حوار: محمد الحمادي

شدد الأمير تركي الفيصل عضو مجلس الإدارة في «بيروت إنستيتيوت» على صلابة العلاقات بين السعودية والإمارات. وأوضح أن التنسيق بين البلدين يقوم على رؤية واضحة «لا شك ولا ضبابية ولا تردد فيها». وحذر الأمير في حواره مع «الرؤية» من أن منظومة الأمن العربي الشامل تتداعى، لافتاً إلى «انتهازية إيران وتركيا»، وما تمثله تصرفات الدولتين من تهديد لاستقرار المنطقة، مقابل المساعي السعودية ـ الإماراتية الصلبة لمواجهة التهديدات وإحلال السلام وضمان الحقوق العربية وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني.

وشدد الأمير تركي على تفاؤله بالمستقبل والتغيير «الذي بدأ الآن بأيدي الشباب» في السعودية والإمارات والمنطقة العربية ككل. وأوضح أن قمة «بيروت إنستيتيوت» تستهدف وضع تصور لدرء المخاطر التي تحيط بدول المنطقة، واصفاً ما تمر به المنطقة بأنه «مرحلة ضبابية»، مشيراً إلى التناقض الأمريكي في معالجة الأزمات بالمنطقة، مقابل الوضوح الكامل في رؤية السعودية والإمارات، سواء تجاه القضايا العربية الكبرى أو مجابهة التحديات التي تستهدف المنطقة بسبب الدور التخريبي لإيران، والعدوان العسكري التركي على سوريا.

• في البداية نشكرك على تلبية دعوة «الرؤية» للحوار قبيل انطلاق القمة. دعنا نبدأ من الهدف الرئيس للقمة، أنتم تخاطبون جيلاً جديداً يعيش في منطقة مملوءة بالأحداث والتطورات.. ما هي خارطة الطريق لتخرج المنطقة من هذا الوضع الشائك؟

سؤالكم هو الجزء الرئيس في القمة، وكنت أتمنى أن تكون لدي «بلورة سحرية» لتعرف منها ما سيحدث في المستقبل. لذلك فنحن في هذه القمة من أهدافنا وضع تصور لدرء المخاطر عن المنطقة. فنحن نعيش في منطقة تمر بما يمكن تسميته بـ«المرحلة الضبابية»، إذ ليس هناك وضوح ـ خصوصاً لدى العالم ـ لما يجري على أرض الواقع، وما قد يترتب على ذلك مستقبلاً.

• ما حجم هذه «المرحلة الضبابية» وكيف ترون خطورتها على المنطقة؟

للأسف نعيش في هذه المنطقة وسط تناقضات كبيرة للغاية في بعض المواقف، على رأسها التناقضات الأمريكية نفسها في التعامل مع ملفات المنطقة، وهناك دور انتهازي بالغ الخطورة تلعبه إيران وتركيا، ودور آخر أرجو أن يتضح أكثر وأكثر، عندما يزور الرئيس الروسي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات خلال أيام.

أخبار ذات صلة

«اصنع في الإمارات» يسجل 32 اتفاقية وصفقات محتملة بـ 110 مليارات درهم
شرطة أبوظبي تطلق «صيف بأمان 3» لتعزيز الوقاية والسلامة


في المقابل، هناك دولتان لديهما رؤية واضحة لما تفعلانه وما تريدان فعله في المنطقة. هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

فالمملكة والإمارات تقدمان كل التضحيات اللازمة لضمان السلام الدائم واستقرار هذه المنطقة القلقة، وفي سبيل تحقيق هذه الرؤية الواضحة، تقدمان كل شيء حتى التضحية بالروح لضمان استقرار المنطقة.

بالتأكيد ليست لدى البلدان شكوك في ما هو واجب عليهما تجاه المنطقة. وعلى رأس الأولويات القضية الفلسطينية، فكلانا في المملكة والإمارات، ملتزم بإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، بما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني نفسه، مثل عودة اللاجئين لبلادهم وعاصمتها القدس، وذلك انطلاقاً من المبادرة العربية التي مر على إطلاقها نحو 17 عاماً.

