هادي حداد

أحد الأسئلة المثيرة دوماً للنقاش والشغب الفكري حول العالم ومنذ أزمنة بعيدة سؤال «من يحكم العالم؟»، وهل ما نراه من حكومات ظاهرة للعيان هو الحقيقة الكاملة المطلقة، أم أن هناك جماعات سرية مغرقة في القدم هي من يحرك العالم؟

يرى البعض أن هناك مؤامرة عميقة جداً لا يعرف أحد أسرارها، ولا يستطيع أن يصل كائن ما إلى ما ورائياتها، والبعض الآخر يؤكد أن الأمر لا يتعدى هاجس المؤامرة، والهوس بها، وأنه ما من حكومات خفية، ولا جماعات سرية.

فلسفياً، يقال إن الحقيقة هي وضع متوسط بين تطرفين، وغالباً ما يكون هذا الطرح سديداً، ذلك إن لم يكن التاريخ كله مؤامرة، فإن المؤامرة بحال من الأحوال قائمة في بطن التاريخ.

أحدث مؤلف رصين صدر الأيام القليلة الماضية جاء تحت عنوان «الساحة والبرج»، عن الشبكات والسلطة من الماسونيين الأحرار إلى فيسبوك، ومؤلفه ليس واحداً من آحاد الناس، بل مؤرخ ومفكر، كاتب وباحث، صحافي وأستاذ جامعي، الأسكتلندي الأصل الأمريكي الجنسية «نيال فيرجسون»، صاحب العديد من المؤلفات التي تتساءل عن الحضارات وأسرارها، وعن الشعوب وتطلعاتها، وعن الصراعات ومآلاتها.

كتاب فيرجسون الأخير في واقع الحال هو إعادة صياغة رائعة لنقاط التحول في تاريخ العالم، بما فيها اللحظة التي نعيشها الآن ، بوصفها تصادماً بين أنظمة السلطة الهرمية القديمة والشبكات الاجتماعية الجديدة.

يقول أصحاب نظرية المؤامرة إن هناك عائلات خفية تقوم على حكم العالم، مثل عائلة روتشيلد في أوروبا، ويذهب بعضهم إلى الإشارة لجماعة «البناؤون الأحرار» بوصفها الأساس الأول والأكبر الذي عليه بنيت منظومة السلطات الخفية، بكافة تفرعاتها، فهل القصة برمتها خاطئة؟

أخبار ذات صلة

الين الياباني يهوي لأدنى مستوى في 24 عاماً أمام الدولار الأمريكي
زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف


لا يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو، وهذا ما يوضحه فيرجسون في مؤلفه العتيد هذا، ذلك أن معظم التاريخ هرمي، فهو عن الأباطرة والرؤساء، ورؤساء الوزارات وجنرالات الميدان، إنه تاريخ عن الجيوش والدول والمؤسسات، وهو حافل بالشبكات الاجتماعية.

يحاجج فيرجسون بأن الشبكات العميقة التي نسميها أحياناً «الدولة الخفية»، كانت معنا دائماً، بدءاً من بنية الدماغ إلى السلسلة الغذائية، ومن شجرة العائلة إلى الماسونية، فعلى مر التاريخ بينما ادعت الأنظمة الهرمية الساكنة في الأبراج العالية أنها تحكمنا، كانت السلطة الحقيقية كامنة في الأسفل في الشبكات، في ساحة البلدة، ولأن الشبكات تميل إلى الابتكار والتجديد، فمن خلالها تنتشر الأفكار الثورية بطريقة فيروسية معدية، وما ينغمس منظرو المؤامرة في تخيله عن هذه الشبكات لا يعني أنها غير حقيقية.

فيرجسون من القلائل الذين يفتحون الباب واسعاً للاعتراف بوجود مثل تلك الأدوار، وقد سبقه نائب وزير الدفاع الكندي في أربعينات القرن الماضي «وليام جاي كار» في كتابه المعنون «أحجار على رقعة الشطرنج».

والثابت أن هناك بالفعل دوراً ما لتلك الجماعات، وخير مثال لها مؤسسة بيلدربيرغ المعروفة قليلاً جداً والفاعلة كثيراً جداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإليها يعزى ترتيب أوراق العالم وترجيح اختيار الرؤساء، لا سيما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص.