هادي حداد

لم يعد الثالث من نوفمبر بعيدا عن الأمريكيين، وهو الموعد الرسمي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وإن كانت عملية التصويت المبكر قد بدأت بالفعل، وبإقبال غير مسبوق، وصل إلى نحو عشرة ملايين صوت قد دخلت بالفعل دائرة الحسابات، والتي ستؤدي في نهاية المشهد إلى حسم السباق لصالح أي من المرشحين، سواء الجمهوري دونالد ترامب، أو الديمقراطي جوزيف بايدن.

والشاهد أن الاسئلة عديدة عن مفاتيح الفوز أو الخسارة في هذه الانتخابات، ومن بينها ما هو متعلق بالكتل التصويتية الانتخابية، ومنها أصوات الأمريكيين الأفارقة، وهل ستذهب هذه المرة للديمقراطيين فتعيد بايدن إلى البيت الأبيض رئيسا، أم توفي لترامب فتبقيه أربع سنوات أخر؟

تقليدياً يصوت السود الأمريكيون للحزب الديمقراطي، لا سيما وأنهم يعتبرون الجمهوريين من المحافظين غير المرحبين بالملونين في الأراضي الأمريكية، وظناً أن الحزب الديمقراطي هو من يقدم أفضل الخدمات لهم، وإن كانت الحقائق التاريخية تظهر عكس ذلك.

ولعل ما جرى الأشهر القليلة المنصرمة من صدامات عرقية بعد مقتل الشاب الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، ينعش بورصة التصويت برسم عرقي هذه المرة، وبما يفوق التصويت الذي جرت به المقادير في العام 2008، حين ساهمت أصوات السود في ترجيح كفة المرشح باراك أوباما، في مواجهة خصمه الجمهوري السيناتور الراحل جون ماكين، الأمر الذي مكنه من الوصول إلى البيت الأبيض والبقاء فيه لفترتين رئاسيتين، وقد كانت المرة الأولى التي يصل فيها رئيس من عرق عانى من العبودية إلى سدة الرئاسة الأمريكية.

حسابات الأرقام

ما الذي تخبرنا إياه حسابات الأرقام بالنسبة لهذه الجماعة الأمريكية المهمة من حيث العدد؟

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»


بداية يشكل السود نحو 12.7% من المجتمع الأمريكي، غير أن نسبة المصوتين منهم أقل بكثير مقارنة بنسبة أصوات الأنجلو ساكسون والذين تصل نسبتهم العددية بين سكان الولايات المتحدة الأمريكية قرابة 61.3 %، على الرغم من أن لهم راياتهم المرفوعة دوماً بمطالب حقوقية، لاسيما وأن العبودية رغم انتهائها رسميا بقوانين، إلا أن الإرث الضميري الأمريكي لايزال يحمل منها الكثير.

تاريخياً لم يكن للسود حق الاقتراع حتى العام 1870، غير أن التعديل الخامس عشر للدستور الأمريكي، أتاح لهم ذلك لاحقاً، ومع ذلك وضعت العراقيل أمامهم من كثير من الولايات، فبعضها وضع محددات للتصويت منها ما عرف باسم "اختبار الأمية "، والبعض الآخر فرض ما عرف ب "ضريبة الاقتراع"، ما يعني أن ذوي الدخول الضعيفة والمنعدمة من السود كانوا يمنعون من التصويت، الأمر الذي يمثل روح العبودية في أسوا صورها.

وبالعودة إلى مركز "بيو" للأبحاث في واشنطن، نجد أن نحو 84% من الأمريكيين السود يفضلون الاقتراع لصالح الحزب الديمقراطي ومرشحيه، فيما 8% فقط يذهبون في طريق الحزب الجمهوري.

هل سيصوت الأمريكيون الأفارقة هذه المرة بالمطلق لجوزيف بايدن المرشح الديمقراطي؟

المقدمات التي تسود الساحة الانتخابية الأمريكية تقطع ولو نظرياً بذلك، ما يعني أن أصوات السود سوف تذهب سهلة مريحة لبايدن، ويزيد من تلك التوقعات أن هناك على تذكرته سيدة سمراء، كمالا هاريس، التي تم اختيارها لتضحى نائبة له، وهي المرة الأولى في تاريخ سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يتم فيها اختيار سيدة من الأمريكيين الخلاسيين (الملونين من غير السود فهي من جذور هندية أسيوية)، لهذا المنصب، عطفا على إشكاليات النزاع العرقي الأخير.

غير أن استطلاعا للرأي أجراه موقع "راسموسن" الأمريكي في منتصف أغسطس الماضي حمل نتائج مثيرة للغاية على خلاف ما كان متوقعاً، الأمر الذي شكل إنذاراً بالنسبة للديمقراطيين.

تقسيم الأصوات

باختصار غير مخل تشير نتائج الاستطلاع إلى أن اختيار كمالا هاريس، قد أدى إلى تقسيم أصوات الناخبين السود بطريقة قد تجعل من الأمر خصما لحظوظ بايدن والديمقراطيين، وليس إضافة لهم نهار الثالث من نوفمبر المقبل.

بحسب الاستطلاع فإن ثلث الناخبين السود قالوا إنهم "أقل احتمالا" للتصويت لصالح الحزب الديمقراطي.

ثلث آخر أشاروا إلى أنهم "أكثر احتمالا" لدعم بايدن ونائبته هاريس.... ماذا عن الثلث الثالث؟

هؤلاء في واقع الأمر اعتبروا أن اختيار هاريس لم يكن له أي تأثير على تصويتهم.

هنا يمكن اعتبار الثلث الأخير مهما للغاية لاسيما وأنه سيضاف إلى أصوات الكتل المتأرجحة، والتي يعلق المرشحان للرئاسة عليهم آمال الفوز في الانتخابات القادمة، ما يعني أن القول بأن السود سيصوتون مرة وبإجمالي الحضور لبايدن أمر مشكوك فيه.

ولعل ما يجعل التصويت من قبل الأمريكيين الأفارقة هذه المرة غير واضح المعالم، هو أن بعض تصريحات بايدن قد خالفها الحظ، إذ استخدم تعبير "أسود"، في حوار إذاعي له، كنوع من أنواع التمييز بين المرشحين على أسس عرقية، الأمر الذي ألحق ولا شك ضرراً كبيراً بحملته الانتخابية.

على الجانب الآخر فإن نظرة عقلانية هادئة تجعل فريقاً لا بأس به من المنظرين للسياسات الأمريكية الداخلية يرى في دونالد ترامب رئيساً لا بأس به بالنسبة لسود أمريكا، والذين بينت استطلاعات "راسموسن"، أن 36 % منهم راضون عن أدائه، ومرد ذلك الوظائف التي وفرها الرجل لهم، بالإضافة إلى اهتمامه بالفعل بقضايا رئيسية في المجتمع الأمريكي الإفريقي، ومن بين تلك القضايا مسألة العدالة الجنائية، حيث كانوا يتعرضون لتمييز في العمليات الإجرائية حتى الساعة.

هل يعني ذلك أن انتخابات 2020 سوف تجري من غير استقطابات عنصرية وعرقية.

بالقطع لا، ما يعني أننا أمام انتخابات ضبابية في الشكل والمضمون .... وغدا لناظره قريب.