أيضاً، ليس لدى البلدان أي تردد أو ضبابية في الموقف من الوضع في اليمن. فالدولتان تدعمان الشرعية بوضوح، وقد أعلنتا ذلك، والتزمتا بالقرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن، وسبق أن التزمت السعودية والإمارات بمخرجات المبادرة الخليجية التي أنهت الحرب في اليمن في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.. هذا وضوح كامل في الرؤية.

وحتى في التطورات المؤسفة الأخيرة في سوريا، لدينا في المملكة وكذلك في الإمارات، موقف واضح وحاسم ضد الغزو التركي لسوريا، وأعلنت الدولتان أن هذه العملية أمر غير مقبول.

وفيما يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة، ليس هناك شك أو تردد بين البلدين في مناهضة مساعي إيران لإثارة الأزمات، سواء في اليمن أو البحرين أو العراق أو سوريا أو لبنان، وحتى في غيرها من المناطق والدول التي تنتهز فيها طهران وجود أزمات لتتدخل فيها وتهدد استقرارها.

ما أقوله هنا إن هناك توافقاً كاملاً ورؤية واضحة مشتركة بين السعودية والإمارات لمواجهة التحديات التي تحيط بالمنطقة، وهذه الرؤية واضحة ويعمل البلدان بلا ضبابية ودون تردد، حتى حين احتاج الأمر إلى تقديم تضحيات غالية.

• هذا التحالف العميق بين السعودية والإمارات في اليمن.. هل يمكن أن يكون نموذجاً لبقية الدول لتحتذي به؟

لا أرى ما يمنع، فما دام هناك توافق استراتيجي بين أهداف الدول، ورؤية واضحة وتوافق عليها بين الزعامتين، وما نشاهده أن هذا التوافق يطبق بالفعل على الأرض، سواء في اليمن أو غيره، فهناك اجتماعات دورية للجان التنسيق المشترك، في الملفات التي تهم البلدين تناقش كل شيء، سواء الصحة أو البيئة أو الإعلام، وهو أبرز مثال على هذه الشراكة الحقيقية.

• الآن وبينما نتحدث تجتمع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لبحث ما يحدث في شمال سوريا من غزو تركي لهذه الأرض العربية.. هناك توجه عربي عام يدين الغزو والعمليات العسكرية.. وكأن العرب كانوا ضد سوريا، والآن يصطفون مع سوريا.. لكن البعض يقول إن هذا الموقف ضد أردوغان وليس مع سوريا.. كيف تراه؟

الموقف مع الشعب السوري، والشعب هو الذي يدفع الثمن منذ أن قامت الهبّة الشعبية ضد حكم من أسميه أنا «جزار دمشق بشار الأسد». وبشار هو أول من فرض على الشعب السوري القتل والتهجير واللجوء خارج البلاد.

للأسف، دول أخرى انتهزت الفرصة، لكنه بشار نفسه دعا حلفاءه الإيرانيين لقتل شعبه، وحين لم تثمر في تثبيت حكمه، دعا روسيا لتساعده أيضاً، وبالفعل أتت روسيا بكامل إمكاناتها، وأسهمت في إبقائه إلى هذه الفترة في سوريا.

أما ما يحدث الآن، فلا أقول تركيا، لكني أقول أردوغان، فقد رأى أن غيره يقتسم الكعكة، دون وجوده في هذه «الوليمة»، فأراد أن يأخذ هو الآخر نصيبه من الكعكة السورية. فهو لم يدخل سوريا اعتباطاً، بل نسق مع الروس والأمريكان، وربما الإيرانيين أيضاً.

• في تقديرك ما مدى هذا التنسيق.. هل حصل أردوغان على ضوء أخضر لغزو سوريا؟

للأسف وكما نرى، لا أحد يعترض طريقه سوى الشعب السوري نفسه، هو الذي يدفع الثمن ويتعرض للقتل والتهجير والتشريد ويتحول إلى لاجئي.

