رانيا أبو زيد

صحة دبي تلاحق المخالفين

دفع مراجعو مراكز جراحات تجميلية في الدولة فاتورة كبيرة نتيجة أخطاء طبية كلفتهم تشوهات مستديمة وفقدان النظر وخللاً كاملاً في أعضاء حيوية، كان آخرها قصة شابة إماراتية تسبب خطأ طبي في أحد المراكز بدخولها في غيبوبة.

وكشف اختصاصيون وأطباء تجميل أن أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الأخطاء الطبية في مجال التجميل هو المسميات المهنية المزيفة التي يستخدمها بعض الأطباء لامتهان المجال، فيكتبون على لوحاتهم الإعلانية «جراح ليزر» علماً بأنه لا يوجد تخصص بهذا الاسم، أو «استشاري جلدية وتجميل» وكذلك لا يوجد مسمى يجمع بين هذين التخصصين، أو «طبيب تجميل» رغم أنه لا يوجد تخصص بهذا الاسم.

وطالبوا بضرورة إلزام كل طبيب بكتابة المسمى الخاص به بحسب تخصصه فقط، وتشديد الرقابة لضبط هذه الممارسات الخطيرة، وعدم استخراج تراخيص لأشخاص ومراكز غير مؤهلة في المجال، وضرورة إخضاع الأطباء لاختبارات شديدة لاختيار الأفضل، بدلاً من إجراء الاختبارات عن طريق الأونلاين، والتي يمكن لأي شخص اجتيازها بسهولة.

في المقابل، أكد لـ «الرؤية» المدير التنفيذي لقطاع التنظيم الصحي في دبي الدكتور مروان الملا أن اجتياز امتحان الهيئة يشترط أيضاً أن يكون شفهياً وكذلك كتابياً «أونلاين» للحصول على رخصة الهيئة لبدء الممارسة المهنية اعتماداً على المسمى.

وحول كتابة المسمى الأكاديمي الصحيح على اللوحة الإعلانية للطبيب، ذكر الملا أنه يتعين على جميع المهنيين الصحيين، بمن فيهم الأطباء، الإفصاح واستخدام المسميات المهنية حسب مسميات الترخيص الصادرة لهم من الجهة الصحية المعنية (في دبي الجهة هي هيئة الصحة بدبي)، لذا على الأطباء التقيد بتوافق المسمى المهني المذكور في الرخصة للتعريف عن تخصصاتهم.

وأضاف «تقوم إدارة التدقيق والرقابة الصحية في قطاع التنظيم الصحي بالرقابة على ذلك، إضافة إلى وزارة الصحة ووقاية المجتمع، إذ لوحظ هذا الأمر في الإعلانات الصحية، كما يمكن التحقق من مسمى الترخيص لأي مهني صحي من خلال موقع الهيئة».

أخبار ذات صلة

«اصنع في الإمارات» يسجل 32 اتفاقية وصفقات محتملة بـ 110 مليارات درهم
شرطة أبوظبي تطلق «صيف بأمان 3» لتعزيز الوقاية والسلامة


أخطاء فادحةواستشهد أطباء بحوادث لأخطاء طبية فادحة من قبل أطباء، إما غير مرخصين أو غير مختصين، أخطرها حالة شاب خضع لعمليات تجميل عدة في الصدر والبطن وشفط الدهون وشد الأطراف في يوم واحد، ما أدى إلى إصابته بنقص شديد في الدم والسوائل وكادت تكلفه حياته، والثانية لمريضة كادت تفارق الحياة بعد أربع سنوات من خضوعها لحقن «فيليرز» مغشوشة.

أما الحالة الثالثة فهي لسيدة أصيبت بالعمى نهائياً بسبب استخدام حقن تعبئة «فيليرز» غير مسجلة، واستخدمت كذلك بطريقة خاطئة، وحالة رابعة لسيدة تسبب خطأ طبي بتشوه أنفها بالكامل.

وفي قصة أخرى خضعت مريضة لحقن المواد المالئة، فتعرضت لمشاكل صحية كبيرة بعد سنوات من الإجراء، وكادت تفارق الحياة بسبب حالتها الحرجة، وتم إدخالها إلى العناية المركزة لفترة أكثر من شهر.

وأخيراً تعرضت شابة (24 عاماً) لخطأ طبي في عملية جراحية بسيطة بهدف تقويم إعوجاج الحاجز الأنفي، حيث دخلت في غيبوبة عميقة إثر تعرضها لمضاعفات خطيرة نتيجة الإهمال.

