محمد منصور

أثناء فحص اعتيادي تقوم به السيدة جودي بيركنز، كل عامين، شك الأطباء في وجود كُتل غير محددة النوع في ثديها الأيسر، فطلبوا منها القيام بفحوص متقدمة تشمل التصوير بالأشعة المقطعية المحوسبة، ليجدوا أنها مصابة بسرطان الثدي.

طمأن الأطباء السيدة، فالورم لم ينتقل بعد للخلايا الليمفاوية، ولا يزال في مرحلته الأولى، متركزاً في بضعة مليمترات في كتلة الثدي، قرر الأطباء عمل استئصال لكامل الثدي، وبعد تلك الجراحة، وطيلة عشر سنوات كاملة تلت الجراحة، لم تُعان جودي أي إصابات، إلا أن عام 2013 شهد إصابتها بورم جديد، أشد شراسة، منتشر في أجزاء أخرى من جسدها. تلقت السيدة سلسلة من العلاجات الكيماوية والهرمونية دون نتيجة، ليخبرها الأطباء بأن حالتها أصبحت ميؤوس منها.

بعد أيام، عرفت جودي أن المعاهد الأمريكية للصحة تُجري اختباراً جديداً لنوع من العلاجات المناعية، قدمت جودي نفسها إلى المعهد لإجراء التجارب عليها، وبعد عامين من إجراء تلك التجارب؛ اختفت أورامها السرطانية، وتعافت تماماً، وعادت إلى عملها السابق، وكأن السرطان لم يكن.

خضعت جودي لنوع من العلاج يُسمى العلاج المناعي المتقدم. وهو أحد أنواع العلاجات التي تقتل الخلايا السرطانية عن طريق تنشيط الجهاز المناعي لجسم الإنسان، والحقيقة أن تلك التقنية يتم استخدامها منذ سنوات عدة للقضاء على السرطانات السائلة «كسرطان الدم»، إلا أن تلك هي المرة الأولى التى يتم فيها استخدام هذه التقنية في الأورام الصلبة، مثل أورام الثدي.

وبحسب ستيفن روزنبرغ، رئيس الفريق العلمي الذي عالج جودي، فإن ذلك الأسلوب يُعد واعداً للغاية في علاج أورام الثدي السرطانية التي لا تستجيب للأدوية التقليدية، إذ يقول في تصريحات خاصة لـ «الرؤية»: إن تلك الطريقة «تحمل أفضل الفرص للمريضات في المراحل المتقدمة من سرطان الثدي».

يُعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان انتشاراً بين السيدات، إذ يُصيب واحدة من كل ثماني سيدات، ويقتل نحو 571 ألف مريض سنوياً، ما يجعله السبب الخامس للوفاة بين مرضى السرطان. وطيلة السنوات الماضية، يحاول العلماء وضع خارطة طريق للتخفيف من حدة ذلك النوع من السرطان، وتقليل أعداد الوفاة، عبر استراتيجية واضحة تعمل على ثلاثة محاور متوازية، على حد قول الباحث بقسم بيولوجيا السرطان بجامعة توماس جيفرسون إدوارد هارسوغ.

أخبار ذات صلة

خطة مبتكرة من ماسك لزيادة إيرادات تويتر
أبل تعتزم تقديم شاشة حاسوب ماك تعمل باللمس


ويقول إدوارد في تصريحات خاصة لـ «الرؤية»، إن الاتجاهات الجديدة لعلاج السرطان لا تقتصر فقط على تطوير الأدوية التي تُحارب المرض، بل تمتد لتشمل طرق الكشف المبكر عن الأورام، والكشف أيضاً عن مسبباتها.

* الكشف المبكر عن الأورام

وفيما يختص بالكشف المبكر عن الأورام، يقول هارسوج إن الباحثين تمكنوا أخيراً من تطوير اختبار يكشف السرطان في دقائق معدودة، تعتمد تلك الطريقة على اكتشاف البنية النانونية الفريدة للحمض النووي، والتي تبدو شائعة في جميع أنواع السرطانات، لا سيما سرطان الثدي.

ويكشف ذلك الاختبار، في عشر دقائق فقط، وجود الأورام السرطانية في الدم، عبر اكتشاف البصمة المميزة للسرطان في الحمض النووي، بتكلفة لا تزيد على 20 درهماً إماراتياً.

يُعد الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي سبباً رئيساً في الشفاء، فنحو 90 في المئة من السيدات اللائي يكتشفن الأورام في مرحلتها الصفرية أو الأولى لديهن معدلات بقاء على قيد الحياة أعلى بنحو عشرة أضعاف من السيدات اللائى يكتشفن سرطان الثدي في المرحلة الثالثة. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي لا يساعد فقط على الشفاء، ولكن يؤدى أيضاً إلى تقليل التكاليف المالية المترتبة على علاج السرطان، غير أن عملية الاكتشاف ذاتها يكتنفها العديد من التحديات، خصوصاً في البلدان النامية، إذ تحتاج إلى أجهزة متقدمة باهظة الثمن، قد لا تتوافر في تلك البلدان، خصوصاً في مناطقها النائية.

