مصطفى ابراهيم

صعود العملات الرقمية يهدد مصير الاقتصاد التقليدي وعملاته المالية علم النفس: الخوف والقلق السمة المشتركة و«الرقمية» صندوق أسود قانونيون: الإقبال على العملات الجديدة يضغط على الحكومات لـ«شرعنة» تداولها



ملامح اقتصاد عالمي جديد تظهر بقوة وسرعة تفوق التغيرات التي سجلها الاقتصاد عبر التاريخ، وأدت الجائحة «كوفيد-19» إلى الإسراع بهذه التحولات محققة على أرض الواقع تجربة عالمية للتعامل مع الدفع الرقمي عبر بطاقات الائتمان واستخدام تطبيقات الدفع عبر الإنترنت وتؤشر لبداية انتهاء عصر العملات الورقية والتوجه نحو الاستثمار في العملات المشفرة والرقمية من جانب المستثمرين، بالتزامن مع تنافس الدول حول العالم للفوز بإصدار أول عملة رقمية صادرة عن البنوك المركزية.

تساؤلات كثيرة حول إحلال العملة الرقمية مكان الذهب أو الدولار في تحول سريع يغير توجهات الاقتصاد العالمي، ووصل عدد العملات المشفرة حول العالم نحو 4337 عملة بقيمة سوقية 1.003 تريليون دولار، تستحوذ «بيتكوين» على الحصة الأكبر بنسبة 66% بقيمة سوقية 664 مليار دولار.

ورغم الكثير من التحذيرات الرسمية من الاستثمار في تلك العملات غير الخاضعة لرقابة الدول، إلا أن الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، تشهد طفرة في الطلب من المستهلكين الذين يسارعون إلى الاستثمار في العملات المشفرة وسط اهتمام كبير وزخم ببيتكوين، وسجلت شركات التطبيقات الناشئة التي تقدم التداول، مثل Revolut وeToro وLuno، طفرة في الطلب على العملات المشفرة بمنصاتها وسط عودة انتعاش أسعار بيتكوين.

وبحسب بيانات صادرة عن منصة، Revolut فإنها جذبت 300 ألف عميل جديد للعملات المشفرة على مدار الـ30 يوماً الماضية، وخلال عام 2021 جذبت نحو 100 ألف عميل، وأدى ارتفاع بيتكوين لنحو 40 ألف دولار خلال العام الحالي، إلى إقبال محموم من العملاء عليها، وسط توقعات بمواصلة ارتفاعها خلال عام 2021، مع إعلان عدد من الشركات الكبرى التعامل بها مثل PayPal وSquare.

وبدأ تطبيق Square's Cash في السماح للمستخدمين باستعادة عملات البيتكوين من المعاملات في ديسمبر الماضي، بينما قال عملاق المدفوعات PayPal في أكتوبر 2020 إنه سيبدأ في تقديم العملات المشفرة من خلال منصته، ما يعزز التبني السائد لهذه العملات.

أخبار ذات صلة

سوق أبوظبي يستقر أعلى 9400 نقطة عند الافتتاح
سلطان الجابر: الأمن والاستقرار وجودة الحياة أحد أهم ممكناتنا الصناعية


وعلى مستوى الدول العربية، تشير مواقع التواصل الاجتماعي إلى اهتمام متنامٍ تجاه العملات المشفرة، وبينما لا تنظم القوانين والتشريعات الاستثمار في العملات الرقمية حتى الآن، إلا أن شهية المستثمرين العرب لا سيما الشباب منهم تسيل تجاه الارتفاعات القياسية لعملة «بيتكوين» وغيرها من العملات الرقمية الأخرى.

وتأتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بصدارة الدول العربية التي اتخذت خطوات فعالة تجسدت في مشروع «عابر» المشترك بين البلدين، بهدف إثبات جدوى وفهم ودراسة أبعاد استخدام تقنية السجلات الموزعة في التسويات المالية عن كثب من خلال التطبيق الفعلي، وفهم متطلبات إصدار عملة رقمية مشتركة بين المملكة والإمارات من أجل تطوير أنظمة الدفع عبر الحدود بين البلدين عن طريق استخدامها كوحدة تسوية لعمليات البنوك التجارية في كلا البلدين.

