نبيل عرابي كاتب ـ لبنان

حين يكون الحديث عن الأم بعد رحيلها عن هذه الدنيا، فإن التعبير عن وصف العلاقة التي تنشأ معها عبر هذا الفضاء الواسع، الذي يضيق بك، ويجعل الكلمات تتأخر في ترتيب صفوفها عباراتٍ وجملاً بأبهى حلّة، فإنها ستجد أن براعم التقصير تنمو بسرعة بين فواصلها ونقاطها، وأن الارتباك سيكون سيّد الموقف حيال مَن استدعاها:

أمي رائحةُ حياة.. ومائدةُ زيتون

وخبزٌ وزيتٌ وياسمينْ

بداية تدفعك لأن تُنصتَ بشغف لما سيتبعها، لأن الأمر يحتاج إلى المزيد من عناصر الوصف:

أمي نبيذُ عُمْرٍ

أخبار ذات صلة

ليوم آخر..
الثانية عشرة إلا فرحاً


وظلُّ رغيفٍ

وموجةٌ تنشدُ رائحةَ لوزةْ

بهذه الأجواء الدافئة، وفي ديوانه (النوافذ لا تركع للرياح) يصدح «غسان محمد منجد» بهذه الحقائق، أما في ديوانه (حين بكت السماء)، وعندما يأخذ الفراغ دوره في التشكّل واقعاً مُرّاً، يُرافقه الشعور بالوحدة القاتلة، فيرتفعُ البصرُ إلى السماء مُخاطباً الكواكب والنجوم، بلغة يبثّها القلب ولا تتمتمها الشفاه:

أمي تُشعل بخور القمر الأخير|| على نافذتي

وتتركُ لي غيمة زرقاء تحملُ عبء قلبي الحزين...

ومع بزوغ الفجر، ومحاولة العودة إلى حركة الحياة اليومية، يدوّن الشاعرُ اعترافه الصريح في ديوانه (عيون من جليد):

آهٍ... يا أمي...

ما عدتُ أبصرُ إلا وجهكِ الأبيض

يبحرُ في فنجان قهوتي

كلّ صباح وكلّ مساء

ويتابع في موقع آخر من الديوان ذاته:

ماذا أكتب وأنا أحاول ألا أصدّق

أنكِ رحلتِ

كما ترحلُ الأمنيات.. ولم يبقَ منكِ شيء

سوى حبلٍ طويل

من الذكريات.