الطاهر عرفة، كاتب ومفتش سابقاً للتربية ـ الجزائر

من السندات التربوية التي اعتاد أستاذ الجغرافيا اللجوء إليها كوسائط لتوضيح وترسيخ اتجاه دوران الأرض، للطلاب، هي عقارب الساعة، فقد ظل يرشد طلابه إلى أن الأرض تدور حول محورها بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة، غير أن انقلاب المفاهيم في الوقت الراهن أصبح يهدد الأستاذ وطلبته، معاً، بالضلال والتيه.
ذلك، أن الساعة الميكانيكية ذات العقارب التي تعامل معها البشر، عبر عصور من الزمان، وبثقة مطلقة إلى درجة أنهم اتخذوا منها وسيلة توضيح وتذليل صعوبات علمية، علاوة على دورها في معرفة الوقت، لم تعد اليوم كذلك، فنتيجة للثورة الإلكتروتقنية، التي أنجبت الديمقراطية المعاصرة، فقد حلت الساعة الإلكترونية محل الساعة الميكانيكية المتواضعة التي ألفها الناس، واستأنسوا إليها بعكس الساعة الإلكترونية التي يتطلب التعامل معها، مستوى ما من المعرفة الإلكترونية.
إذن، لم يعد للساعة عقارب، وبذلك فقد أصبح تحديد الوقت وضبطه من اختصاص «الديمقراطيين»، أو قل المبشرين بالديمقراطية، وتسويق الديمقراطية في الوقت الراهن كمثل تسويق «الحضارة» في القرنين الـ19 والـ20، فقد تم تسويق «الحضارة» إلى الشعوب عبر طرود مقنبلات الـB26 ومدافع 105 ملم وصهاريج النابالم، ويتم اليوم تسويق الديمقراطية بواسطة مقنبلات الـ52B والصواريخ الذكية، ذكاء المسوقين الذين يعتمدون أسلوب المقايضة، مقايضة إنجازات التقنية المعاصرة بأرواح بشرية، لا ذنب لأصحابها سوى أنهم في صلواتهم، لا يولون وجوههم قبل قِبلة الديمقراطيين المعاصرين.. متباهين ومتبجحين بإنجازاتهم العلمية المتطورة التي يوظفونها في إزهاق أرواح بشرية وتدمير منجزات حضارية.. إنها الساعة التي لا عقارب لها.

أخبار ذات صلة

أزمة الطاقة وشتاء أوروبا
الابتكار من أجل السلام