محمد البحراوي

إفطار في الدوام

تجتمع الأسر والأهل والأصحاب على موائد الإفطار طوال شهر رمضان، في الوقت الذي لا يستطيع أحد طواقم نقطة إسعاف المحيصنة في القصيص بدبي أن يغادر موقعه، في انتظار إشارة تبلغ عن حادث أو تنذر بحالة طبية حرجة لشخص ما، وفي كل الأحوال لا يتخاذلون عن تلبية النداء فوراً حتى ولو كان متزامناً مع موعد الإفطار.

واعتبرت طواقم إسعاف المحيصنة «العمر لحظة» لأن الفرق لديهم بين الحياة والموت وقت قصير لا بد أن يتمكن المسعف فيه من الوصول للمصاب وإنقاذه عبر الإسعافات الأولوية، ونقله إلى المستشفى إذا استعدت الحالة ذلك.

وبآذان صاغية لجهاز البلاغات اللاسلكي في يديه، وعينين تترقبان وصول ومغادرة سيارات الإسعاف، يقف مشرف مناوبات نقطة إسعاف المحيصنة في دبي ممدوح عبدالحليم، الذي يعمل في هذه المهنة منذ 30 عاماً، مترقباً وورود أية إشارة أو نداء.

بلاغات قبيل الإفطار

وقال: «تقع في رمضان حوادث مختلفة نتيجة السرعة الزائدة قبيل الإفطار، لرغبة الصائمين في العودة سريعاً إلى منازلهم، كما تزداد البلاغات بعد الإفطار نتيجة للإسراف في تناول الطعام بعد وقت طويل من الصيام، فمعظم البلاغات التي ترد عبارة عن آلام في المعدة ومغص».

أجواء أسرية

أخبار ذات صلة

«فطور العافية» تستهدف الأسر المتعففة في رأس الخيمة
رجال الدفاع المدني بأبوظبي: مــــــــــرابطون في الإفطار والسحور


وأضاف: «أعيش هنا مع أسرتي، على مدى عقود قضيتها في إنقاذ حياة الناس، وعندما يأتي البلاغ لا أتوانى عن ترك طعامي، للإشراف على عملية توجيه سيارة الإسعاف إلى موقع الحادث، وعلى متنها أفضل العناصر المدربة مصحوبة بطبيب، فإنقاذ الإنسان إحياء للبشرية كلها».

وتابع ممدوح عبدالحليم: «في بعض الأحيان تأتي بلاغات أثناء تناول التمرة الأولى في إفطار رمضان، وهنا ليس لدينا وقت لتناول الثانية، فالفرق بين أن يبقى الإنسان حياً أو ميتاً مجرد لحظات».

11 عاماً على الطرقات

ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لمساعد المناوب عمر صلاح الغرابات، الذي يعمل في هذه المهنة منذ 11 عاماً، قضى معظمها في إنقاذ مصابي الحوادث على الطرقات، ويستعرض عمر شريط ذكريات مملوءاً بمئات الحوادث التي شارك في إنقاذ ضحاياها، أو نقل جثامينهم إلى المستشفيات.

مشاهد قاسية

وقال الغرابات: «لا يوجد أقسى من الحوادث التي تحضر فيها النساء أو الأطفال على سرير الضحايا، لا يستطيع أحد منا تمالك نفسه أمام أم تحتضن رضيعها والدماء تسيل منهما، وقد يفارق أحدهما الحياة بينما يظل المشهد القاسي في ذاكرتنا مدى العمر».

وأضاف أن حوادث السير قبل الإفطار خطرة للغاية ومعظمها مميتة، وتحدث إصابات تفقد الإنسان كثيراً من لياقته ووظائف جسمه، مستنكراً تسرع البعض للإفطار في المنزل بينما تقوده السرعة الكبيرة إلى مصرعه.

حادث وقت الإفطار

بينما يلتقط زميله مالك طرف الحديث قائلاً: «أحياناً نفطر بعد العشاء أو حتى في منتصف الليل، لأنه لو وصلنا بلاغ بحادث كبير وقت الإفطار، فسنحتاج إلى وقت طويل لنقل الضحايا إلى المستشفيات، ونتعامل مع كل البلاغات بنظام واحد، نحن لا نعرف طبيعة الحادث أو توصيف الحالة المرضية لأي مريض في منزله أو عمله إلا عند الوصول إليه، لذلك نعطي كل الاهتمام لجميع البلاغات بالقدر نفسه».

وعن طقوس رمضان في العمل، ذكر مالك أن الإدارة توفر لهم وجبات الإفطار يومياً، ويقضون يومهم في ممارسة العمل، وإذا كان لديهم وقت فراغ يقرؤون القرآن.

إنقاذ الناس أهم

أما هشام منصور، سائق إحدى سيارات الإسعاف، الذي يعمل منذ 11 عاماً، فأكد أنهم يقضون وقتهم في العمل طوال شهر رمضان كأسرة واحدة، مضيفاً:«نتناول الإفطار كلنا سوياً في مكان واحد، وأحياناً يُحضر بعضنا الطعام من المنزل، لكن لا يهم أين ومتى نفطر، الأهم هو إنقاذ الناس».