• المراقب للمشهد في العالم العربي يرى الأطماع الإيرانية والتركية تحيط بدول المنطقة.. والسؤال هنا من جزأين، الأول هل هذه الأطماع والتدخلات نتيجة ضعف الدول العربية؟.. والشق الثاني: هل يستطيع العرب التخلص من هذه الأطماع والتدخلات في العقد القادم؟

نسأل الله أن نتخلص من هذه الأطماع التي تحيط بالمنطقة، وهؤلاء لم يأتوا طامعين إلا حين وجدوا الفرصة لذلك. والفرصة للأسف هي تداعي نظام الأمن العربي الشامل.

وأذكرك، حين هبّ العالم العربي ودول العالم لنصرة الشعب الكويتي والتخلص من الغزو الصدامي للكويت، كانت في حينها جبهة عربية إسلامية موحدة، هي التي استطاعت أن تدعو للتدخل، وأن يلبي العالم الدعوة لطرد الغازي من الكويت.

لكن اليوم لا أجد أي فرصة لأي دولة في المنطقة بما فيها دولنا، لأن تدعو فيستجيب لها العالم. ولو كان ذلك ممكناً لاستجاب الرئيس أوباما لتطلعاتنا في التدخل لوقف القتل في سوريا، خصوصاً حين استخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه، وهو الخط الأحمر الذي وضعته واشنطن نفسها، لكن للأسف تخاذل أوباما حتى عن الالتزام بما حدده بنفسه خطوطاً حمراء في الأزمة السورية. وهذا مجرد مثال واحد لضعف المنطقة بصفة عامة في مواجهة التحديات.

• هل يعني هذا أننا بحاجة إلى توصيل حقيقة ما يحدث في المنطقة للرأي العام العالمي بشكل أفضل.. هل الرأي العام العالمي لا يعرف حقيقة، وهل لم نصل إليهم بعد؟

هذا سؤال في محله بالفعل، وأعتقد علينا أن ننشط في التعريف بالحقائق، من نحن وماذا يجري حقيقة على الأرض، وللأسف هذا الأمر لا يزال غائباً عن الرأي العام العالمي. وشخصياً أواجه في كل سفر للخارج بأسئلة تدل على ـ بتعبير مهذب - «قلة المعرفة» بما يجري في المنطقة بالفعل، وليس هذا فقط، فهناك قلة معرفة عالمية بما هي تطلعات المنطقة للمستقبل. وهذا ينتج عنه تعرضنا لأوصاف غير حقيقية، فهناك من يصفنا في المملكة بأننا إرهابيون أو متزمتون أو ضد حقوق الإنسان، أو متعدون على حقوق المرأة. وإذا لم نواجه هذه التساؤلات والوصمات الشنيعة والخاطئة، فسوف نستمر موصومين بها. والطريقة الوحيدة للرد هي تكثيف العمل الإعلامي بلغات الآخرين.

وللأسف الوسائل الإعلامية العربية، خصوصاً المرئية، تخاطبنا نحن، أي أننا نخاطب أنفسنا. في المقابل، الجزيرة التي تعمل بمنهج ليس شاذاً فقط، لكنه نهج تخريبي يزيد وصمنا بالأوصاف غير الحقيقية، تخاطب العالم بالإنجليزية. وهذه دعوة للمسؤولين عن الإعلام ليخاطبوا العالم بلغته، ليبرزوا ما لدينا من تغيرات وحقائق.

• هذا يقودنا لدعوتك السابقة بإلغاء وزارات الإعلام.. هل ما زلت تطالب بهذا الإجراء، أم تعتقد أن الهجمات الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها دولنا، تجعل من الضروري وجود وزارات للإعلام؟

أعتقد أن كل وزارات الإعلام مقيدة أكثر من كونها مطلقة لأي عمل إعلامي ناجح. وهذه طبيعة أي بيروقراطية، ففي كل قرار لجان ويكون هناك تسلسل بيروقراطي لاتخاذ القرار، بينما الأحداث تتم تغطيتها لحظياً في وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك حين تجتمع هذه اللجان وتدرس الأمور وترفع التوصيات للمسؤولين وتحصل على الموافقات اللازمة يكون الخبر قد انتهى بالفعل. وأتى خبر آخر يحتاج إلى دورة ثانية من البيروقراطية ذاتها.

