محمود علي

ارتفعت الأسعار بشكل كبير في مخيمات النازحين في شمال إدلب مع حلول شهر رمضان، مما زاد من الأعباء عن كاهل الأسر التي يعيش معظمها تحت خط الفقر دون أي عمل أو مصدر رزق في ظل ظروف مأساوية تدفع نحو الحنين إلى الماضي.

مهند خطاب، الذي أمضى رمضان الماضي في مدينة معرة النعمان جنوب إدلب بين أهله وأصحابه، يقضي الآن الشهر الفضيل بعيداً عنهم في مخيمات أطمه شمال إدلب، فرمضان اليوم بالنسبة له شهر عادي، فطقوس الماضي تبددت، ورمضان النزوح مختلف فلا تقاليد ولا إفطار يجمع الأهل والأقارب.

خطاب قال لـ«الرؤية»: «مع كل إفطار لا بُدَّ من غصة صدر تعود بي إلى الماضي حيث منزلي الذي لا أستطيع العودة إليه لأسباب أمنية».

ليست طقوس رمضان وحدها التي تغيرت، بل تغيرت أحوال الناس المادية، ما أثر على موائد إفطارهم في مكان نزوحهم، وبحسب قاسم العلي، مدني نازح من ريف إدلب الجنوبي، في حديثه مع «الرؤية»، أكد فيه أن المحظوظ اليوم من يستطيع أن يوفر لحم الدجاج على مائدة الإفطار، وإن وفرها مرة فمن الصعب تأمينها أكثر من ذلك، باستثناء موظفي المنظمات الذين يعتبرون الشريحة الأكثر حظاً.

في الماضي، كان قاسم العلي مزارعاً يؤمن قوت يومه من أرضه المزروعة بأشجار التين والزيتون، وفي منزله يملك الدجاج البلدي وبعض الماشية التي توفر لعائلته المكونة من 7 أشخاص الحليب واللبن والمصروف بعد بيع ما تنتجه، فكان لا يحتاج إلى مساعدة أحد، ويكسب من عمل يده، أما اليوم فحاله كحال أكثر من مليون إنسان يقطن مخيمات النزوح التي تفتقر للكثير من مقومات الحياة، ومنها توفر المراعي والمساحة اللازمة لتربية الماشية أو الزراعة.

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

وعلى خلاف توقعاته، فقد نسف ارتفاع الأسعار خطط العلي المالية لشهر رمضان، فكان يتوقع أن يكفيه مبلغ 100 ألف ليرة سورية (80 دولاراً)، لتأمين وجبة الإفطار خلال شهر رمضان، لكنه بعد أن أنفق 7 آلاف في اليوم الأول وجد نفسه مضطراً إلى ترشيد الإنفاق إلى أقل مستوى، وانتظار السلة الغذائية التي يوفرها برنامج الغذاء العالمي، والتي كان يخطط لبيعها لشراء ألبسة العيد لأطفاله.

وارتفعت أسعار المواد بشكل جنوني مع حلول شهر رمضان الحالي، بعد ارتفاع سابق نجم عن إغلاق المعابر التي تسبب بها انتشار فيروس كورنا المستجد، ناهيك عن ارتباط أسعار الكثير من المواد بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بنسبة تجاوزت 20% خلال الشهر الماضي.

وقال علاء الدرويش، وهو موزع للخضار في مخيمات أطمه، تحدث لـ«الرؤية»: «إن الارتفاع الأكبر طال الخضروات، حيث وصل سعر كيلو البندورة على سبيل المثال إلى 850 ليرة بعد أن كان 450 ليرة، كما ارتفع سعر الخيار من 450 ليرة إلى 650 ليرة».

أما اللحوم فأسعارها مرتفعة بالأساس وعاودت وارتفعت لأكثر من 25% في أول يوم من رمضان، فوصل سعر كيلو لحم الدجاج إلى 1450 ليرة سورية (1,16 دولار)، ولحم الخروف إلى 8500 ليرة أي (6,8 دولار)، كما ارتفعت أسعار الفواكه والحلويات من ضعفين إلى 3 أضعاف.

ويصف علاء الدرويش، ارتفاع الأسعار في أول يوم من رمضان بـ«الجنوني»، معللاً ذلك بزيادة الطلب واحتكار التجار، كون الارتفاع جاء فجأة خلال يوم واحد، فصحيح أن الأسعار في شهر رمضان ترتفع إلا أنها لم تصل إلى هذا المستوى إطلاقاً، وأضاف: «كيف سيستطيع الإنسان العادي الذي لا يملك عملاً من الصمود مالياً حتى نهاية الشهر، وإن استطاع سيستمر صائماً بعد رمضان مجبراً حتى يفتح له باب رزق جديد».

مصطفى الإبراهيم، تاجر مواد غذائية في إدلب، قال لـ«الرؤية»: «إن ارتفاع الأسعار بشكل عام يعود إلى عدة أسباب أهمها تدهور سعر صرف الليرة السورية ما انعكس على أسعار الكثير من المواد التموينية والفاكهة المستوردة، وأهمها السكر والشاي والأرز بالتزامن مع ارتفاع الطلب».

وكان لفقدان المعارضة الكثير من الأراضي الزراعية التي تعتبر السلة الغذائية وتوقف المعابر، دور كبير في ارتفاع الأسعار، بحسب الإبراهيم، حيث خسرت المعارضة نصف أراضيها وأغلبها صالحة لزراعة الخضروات والبقوليات كريف إدلب الشرقي وريف حلب الغربي، ما دفع المزارعين إما إلى ترك العمل بعد فقد أراضيهم أو استئجار أراضٍ في مناطق سيطرة ما يعرف بـ«الجيش الحر» التابع لتركيا بريف حلب الشمالي والشرقي، منتظرين الموسم على الرغم من الخسارة التي لحقت بهم جراء تركهم للأراضي التي زرعوها قبل التصعيد العسكري، كون الزراعة مصدر دخلهم الوحيد.

وارتفاع الأسعار وتغير طقوس شهر رمضان المبارك وغيرها من المآسي انعكس بالدرجة الأولى على النازحين الضحية الأكبر للصراع، الذي أتى على الأخضر واليابس في شمال سوريا مدفوعاً بأهداف قوى خارجية تحاول الرقص على دماء الأبرياء.