30 % الأخطاء الطبية

وذكر أستاذ الأمراض الجلدية في جامعة الإمارات الدكتور إبراهيم كلداري أن نسبة الأخطاء الطبية في مجال التجميل تقدر بـ 30 في المئة، مرجعاً أبرز أسباب الأخطاء والتشوهات في عالم التجميل في الدولة إلى وجود أطباء غير متخصصين في التجميل يمارسون المهنة، كطبيب عام على سبيل المثال، وثانياً تحويل بعض صالونات التجميل إلى مراكز طبية عبر توظيف طبيب تجميل لديها وممارسة المهنة، ووجود مواد للحقن غير مرخصة في الأسواق، واستخدامها من قبل أشخاص غير مؤهلين ولا يملكون خبرة، مشيراً إلى إمكانية إصابة المريض بالسرطان في حال استخدام حقن فيليرز غير مرخصة.

مضاعفات بعد الجراحة

من جهته، كشف الاستشاري ورئيس قسم التجميل في مستشفى راشد التابع لهيئة الصحة في دبي، عن استقبال حالتين على الأقل شهرياً خضعتا لعمليات تجميل في مستشفيات أخرى لأجزاء مختلفة في الوجه والصدر والبطن وشفط الدهون ونقلها إلى مكان آخر من الجسم، وتعاني من مضاعفات والتهابات سواء نتيجة حدوث خطأ أثناء إجراء العملية، أو أن المتابعة بعد الجراحة لم تكن وافية. وأكد الزرعوني أن إزالة كمية كبيرة من الجلد أثناء عمليات الشد وشفط الدهون ونقلها إلى مكان آخر من الجسم وما ينتج عنها من مشاكل صحية تتصدر معظم الحالات الواردة للقسم، مشيراً إلى أن أسوأ حالة سُجلت مؤخراً لمريض شاب أجرى عمليات تجميلية عدة في يوم واحد، في منطقتي الصدر والبطن مع شد الأطراف وعملية شفط للدهون، حيث لجأ قسم التجميل في المستشفى لمنحه الرعاية المطلوبة مع إعطائه مضاداً حيوياً في الوريد إلى أن ستقرت حالته بعد عشرة أيام. وقال «في مثل هذه الحالات لا يمكننا الجزم بأن العملية لم تجرَ بالشكل الصحيح، أو أنها أجريت بشكل صحيح ولكن المتابعة لم تكون وافية بعد ذلك سواء من قبل الطبيب أو المريض، إذ يتطلب الأمر أحياناً من المريض البقاء في المسشفى لمدة معينة بعد العملية الجراحية مع أخذ مضادات الالتهاب المطلوبة، ومتابعة حالته مع الجراح بشكل مباشر، ولكن معظمهم يغادرون المستشفى بعد يوم أو يومين من العملية لا سيما عندما تجرى العملية خارج الدولة».

خطر الفيليرز

وذكر الدكتور مروان الزرعوني أيضاً أنهم يستقبلون حالات تعاني من مشاكل صحية بعد خضوعها لحقن البوتوكس في مكان غير صحيح، مشيراً إلى أن هذه المشاكل مؤقتة تزول مع زوال مفعول المادة بعد خمسة أشهر تقريباً، ويعود الجزء إلى وضعه الطبيعي.

وتابع «الخطر الحقيقي يتمثل بحقن «الفيليرز» لتكبير مناطق مختلفة أو لإزالة الحفر باستخدام مادة «السيليكون» أو مواد غير مرخصة بدلاً من مادة «الفيليرز»، حيث نستقبل حالات من هذا النوع، وهذه المواد موجودة في السوق المحلي على الرغم من الرقابة المشددة في الإمارة، وليس لدي أي فكرة عن طرق دخولها السوق وتداولها، ولكنها موجودة ويتم استخدامها وبشكل خاص مادة السيليكون في حقن الفيليرز، حيث يتم حقنها في أماكن مختلفة في الجسم وتؤدي إلى مضاعفات لا تزول إلى الأبد».

وتقدر تكلفة أرخص علبة مرخصة من مادة الفيليرز بـ 900 درهم، وهي تضم أبرة واحدة، فيما يقدر أغلى سعر لمادة السيليكون أو المواد غير مرخصة من الكمية نفسها 100 درهم فقط، والطبيب يمكنه كشف نوع المادة وإذا كانت مرخصة أو غير مرخصة مباشرة، لذلك فهو يتحمل المسؤولية كاملة.

