش الليبي، يواجه مجموعات متمرسة في القتال منذ فترة طويلة، وهو ما يعني طول أمد المعركة.

ويصف عقل موقف المجتمع الدولي بـ «التخبط»، فإيطاليا تسعى للحفاظ على استمرار إمدادات خط الغاز من طرابلس إلى روما، وهو ما يبرر قربها من موقف حكومة الوفاق، أما الموقف الفرنسي فيتعلق بنجاح الجيش الوطني في دحر الإرهاب بالجنوب، وهي المنطقة القريبة من مصالح فرنسا الاقتصادية في النيجر، أما باقي الأطراف الأوروبية، فيتحدد موقفها بضرورة استقرار الأوضاع في ليبيا، للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

وعن الموقف الروسي والأمريكي، يؤكد عقل أنه يحكمه في المقام الأول، توزيعات مبيعات الأسلحة في حالة حسم المعركة لأحد الأطراف ورفع الحظر على بيعها.

وأوضح عقل أن الموقف العربي، والذي يبرز هنا من مصر والسعودية والإمارات، فإنه يحرص على مراعاة الشرعية الدولية، والعمل على تقديم الحل السياسي، لحرصهما على استقرار الأوضاع في الدول العربية، ولذلك نجد أن موقفهم يزكي الحل السياسي في المقام الأول، بما يضمن وحدة ليبيا، ويمنع تمدد الميليشيات الإرهابية على أراضيها.

مساعي الاستقرار

وأكد الاستشاري والمحاضر في الأمن الدولي اللواء أركان حرب سيد غنيم، أن الأزمة الليبية أصبحت أكثر تعقيداً، مع قرب مرور شهر على بداية العمليات، مضيفاً «الجيش حقق مكسباً بوصوله لأطراف طرابلس وفرض نفسه بقوة في المشهد السياسي والعسكري الليبي، لوجود قوة في الغرب الليبي، إضافة إلى سيطرته على الشرق والجنوب بما يعزز من قوته ميدانياً، في إطار طرح سياسي مستقبلي».

وأشار غنيم إلى أن المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج على وشك الانتهاء سياسياً لتحالفه مع ميليشيات متطرفة في طرابلس، إضافة إلى ميليشيات مصراتة التي تلعب دوراً رئيساً في صد هجوم القوات القادمة من الشرق.

وأكد أن ذلك لا يعني أن المعركة ستحسم بسرعة، خصوصاً مع الموقف الدولي الذي يبدو متردداً، والذي تحكمه المصالح.

وحذر الاستشاري في الأمن الدولي، من أن تراخي المجتمع الدولي في اتخاذ موقف موحد، يدعم حل الدولة الوطنية ويكافح الإرهاب، قد يحوّل الوضع في ليبيا إلى أزمة أمنية أوسع في منطقة الساحل والصحراء، إلى جانب انتقال العنف والاضطرابات إلى داخل أوروبا نفسها.