لذلك أقول إن المواطن السعودي والإماراتي قادرون عبر هواتفهم الشخصية على أن يواجهوا هذه الحملات والأكاذيب بأنفسهم. فحين يتم نشر خبر على تويتر، مثلاً، لا نحتاج لانتظار وزارة الإعلام لتشكيل لجان وإصدار بيان رسمي، فمن المفترض أن يبادر المواطن نفسه للتدخل والرد.

ومن هذا المنطلق طالبت بإنهاء دور وزارات الإعلام. وهنا أحدد أنني بالتأكيد لست ضد «الانضباط» في الإعلام، فهو أمر أساسي، ويجب أن تكون هناك هيئة تتابع ما يحتويه الإعلام، خصوصاً لأن ما قد يتورط في نشر نزعات متطرفة أو باتجاهات أخلاقية سيئة، فكلا البلدين لديهما إرث حضاري وديني يجب أن نحافظ عليه ونطوره لا ندمره. لكن للأسف صياغة الخبر نفسها لا تجيدها وزارات الإعلام.

• بما أنكم تتحدثون عن الشباب السعودي والإماراتي.. كيف تنظرون إلى الشباب الذين أصبحوا مستهدفين من الإعلام الموجه لنشر الأكاذيب؟

نحتاج لنحدد أولاً، ماذا نقصد بالشباب؟ فإذا كان الشباب من كل الأعمار فهذا يشملني أنا.. وإذا كنت تقصد من هم تحت 30 سنة، فلديهم إمكانات هائلة لم تكن متوافرة لي حين كنت في مثل عمرهم، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

ومثلاً، أي شاب في أبوظبي يستطيع أن يتصل حالياً بأرقى مراكز الفكر والمعرفة في الصين أو أمريكا أو روسيا أو أوروبا في ثوانٍ ويحصل على معلومة أو خبر من تلك المصادر مباشرة، دون الرجوع لجهة للحصول على إذن للوصول إلى المعلومة أو الخبر.

هذه الأدوات التي أعتقد أن شبابنا، يحسن التعامل معها، وحسب ما قرأت في بعض وسائل الإعلام فإن نسبة استخدام «تويتر» مقارنة بعدد السكان، فإن المملكة تحقق أعلى نسبة على مستوى العالم، ولا أستبعد أن يكون الوضع مماثلاً في الإمارات. وهذا دليل على أن شبابنا قادرون على التعامل خصوصاً فيما مجال التكنولوجيا والمعرفة.

الشيء الثاني الذي يثلج الصدر ويجعلنا كلنا نفتخر، هو مشاركة رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في رحلة الفضاء الأخيرة. وهبوطه بسلام، وقيامه بالأبحاث العلمية خلال الرحلة، وهو أمر يدلل على أن لدينا الكفاءات التي تستطيع أن تفعل الكثير، وهناك أمثلة كثيرة في شتى المجالات، سواء الطب أو التكنولوجيا أو العلوم الاجتماعية، أو ابتداع التطبيقات على الهواتف الجوالة لخدمة المجتمع، وكل هذه الأمور شبابنا يبرع فيها.

• إذن أنت تنظر بتفاؤل للشباب في منطقتنا؟

بكل تأكيد أنا متفائل بدورهم وقدراتهم.

• بناء على هذا، هل يستطيع الشباب أن يحدثوا التغيير في العقد المقبل؟

هم يحدثون التغيير اليوم بالفعل، وما الذي يمنع أن يستمروا. فنحن في المملكة نشهد تغييرات واسعة وانفتاحاً على العالم، سواء من ناحية المرأة أو تنشيط السياحة، أو حتى الجهد في تقديم صورة جديدة للمملكة، وكلها جهود الشباب. والشباب أثبتوا أنهم قادرون على ذلك.

• على المستوى العربي.. كيف ترى مستقبل المنطقة، هل أنت متفائل أيضاً بالمستقبل؟

أنا رجل مؤمن، لذلك لا بد أن أبقى متفائلاً، ومن هذا المنطلق أعتقد أننا مقبلون على ما هو أفضل مما لدينا حالياً.

• ما هي نصيحتك للعرب؟

نصيحتي للعرب، أنه ليس هناك مستحيل.. ومن يواجه فشلاً أو كبوة، عليه أن يطرق الباب أكثر من مرة لينال ما يريد.