علاوة على ذلك؛ يحتاج الكشف عن سرطان الثدي أخذ خذعات ـ عينات ـ من الورم لدراستها تحت المجهر الإلكتروني، غير أن الطريقة الجديدة لا تحتاج سوى إلى عينة من الدماء، لا تزيد على ثلاثة سنتيمترات مكعبة من الدم، وبحسب هارسوج، فإن تلك الطريقة لا تحتاج سوى إلى توافر نوع من أنواع المواد الكيماوية الكاشفة، التي يتغير لونها وشكلها حال وجود مجموعة من المواد الكيماوية في الجسم والتي تٌفرز حال وجود أورام.

* أدوية مناعية

أما الشق الثاني في طرق مكافحة سرطان الثدي، فيعتمد على الأدوية المناعية، والتي تستخدم خلايا الجسم ذاتها لمهاجمة الأورام السرطانية.

وعلى الرغم من أن تلك الأدوية لم تدخل بالفعل نطاق التطبيق بشكل واسع على المرضى، إلا أن ستيفن روزنبرج يقول إن المستقبل «يفتح الباب أمام استخدام تلك التقنيات لمجابهة المرض».

تستخدم الأدوية المناعية الآن لعلاج الأورام السائلة بالفعل، وقد طرحت إحدى الشركات قبل أكثر من عام دواء جديداً يبلغ سعره نحو مليوني درهم لعلاج سرطان الدم غير القابل للعلاج بالأدوية التقليدية.

ويقول روزنبرج، إن ذلك النوع من الأدوية يقوم بتعديل الخلايا التائية لكي تتعرف إلى الأورام السرطانية وتدمرها. في البداية يقوم الأطباء بسحب عينات من دماء المرضى، ومن أورامهم السرطانية، ثم يقومون بعزل الأجسام المضادة من دمائهم، وإعادة برمجتها باستخدام الهندسة الوراثية للتعرف إلى الخلايا السرطانية، ومن ثم حقنها مرة أخرى داخل الجسم.

تقوم بعد ذلك تلك الخلايا بمهاجمة السرطان وتدميره في وقت قصير، وهو أمر يصفه روزنبرج بـ «النهج الجديد الذي قد يقضي على سرطان الثدي في المستقبل القريب»، موضحاً في تصريحاته لـ «الرؤية»، أن مريض السرطان بشكل عام قد يستجيب للعلاج المناعي بنسبة 100 في المئة بعد عشر سنوات من الآن.

ويقول روزنبرج، إن علاج المريضة جودي بيركنز، اعتمد على طريقة مُغايرة تستخدم خليطاً من العلاج المناعي والأدوية الموجهة، ففي حالتها؛ قام الباحثون بفحص الأنسجة الورمية لدراسة الطفرات الخاصة بالورم، ثم قاموا باستخلاص نوع من أنواع خلايا الدم البيضاء تسمى بـ «الخلايا الليمفاوية المتسللة»، وقاموا بتنميتها داخل المختبر، ثم أعادوا حقنها داخل دماء المريضة، وقاموا في الوقت ذاته بإعطائها نوعاً من أنواع الأدوية الموجهة والتي تتكون من مجموعة من البروتينات التي تستهدف المرض وتُحدث طفرة جديدة في الخلايا الورمية تمنعها من الانقسام المفرط.

وقد أدى الدمج بين الطريقتين ـ العلاج المناعي والعلاج الموجه ـ إلى شفاء المريضة، وهو أمر سيسهم مستقبلاً في القضاء على أورام الثدي السرطانية. ويرى روزنبرج أن تصميم أدوية جديدة موجهة لنوع مُحدد من الخلايا المُسببة لسرطان الثدي «ممكن جداً في المستقبل» فيوماً بعد يوم؛ يكتشف الأطباء مسببات جديدة للأورام السرطانية.

* مسببات المرض

يأتي الكشف عن مسببات سرطان الثدي على رأس أولويات الباحثين، فالكشف عن مُسبب المرض إحدى أهم طرق علاجه، على حدّ قول ستيفان هيرزيج، مدير معهد هيلمهولتز الألماني لأبحاث السرطان.

وعلى الرغم من وجود بضع عوامل خطر تُسبب الإصابة بسرطان الثدي، إلا أن تلك العوامل «ليست كافية» لصناعة أدوية تستهدف ذلك السرطان على حدّ قول ستيفان، والذي يؤكد أن الهندسة الجزيئية وتقنيات الكشف الحديثة عن الجينات ستصنع فارقاً كبيراً في المستقبل.

ويقول هيرزيج في تصريحات خاصة لـ «الرؤية» إن الباحثين يعملون حالياً على تحديد السلوك الخلوي لسرطان الثدي، وبالفعل؛ هناك العديد من الأبحاث التي حددت بدقة مجموعة من العوامل الجينية والطفرات الوراثية التي تؤدي للإصابة بأورام الثدي.

ويرى هيرزيج أن التكامل بين عمليات تصميم الأدوية الجديدة وتقنيات الكشف المبكر والاكتشاف الدقيق لمسببات الأورام «هي الطريقة المُثلى للقضاء على الوحش المرعب المسمى سرطان الثدي».