سلامة الكتبي ـ الشارقة

وجد نفسه أمام تحدٍ كبير حين طُلب منه أن يؤلف كلمات نشيد السلام الوطني لدولة الإمارات في أقل من 3 أيام، وأن تكون الكلمات مطابقة للحن الموسيقي الجاهز مسبقاً، إلا أن الدكتور عارف الشيخ اجتاز التحدي بتفوق، إذ استمع إلى اللحن عشرات المرات حتى ترسخت معالمه في ذاكرته وتمكن من كتابة الكلمات التي سطرها التاريخ في نفوس ووجدان كل مواطن ومقيم يعيش على أرض الإمارات، معتبراً أن هذا النشيد ثروته الحقيقية التي سيخلدها لأبنائه وأحفاده وقيمة كبيرة لشعب الإمارات تعلمهم الولاء والتسامح والارتباط بالأرض.

وروى الشيخ في لقائه مع «الرؤية» تفاصيل تأليفه للنشيد الوطني الإماراتي قائلاً: «حين أعلن عن قيام اتحاد الإمارات كنت وقتها طالباً في المرحلة الثانوية، وبعد مرور شهرين اعتُمدت للسلام الوطني، موسيقى فقط بدون كلمات مرافقة لرفع علم الإمارات في كل المناسبات والمدارس والأندية والسفارات، وفي عام 1986 حين كان حميد الطاير وقتها وزيراً للتربية والتعليم بالإنابة في جولة ميدانية على المدارس، لاحظ أن علم الدولة يرفع على السارية مع عزف الموسيقى فقط، وتمنى أن يكون لنا نشيد وطني كباقي الدول، وحين رجع لمكتبة بمبنى الوزارة يومها كنتُ رئيس إدارة الامتحانات في الوزارة، فطلب مني تأليف نشيد يرافق موسيقى السلام الوطني، بحيث تكون كلماته متوافقة مع اللحن الجاهز بخلاف المتعارف عليه وهو كتابة القصيدة أولاً ومن ثم تلحينها وهذا من أكبر التحديات التي واجهتني، أما التحدي الآخر فتمثل في أنه طلب مني الانتهاء من كتابة كلمات السلام الوطني لدولة الإمارات في 3 أيام فقط».

وتابع عارف الشيخ: «شعرت بأني أواجه تحدياً كبيراً وهو تأليف السلام الوطني الإماراتي بحيث تكون كلماته معبرة عن هوية الإمارات وفي ذات الوقت متناغمة ومنسجمة مع اللحن الموسيقي المحضر مسبقاً، والمسجل على شريط كاسيت فسمعته مرات عدة ولأكثر من 5 ساعات متواصلة حتى تعمقت في تفاصيله».

وأشار إلى أنه بعد تفكير عميق وتمكنه من تأليف المقطع الأول من النشيد الوطني تشجع لتأليف باقي المقاطع التي راعى أن تكون معبرة عن الاتحاد ولغة الدولة ودستورها، إلى جانب أنها تمجد الرموز العظيمة مثل الولاء والفداء والعلم، أما أول شخص سمع لكلمات النشيد بعد انتهائه من كتابته فكانت زوجته التي يعتبرها مستشاره الأول، إذ أثنت على الكلمات، ما جعله يطمئن ويشعر بالارتياح.

وأضاف: «في اليوم التالي سلمت النشيد الوطني لمكتب وزير التربية والتعليم الذي سلّمه بدوره لمجلس الوزراء، وعند وقت الظهيرة اتصل بي الوزير هاتفياً وقال لي: (أبشرك بأننا نجحنا.. هذا هو المطلوب)، وتم تسجيل النشيد الوطني في إذاعة دبي ومن ثم جرى تعميمه على المدارس والجهات الرسمية والحكومية بالدولة، وبعدها بأيام أضحت كلمات هذا النشيد حديث المجالس، يردد كلماتها الكبار والصغار في كل مكان، ومع الأيام رأيت تعلق أفراد المجتمع بالكلمات التي يستشعرون بروحها المعبرة عن ولائهم وحبهم للوطن واستعدادهم لفدائه والتضحية من أجله»، وتابع: «اعتبر الجميع أن كلمات النشيد الوطني لوحة معبرة عن الوطن الغالي الإمارات، وبأنه صالح لكل الأزمنة ومتماشٍ مع التطور».

