محمود علي

تحولت مخيمات اللاجئين في شمال إدلب إلى بيئة خصبة لانتشار الأمراض، بسبب تدني مستوى البنية التحتية، وهو وضع ينذر بكارثة حال وصل وباء كورونا المستجد إلى هذه المنطقة التي تعاني من أوضاع معيشية مزرية.

يضاف إلى هذا الواقع صعوبات اقتصادية وموروث شعبي وعادات وتقاليد تجعل اتباع تدابير احترازية شديدة في مواجهة الوباء ضرباً من الخيال ورفاهية لا يقدر عليها لاجئون نزحوا وتركوا وراءهم كل ما يملكون.

ويقول مصطفى الحسن، وهو مهندس في أحد مشروعات المياه والصرف والصحي المدعومة من منظمات فرنسية غير حكومية في الشمال السوري: إن البنية التحتية للمخيمات شمال إدلب تختلف بحسب تاريخ ظهورها، فالقديمة منها كمخيمات قاطع الكرامة والسلام ولأجلكم في منطقة قاح على الحدود التركية فيها شبكات مقبولة للصرف الصحي وشبكات مياه، وهذه المناطق ضمن أكثر من 200 مخيم على أقل تقدير.

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

ويضيف في حديثه لـ«الرؤية» ان الحد الأدنى من البنية التحتية في مناطق زراعية وجبلية وعرة تحتاج الى كم هائل من الإمكانات المالية والتقنية، فالكثير من المخيمات حتى اليوم يتم تزويدها بالمياه عن طريق الصهاريج، ويتم إفراغ الحفر الفنية للمراحيض العامة عن طريق الشفط، والمجاري المائية مكشوفة، وأغلبها بالقرب من المنازل أي تبقى مجمعة في الطرقات أو بجوار مكان السكن، ما يجعل مصدر الأوبئة قريباً من السكان.

وتعمل عدة منظمات على ترميم واقع البنية التحتية كمشروع الأيادي الخضراء في مخيمات أطمه، ومؤسسة بناء للتنمية، إلا أن جهود هذه المنظمات وغيرها حتى اللحظة يبقى متأخراً في مواكبة الحاجة الكبيرة للمخيمات، وخاصة الجديدة منها والتي كثرت جراء موجات النزوح خلال العام الفائت 2019، حيث تحوي المخيمات اليوم أكثر من مليون ونصف المليون نازح.

الاطفال بالقرب من الصرف الصحي المكشوف(بالرؤية)

من جهته، يقول محمود أبوعلي مدير أحد المراكز الصحية في تجمع مخيمات أطمه، إن السكن في خيام متلاصقة، والتشارك في مورد المياه في أغلب الأحيان، وعدم وجود مورد للماء خاص بكل مسكن يجعل تطبيق حظر تجوال أو حجر صحي في المنزل أمراً شبه مستحيل على السكان، ففي المدينة توجد أبنية طابقية تسهل عملية حظر صحي من قبل أرباب الأسر في حال التزموا به.

وأضاف أبو علي أن الموروث الثقافي لمجتمع النازحين وعاداتهم وتقاليدهم المختلفة ما زالت حتى اللحظة سارية، ولم يحد منها بما يتناسب مع الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا المستجد، وخاصة مع عدم تسجيل أي إصابة بشكل رسمي في إدلب.

وتابع: «في الأعراس ما زال الناس يتجمعون ويتشاركون الطعام، وعلى حواف الطرقات مشاهد تجمع كبار السن والأطفال الذين يلعبون لم تتغير، المساجد تغص بالمصلين في صلاة الجمعة على الرغم من الفتاوى بضرورة الصلاة في المنزل».

عمر الأحمد 65 عاماً، عبر في حديثه لـ«الرؤية» عن رفضه اتباع أي حجر صحي في منزله أو تغيير روتين حياته اليومي، وهو من الفئة المعرضة للتأثر بكورونا أكثر من غيره كونه كبيراً بالسن، معللاً ذلك بأن المرض من عند الله وبأن الموت يأتي بأجل.

وأضاف: «من اعتاد على القصف والتهجير والفقر خلال 9 سنوات من الحرب لن يؤثر به مرض عمره بضعة أشهر». وجهة نظر الأحمد توضح كيف يفكر أغلب من هجرتهم الحرب، ودمرت كل ما يملكون، وأصبحوا من سكان المخيمات كما أوضح أبو علي مدير المركز الصحي.

الصرف الصحي بين الخيام. (الرؤية)

وطالب أبوعلي منظمات المجتمع المدني إلى تكثيف الدعم المالي للنازحين، لمنحهم دافعاً إضافياً يجعلهم يحدون من خروجهم من مساكنهم قدر الإمكان، وضرب مثالاً لعائلة مكونة من 20 شخصاً يعيلها شخصان تسكن في مخيم «أطفالنا تناشدكم» ضمن تجمع مخيمات أطمه، ففي حال لم يعمل من يعيلها فكيف سيأكلون؟

وعمدت أغلب المرافق الطبية في إدلب الى تطبيق تدابير احترازية ضد كورونا بالتزامن مع الواقع السابق، فمراكز منظمة الإغاثة الطبية السورية في مخيمات أطمه أوقفت عمليات الانتظار، وخصصت رقمين عبر تطبيق واتساب لحجز الدور عن طريق الهاتف.

وقد ساهمت هذه الطريقة في تخفيف تجمع الناس بشكل كبير، وتوزيع أكثر من 75 مراجعاً يومياً على عدد ساعات العمل في المركزين، وتبنت هذه الطريقة مراكز أخرى بحسب الناشط المدني إبراهيم أبو أحمد في حديثه مع «الرؤية».

وبحسب أبو أحمد فقد علقت عدة منظمات عمل موظفيها الإداريين ضمن المكاتب الرئيسية، وحولت عملهم عبر الإنترنت، كما عمد الدفاع المدني السوري «الأيادي البيضاء» إلى إطلاق حملة تعقيم عامة في إدلب تستهدف المراكز الطبية وأماكن تجمع الناس كالمساجد.

وبمبادرة شخصية بادر بعض الناشطين إلى حمل مكبرات الصوت والتنبيه لخطر كورونا في شوارع المخيمات داعين الناس إلى البقاء في منازلهم، واتباع أساليب التعقيم الشخصية الصحيحة.