ووفقاً للزرعوني، لا تظهر أي أضرار على السيدة في بداية الحقن، وتكون النتيجة بالطريقة المطلوبة، ولاحقاً تبدأ الأعراض بالظهور بعد شهور أو ربما بعد عامين، حيث يلتهب المكان الذي تم حقنه ثم يتورم، وتشعر المريضة بالألم نتيجة الالتهاب والاحمرار مع تشوه المنطقة.

ونصح الزرعوني السيدات أو أي شخص مقبل على إجراء عملية تجميلية بإجراء بحث عبر موقع «غوغل» للتعرف إلى الطبيب الذي سيقصده، وكذلك الاطلاع على نوع التجميل الذي يرغب في إجرائه، ولاحقاً المقارنة بين المعلومات التي جمعها وبين كلام الطبيب للتأكد من أنه سيجري العملية بالطريقة الصحيحة.

ممارسات خاطئة

من جانبه، قال رئيس شعبة التجميل في جمعية الإمارات الطبية الدكتور زهير الفردان إن معظم الممارسات الخاطئة يرتكبها أشخاص في عيادات غير مرخصة، أو يحضرون إلى البيوت، أو يقيمون لفترة في فنادق ويقصدهم المرضى، وهم يجرون العمليات التجميلية كافة دون رقابة، مشدداً على أن المسؤولية هنا تقع على المرضى الذين يقصدون هذه الفئة بحثاً عن سعر أرخص.

وأضاف الفردان «السؤال هنا هو عن طرق دخول هؤلاء الأشخاص إلى الدولة، وإدخالهم لهذه المواد غير المرخصة، وربما يقوم بعضهم بإدخالها في حقائبهم الخاصة، أو التقدير بأنها للاستعمال الشخصي».

ولكن السؤال الأهم هو في حال كانت المواد الطبية مرخصة فكيف يحصل هؤلاء المخالفون عليها، لأن على الشركات المصنعة والموزعة أن تبيعها لعيادات وأطباء مرخصين فقط؟

وأكد الفردان أن المسؤولية مشتركة بين كل من هيئة الصحة في دبي ودائرة الصحة في أبوظبي ووزارة الصحة ووقاية المجتمع، وفي تنظيم وتشديد الرقابة وعمليات التفتيش الدوري إلى هذه الأماكن.

وتطرق الدكتور زهير الفردان إلى مشكلة حقيقة أخرى تكمن في المسميات التي يطلقها العاملون في هذه المهنة على أنفسهم، مناشداً الجهات الصحية بالتدخل في الأمر، وقال «هناك أطباء يكتبون على لوحاتهم الإعلانية مسميات لهم مثل جراح ليزر أو استشاري جلدية وتجميل، ولا يوجد هذا النوع من التخصص، أو طبيب تجميل ولا يوجد تخصص بهذا الاسم، فهناك جراحة تجميل، وأختصاصي أمراض جلدية وهؤلاء مصرح لهم بإجراء عمليات غير جراحية مثل البوتوكس والفيليرز والميزو ثيريبي والليزر وما إلى ذلك».

وتابع «ستبادر شعبة التجميل في جمعية الإمارات الطبية إلى إضافة صور الأطباء الأعضاء المنتسبين لها مع نبذة عنهم في موقعها الإلكتروني كمرحلة أولى، على أن تشمل المرحلة الثانية إدراج معلومات عن الحقن والعمليات الجراحية بهدف تثقيف الجمهور وحمايتهم من الممارسات الطبية الخاطئة».

وذكر أستاذ الأمراض الجلدية في جامعة الإمارات الدكتور إبراهيم كلداري أنه يستقبل حالات من هذا النوع يومياً منذ عشرة سنوات تقريباً، أي بالتزامن مع انتشار ظاهرة «الفاشينستات» أولاً والمؤثرين لاحقاً وتحديداً على موقعي إنستغرام وسنابشات، لافتاً إلى أنه من المعيب على أي طبيب الاستعانة بهذه الشخصيات للترويج له.

وناشد كلداري بضرورة تشديد الرقابة لضبط هذه الممارسات الخطيرة، وعدم استخراج تراخيص لأشخاص ومراكز غير مؤهلة في المجال، وضرورة إخضاع الأطباء لاختبارات شديدة لاختيار الأفضل، بدلاً من إجراء الاختبارات عن طريق الأونلاين والتي يمكن لأي شخص اجتيازها بسهولة.