وعن أول مرة سمع فيها النشيد الوطني يُردد مع رفع علم الإمارات قال الشيخ: «كان في أحد المؤتمرات الرسمية في إمارة أبوظبي حين استُهِل الحدث بالسلام الوطني وبحضور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولاحظت وقتها اندماجه وتفاعله مع الكلمات وحينما سألوه لاحقاً عن رأيه في هذا النشيد سمعته يقول: الآن أصبحتم تحبون دولة الإمارات والاتحاد أكثر مني، الأمر الذي جعلني أشعر بالسعادة وبالفخر، وزاد هذا الإحساس مع مرور الوقت لا سيما حين أخرج كل صباح من البيت متوجهاً للعمل وأسمع طلبة المدارس يرددون هذا النشيد بصوت واحد إذ كنت أشعر بأني أولد من جديد وبأني كنت أحد الحضور وقت إعلان قيام الاتحاد ورفع علم الدولة على الرغم من أني كنت وقتها طالباً في المدرسة».

أخبار ذات صلة

«اصنع في الإمارات» يسجل 32 اتفاقية وصفقات محتملة بـ 110 مليارات درهم
شرطة أبوظبي تطلق «صيف بأمان 3» لتعزيز الوقاية والسلامة


وتابع الشيخ: «تأليفي للنشيد الوطني أشعرني وكأني قدمت للإمارات جزءاً ضئيلاً من جميلها الوفير علي الذي لن أستطيع رده ما حييت»، لافتاً إلى أنه يشعر بأن كلمات النشيد جميعها معبرة وذات قيمة إلا أن أكثر ما يلامس قلبي مقطع «حصنتك باسم الله يا وطن» يمنحني شعور بالاطمئنان وبأن الإمارات باقية وعلمها سيظل مرفوعاً دائماً وبأن قياداتنا الغالية ابتداء من المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكذلك حكام الإمارات يسعون دوماً لرفعة هذا الوطن وتطوره، ومن المقاطع القريبة إلى قلبي هو «نفديك بالأرواح يا وطن» الذي يؤكد استعدادنا لأن نقدم أرواحنا فداء للوطن وهي أغلى ما نملك فـ«وطني هو أمي».

وأضاف «شعرنا بقيمة الفداء الذي نردده في كلمات النشيد الوطني وبالمعنى الحقيقي له حين سجلت الإمارات أسماء كوكبة من أبنائها في سجل شهداء الإنسانية والواجب الوطني، إذ رسم أبناء الإمارات صورة رائعة لتلاحم الشعب مع القيادة الرشيدة، ترسخت في أذهان الجميع بكلمات السلام الوطني مثل الحماس والفداء والاستعداد للتضحية من أجل الوطن والإخلاص في العمل، مؤكداً أن ابن الإمارات صادق فحين وقف في طابور المدرسة وردد: (نفديك بالأرواح يا وطن) تحقق له ما أراد وقدم روحه فداء للبلد الغالي».

وعن النجاح الذي حققه النشيد الوطني قال الشيخ «حرصت على توظيف كل كلمة وجملة في نشيد السلام الوطني بمكانها المناسب بحيث تعبر عن مشاعر كل فرد بالمجتمع، فمثلاً المقطع الأول (عيشي بلادي...عاش اتحادنا إماراتنا) يحوي على دعوة صادقة من القلب بالعمر المديد للإمارات، وباستمرار الاتحاد للشعب وللدولة»، مضيفاً: «كما يدعو هذا النشيد إلى تطبيق القيم الإنسانية والأخلاقية وإلى التسامح وأيضاً الاعتزاز بالأرض وضرورة الولاء والانتماء للوطن».

ولفت إلى أن السر في تكرار بعض الكلمات في النشيد مثل «بلادي.. بلادي» من أجل التأكيد على الارتباط بالقيم المعنوية التي تدل على الإخلاص في العمل والانتماء للدولة، والشعور بالمسؤولية الحالية تجاه حماية الأرض وثرواتها، واستغلال فرص التنمية لتستفيد منها الأجيال القادمة».

واختتم حديثه: «أبنائي متذوقون للشعر والنثر والأدب ويعتزون بتأليف والدهم لنشيد السلام الوطني للإمارات، من واقع إدراكهم أن هذا الإنتاج حين يخلد يكون ثروة لهم ولأحفادي»، لافتاً إلى أهمية الاستثمار في الشباب باعتبارهم طاقة إيجابية منتجة وخلاقة.