ومع الإقبال الكثيف على الاستثمار العملات الرقمية وانتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن العديد من العُملاء الجُدد يتعرضون للنصب والاحتيال لا سيما مع غياب المعلومات الكافية حول العملات وطريقة تداولها ومنع الحكومات لها، وبالتالي تغيب طريق استرداد الأموال بعد تحويلها لبيتكوين في ظل وجود مشتقات كثيرة من عملة بيتكوين تحت مسميات بيتكوين كاش، وبيتكوين غولد، وبيتكوين برايفت، في حين توجد المئات من العملات الأخرى.

واكتسبت العملات الرقمية أو المشفرة أهميتها لتمتعها بعدة مميزات وهي سرعة التحويل وانخفاض كلفة نقل الأموال وأنها عملات غير مركزية ويمكن حفظها بأمان باستخدام تكنولوجيا البلوك تشين بالإضافة إلى الحفاظ على الخصوصية.

تهديد الاستقرار المالي

يرى صندوق النقد العربي أن مخاطر العملات المشفرة على القطاع المالي مرتبطة باستخدام العملات وبتقلب الأسعار، ونظراً للتزايد الكبير في حجم «البيتكوين» المتداول في الأسواق، يمكن أن تشكل هذه العملة تهديداً للاستقرار المالي.

وأشار الصندوق في إفادة لـ«الرؤية» إلى توافر 4 عناصر رئيسية تحد من استخدام البيتكوين كأداة استثمارية، وتتضمن: قيمة البيتكوين والتقلب في سعر العملة المشفرة لعدم ارتباطها نسبياً بمعظم الأصول التقليدية، واعتمادها بشكل خاص على ثقة المتعاملين، وكذلك عدم وجود صناديق استثمار معتمدة على البيتكوين، كما أنها عملة غير منظمة.

وذكر الصندوق أن البيتكوين العملات الأخرى المشفرة يشجع على التحايل على القواعد المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإخفاء هوية التحويلات التي يمكن أن تستخدم للأغراض الإجرامية «البيع على الإنترنت للسلع أو الخدمات غير القانونية»، أو لأغراض غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.

المركزي يرفض

أكد مصرف الإمارات المركزي في بيان له في 6 ديسمبر من العام الماضي، أنه لا يقبل في الوقت الحاضر أو يقر الأصول المشفّرة أو الافتراضية كنقد قانوني مبرئ للذمة في دولة الإمارات إذ إن درهم الإمارات هو النقد القانوني الوحيد الذي له قوة الإبراء المطلقة في الدولة، حيث جاء البيان رداً على مزاعم بأن المصرف قام، ضمنياً بـ«إصباغ الصفة القانونية» على العملات المشفّرة في الدولة.

وأوضح المركزي أن «نظام تسهيلات القيم المخزّنة» يهدف إلى ترخيص المؤسسات التي تصدر أو توفر تسهيلات القيم المخزّنة في دولة الإمارات، مشيراً إلى أن تسهيلات القيم المخزّنة هي تسهيلات يتم بمقتضاها قبول مبلغ من المال أو قيمة الأموال، والتي قد تشمل، ضمن عناصر أخرى، أصولاً مشفّرة أو افتراضية، مقابل تخزين قيمة تلك الأموال.

وبين أنه لا يعترف حالياً بالأصول المشفرة كوسيلة للدفع ولا يمكن استخدامها إلا كأصول للاستثمار مع وجود مخاطر عالية محتملة.

وقال المصرف المركزي إنه يعمل على إعداد نظام جديد يسمى «نظام خدمات مدفوعات التجزئة»، الذي سيُدرج مفهوم الرموز المميزة للدفع، المعرّفة كأصول مشفّرة، مدعومة بعملة نقدية ويتم استخدامها لأغراض الدفع.

اهتزاز الثقة

ندد بنك التسويات الدولية بالمخاطر المرتبطة بعمليات التشفير التي تؤثر على النظام المالي، مؤكداً ضرورة التأقلم مع مخاطر جديدة، منها اهتزاز الثقة في النظام المالي، وتطور عمليات التشفير في عالمها الرقمي الخاص، دون حواجز حدودية، ويمكن أن تعمل بشكل مستقل عن البيئات المؤسسية القائمة أو أي بنية أساسية أخرى.

دور الجائحة

وبدورها، قالت الدكتورة صافيناز عبدالسلام المغازي، المتخصصة بدراسات علم النفس التربوي والعلاج النفسي، إن الجائحة أنتجت عالماً جديداً ومفاهيم متغيرة نفسية واقتصادية، كما سرعت لأنماط تجارية جديدة وسط التحول الرقمي في كل جوانب الحياة، مدفوعاً بالخوف من التعرض لإصابات فيروس كورونا.

