بقلم: د. صلاح عبد الله العجلوني إعلامي وباحث ـ الأردن

يمكن القول: أن مؤسسة الأسرة تمر بجملة من الظروف التي تجعلها تقف بين نقيضين يتجاذبان مصيرها، هما: الاستمرارية والصمود من ناحية، والتفكك والتلاشي من ناحية أخرى، والمدقق في الظروف المحيطة بها سيجد جملة من العوامل الضاغطة على صلابة بنيتها وقدرتها على مواجهة التحديات.

ولعل النوع المستجد من التفكك الأسري يكمن في أنها رغم وجودها في إطار مادي يمثله المنزل، حيث يعيش الأب والأم والأولاد تحت سقف واحد إلا أنهم يخضعون لسلطة ما يمكن أن نسميه بالتفكك أو التفكيك التقني" الناجم عن استخدامات التقنية الحديثة بأساليب غير مسؤولة، وتحديدا وسائل التواصل الاجتماعي.

يتلخص المشهد التقني التفكيكي للأسرة بوجود شاشة تلفزيونية في كل غرفة، حيث لكل واحد من أفرادها خياراته اللامحدودة العدد، وأيضا اللامحددة الضوابط والمضمون في المشاهدة، هذا بالإضافة لارتباط كل واحد بعالمه الافتراضي الخاص به من خلال جهاز هاتف ذكي يسيطر على سمعه وبصره وتفكيره، وهنا نستطيع القول: أن العالم الافتراضي قد غزا الأسرة، واستباح وقتها وتفكيرها وعواطفها وحُرُماتها، مطلقا العنان لشهواتها صانعا منها أسرة وهمية لا روابط تجمعها.

لقد أدت تلك الاستباحة التقنية إلى تشكيل عائق أمام قيام أو تفعيل منظومة السيطرة والتحكم داخل الأسرة، والتي كانت لوقت قريب خاضعة للوالدين الأمر الذي نجم عنه تخطي أو حتى تدمير الخطوط الحمراء التي كانت تُحَدد وفقا لأسس دينية (الحلال والحرام) أو أسس تستند للعادات والتقاليد(العيب)، والمصيبة أن تأثيرها ما عاد يقتصر على الأولاد إذ امتد إلى الوالدين.

لقد أدى التسلل التقني ــ الذي ما عاد يعبأ لا بالأسوار ولا الأبواب ولا الجدران ـ إلى علاقات عادة ما تبدأ بمفردة إعجاب على صفحات التواصل، ثم ما تلبث أن تنتقل إلى التواصل المباشر، والذي قد يتطور أحيانا إلى درجة حميمية، وهنا يمكننا الحديث عن التواصل التقني الشهواني وتمدده واتساعه، وكثيرون منّا يستشعرون ذلك في دوائرهم القرابية أو الأسرية، غير أنهم يغضون الطرف، ربما لأن أدوات السيطرة والتحكم باتت شبه معدومة، أو لأنهم وجدوا في التغاضي عن ذلك وسيلة لتجنب الفضيحة وعواقبها الوخيمة على السمعة الاجتماعية للأسرة والأفراد وذلك استنادا للمثل الشعبي القائل:" خليها جوا تسطح أحسن تطلع برا وتفضح"، وهو أسلوب أقرب إلى طريقة النعامة أثناء الخطر حين تقوم بدس رأسها، ورغم ذلك الصمت إلا أننا نرى بين فينة وأخرى فضائح اجتماعية تقنية بفعل الدافعية الشهوانية، التي سهلت لها التقنية تخطي كل الحواجز .

أخبار ذات صلة

أزمة الطاقة وشتاء أوروبا
الابتكار من أجل السلام


إن العامل التقني أنتج قنوات سهلة لتكوين العلاقات وتلبية الشهوات، وهو ما جعل موضوع الزواج لدى بعض الشباب فكرة تقليدية يمكن الاستعاضة عنها بشبكة من العلاقات الواسعة، فضلا عن تفعيل حالة الشك بالآخر، وبالتالي تكون عقبة نفسية تحول دون القبول بشريك، والمدقق في سجلات المحاكم الشرعية يجد ارتفاعا في نسب الطلاق الناجمة عن اختراق تقنيات التواصل الاجتماعي لخصوصيات وحرمات العلاقة بين الزوجين.

على خلفية ذلك كله، نستنتج أن مستقبل مؤسسة الأسرة في خطر أمام الهجوم التقني الكاسح، لذا على الأمهات والأباء والأبناء والبنات أن يدركوا خطورة الأمر، فتلك الوسائل التي استطاعت أن تهز أركان أنظمة تمتلك جيوشا وأجهزة مخابرات ووسائل دعاية وأدوات قمع لا حصر لها باستطاعتها زلزلة أركان الأسرة وتدمير مستقبل أفرادها.

بقي القول: أن الحفاظ على تلك المؤسسة من الانهيار هو ضمان لبقاء المجتمع بروابطه وحدوده وخطوطه وهويته، وذلك ضمانة لعدم تحوله لمجتمع فاشل ومن ثم انهياره.