صافيناز المغازي


وأضافت أن المشاعر النفسية (الخوف والطمع والغضب والسعادة) دائماً مرتبطة بالأزمات التي تحل بجميع الشعوب والتي تؤكد حدوث تغيرات نفسية في الشخصية الإنسانية وبالتالي تنعكس على سلوك وتصرفات البشر، واختياراتهم لجودة الحياة الخاصة بهم والتعامل مع الأشياء الغريبة والمتفردة التي لا يقوم بها الناس جميعاً وهذا يدعو إلى الأمان.

وأشارت إلى أن كل ما هو محيط بالفرد من قلق وتوتر يجعل الحيل الدفاعية المقاومة للقلق في البحث عما هو جديد وغريب وهذا يجعله يتعامل مع العملات المشفرة بتلك الطريقة.

صندوق أسود

من جانبه، قال الدكتور علاء جراد الأستاذ الجامعي المقيم ببريطانيا والخبير في أساليب التعلم المؤسسي، إن الحالة النفسية للمتداولين بالعملات الرقمية هي حالة يشوبها القلق والتخوف من المستقبل؛ ولكن يرتبط التصرف والتوجه للأشخاص بمدى تقبلهم للمخاطرة والمغامرة خاصة في العملات الرقمية لأنها ما زالت حتى اليوم صندوقاً أسود لا يفهم أحد ما بداخله وهناك أسئلة أكثر من الأجوبة حول موضوع العملات الرقمية.

علاء جراد


وقال جراد: «رغم أني لم أتداول في العملات الرقمية ولكن نظراً لطبيعة عملي في تدريس التحول الرقمي فقد حضرت برنامجاً تدريبياً مكثفاً في العملات الرقمية والبلوك تشين، ويمكن القول إن الظروف الحالية ووباء «كوفيد-19» عملت على استقطاب المتداولين إلى مجموعتين، المجموعة الأولى هؤلاء الذين لديهم سيولة وتقبل للمخاطرة حيث كثفوا من تداولهم في العملات الرقمية خاصة البيتكوين والتي زاد سعرها خلال عامين ليصل من 6000 دولار إلى أكثر من 40 ألف دولار».

وأوضح أن الفريق الآخر هو الفريق الذي لا يرغب في القيام بالمخاطرة حيث لا يدري ما سيحمله الغد في ظل هذه الظروف شديدة التعقيد والغموض.

الضغط لتقنين التعاملات

قالت هدى الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى في مصر، إن تعاملات البشر هي التي تفرض على العالم إقرار التعاملات والعمل على تقنينها فيما بينهم حتى وإن لم توافق كافة الدول على التعامل من خلالها، مضيفة أن «تزايد الإقبال يضغط على الحكومة لشرعنة وتقنين تداول العملات المشفرة في المستقبل».

هدى الملاح


وذكرت الملاح أنه يمكن تكون العملات الرقمية يوماً ما في مكانة الدولار الذي تتعامل به أغلب الدول وترفضه بعض الدول كالصين، أو يمكن أن تحتل مكانة الذهب في السنوات المقبلة شريطة أن تضع الحكومات القوانين والضوابط الواضحة التي يتم التعامل عليها في كافة أنحاء العالم.

وذكرت أن مخاطر العملات الافتراضية جعل كثيراً من العامة تفقد الثقة في تداولها بسبب عملية الإصدار غير الرسمية وتذبذب أسعارها، منوهاً إلى أن تلك العملات عبر شبكة الإنترنت بشكل يومي؛ ما يجعلها عرضة للاختراق ولكن حال سيادة التعامل عليها قد يكون لها قوانين واضحة وحاجة تنظم تمكنها من تفادي تلك المخاطر.

وفيما يخص الوصول إلى العملات الرقمية الرسمية الصادرة عن البنوك أكدت أنها توفر الكثير من الجهد والوقت خاصة في ظل ظروف الجائحة والتي منذ سنوات ماضية كان هذا المفهوم غير مقبول لكثير من الدول وهو ما قد يحدث للعملات الرقمية الوهمية مثل البيتكوين.

التشدد القانوني

وبدوره، قال محمد العوامي المستشار القانوني والمالك لمكتب استشارات قانونية بإمارة دبي، إن التشدد القانوني في نشر ثقافة الاستثمار في العملات الرقمية مهم جداً في ظل انفتاح شهية بعض الناس على تلك الأرباح الخيالية، موضحاً أنه يجب أن يكون فيها تشدد من ناحية البيانات التي يتم التحويل لها كمؤسسات مشبوهة وغيرها ومواقع غير مرخصة.

وأضاف العوامي أن الأشخاص هم من يضعون أنفسهم في موقع الشبهات وخصوصاً شبهة غسيل الأموال في ظل الارتفاعات والخسائر الخيالية التي تشهدها تلك العملات المشفرة.

وأكد أن التحول لبدء التداول تلك العملات يجب أن يتم تقنينه من قبل الجهات المنظمة، كما يجب التوعية بخطر تلك العملات المشفرة وأضرارها في تبديد الأموال.

وسام فتوح


التحدي المالي

أفاد الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام حسن فتوح، في حديثه للرؤية أن العام 2017 تميّز باقتحام العملات الافتراضية المشفرة أسواق المال العالمية، وأكثرها جدلاً هي "البتكوين" وهي عملة رقمية افتراضية مشفّرة باتت أشهر أدوات التداول المالي والمضاربة.

وتابع "لا وجود ماديّ لهذه العملة ولا تخضع لسيطرة أية مؤسسة مالية أو بنك مركزي في العالم، إذ يتم التعامل بها فقط عبر الإنترنت".

وأوضح أن مخاطر العملات الرقمية تبرز كونها لا تتبع لأية دولة أو سلطة رقابية أو بنك مركزي، ويتم تداولها من خلال نظام مشفّر يخفي هوية المحوّل والمتلقي، مما قد يشكل خطراً على الاستقرار المالي في حال استخدامها في عمليات مشبوهة مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وبين أن أحد مساوئ العملات الرقمية أنها تشكل تحدياً للنظام المالي لأنها تسمح لمعاملات النقد بدون وسيط مالي أو بنك مركزي، وبالتالي فهي متقلّبة، محفوفة بالمخاطر، غير شفافة، وشبه وهمية، لذلك ليس منطقياً أن تحل العملات الرقمية مكان العملات الورقية الرسمية.

جمال صالح


الأوراق البلاستيكية

قال مدير عام اتحاد مصارف الإمارات جمال صالح، " رحبت الأسواق العالمية خلال السنوات القليلة الماضية باستخدام الأوراق النقدية البلاستيكية الصنع في السنوات الأخيرة، نظراً لما تتمتع به تلك الأوراق النقدية البلاستيكية من ميزات كثيرة، حيث يتم تصنيعها من مادة "البوليمر" الصديقة للبيئة"، كما أنها تساعد على تقييد محاولات تزييف العملة، فضلاً عن انخفاض تكلفة إنتاجها وطول عمرها الافتراضي، إضافةً إلى أن منظمة الصحة العالمية قد حذرت مؤخراً من أن العملات الورقية تساعد على انتشار فيروس كورونا المستجد والأمراض الأخرى".

وفيما يتعلق بالعملات الرقمية، أشار صالح إلى أن العديد من المؤسسات المالية الرئيسية بدأت وبشكلٍ تدريجي في إدراك الفوائد الكامنة وراء تداولها وتشجيع استخدامها في مختلف القطاعات، وذلك بسبب قلة تكلفة إنتاجها مقارنةً بالعملات الورقية، والحد من بعض مخاطر صرف العملات الأجنبية أو التلاعب بالأسواق المصرفية.

وأفاد بأنه وفي ظل الحاجة لعملة رقمية محلية تخضع لضوابط واضحة، فقد كانت دولة الإمارات سباقة بطرح ما يعرف بـــِ «الدرهم الإلكتروني»، إيماناً منها أن واقع العملات الالكترونية قادم لا محالة، واستعداداً لمستقبل التداول الرقمي، خاصةً أن السوق الإماراتي بمختلف قطاعاته يعتبر وجهة جاذبة للاستثمارات العالمية، ولكن وبالمقابل، فقد شددت الدولة الرقابة على الشركات التي تتداول العملات الرقمية تحت غطاءٍ قانوني وآمن.

وتابع "لا ننسى أن الإمارات ستبقى في ريادة الدول التي تهدف إلى التحوّل الكلّي للعملات الرقمية".