بلال الصباح

الانتخابات الفلسطينية هي أشبه بلعبة الساحر الذي أوهم جمهوره بأن الأرنب يتنقل بين القبعات الثلاث، والحقيقة أن الأرنب محصور في قبعة واحدة. وهكذا هي صناديق -أو مراحل- الانتخابات الفلسطينية الثلاثة.

إن الصناديق الانتخابية الثلاثة، البرلمانية والرئاسية والوطنية، ليست لعموم الشعب الفلسطيني، وإنما مقتصرة على 5 ملايين فلسطيني مقيم في قطاعي الضفة الغربية وغزة فقط، بعدما أفرغت السلطة الفلسطينية صناديقها الثلاثة من أصوات اللاجئين الـبالغ عددهم 8 ملايين، على الرغم من تواجد بعضهم على أراضي الضفة الغربية وغزة.

الصناديق (المراحل) الثلاثة

نصّ قانون الانتخاب الفلسطيني على أن انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني المكون من 132 عضواً محصور في المنطقة الجغرافية المكونة من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وأما المجلس الوطني الفلسطيني الذي يتكون من 350 عضواً، فيضم أعضاء المجلس التشريعي (132 عضواً) تلقائياً بعد انتخابهم في الضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى 18 عضواً من وجهاء الضفة وغزة يتم تعيينهم بالتوافق. ثم يتم انتخاب 200 عضو من لاجئي عرب 48، والمهاجرين من أبناء الضفة الغربية وغزة، دون تحديد حصة اللاجئين من المجلس الوطني الذي قد يستحوذ عليه أبناء الضفة وغزة المهاجرين.

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

الفرق بين المجلسين، أن التشريعي هو برلمان الضفة الغربية وغزة، والمجلس الوطني هو البرلمان الكامل لجميع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير الفلسطينية ويرسم برامجها الاستراتيجية المتمثلة في حق العودة وقيام الدولة.

المجلس الوطني

لم يشارك اللاجئون والمهاجرون في انتخابات المجلس الوطني منذ تأسيسه عام 1964، ويرجع السبب للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي أجاز تعيين ممثلي اللاجئين والمهاجرين دون إجراء انتخابات.

المجلس الوطني على شكله الحالي يجمع فريقين؛ الأول منتخب من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، والفريق الثاني بالتعيين نيابة عن لاجئي عرب 48 المقيمين في المخيمات والمهاجرين إلى أوروبا والأمريكتين.

تستحوذ حركة فتح على قطاع الضفة الغربية، وكذلك حماس على قطاع غزة، إلا أن الحراك الحقيقي بينهما على الـ200 مقعد من خلال عقد الشراكات الجديدة مع قيادات مخيمات اللاجئين، وناشطي الضفة الغربية السياسيين المهاجرين لأوروبا والأمريكتين للاستيلاء على أصوات عرب 48 المحرومين من حق الانتخاب، حيث يتم تعيين قيادات المخيمات والمهاجرين في المجلس الوطني.

ما هو جدير بملاحظته بعد توافق الفصائل الفلسطينية على عقد الانتخابات في مؤتمر بيروت هو النشاط غير المسبوق لحركة حماس في المخيمات الفلسطينية بلبنان، دون أن تستنكر حركة فتح القابضة سيطرتها على المخيمات الفلسطينية في سوريا.

يمكن القول إن اليسار التقدمي الذي يستحوذ على المؤسسات والجمعيات الفلسطينية في الغرب هو الحاسم لهذه المعركة، وهي جمعيات يقودها أبناء القيادات الفلسطينية الفتحاوية، على الرغم أنها ليست ضد المقاومة الإسلامية الحمساوية التي هي جزء من اليسار العالمي.

الانتخابات الوطنية

طالبت السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل عدم عرقلة ممارسة 220 ألف مقدسي لحقهم الانتخابي، في حين تتجاهل الأنظار الإعلامية والحقوقية حرمان منظمة التحرير الفلسطينية لسكان المخيمات الفلسطينية، حتى التي تقع ضمن أراضي السيادة الفلسطينية.

أشارت السلطة الفلسطينية إلى إمكانية اللجوء لإستخدام ممثليات دبلوماسية أجنبية مقيمة في القدس كمراكز اقتراع للمقدسيين لضمان تصويتهم، رغم أنها لم تتواصل مع الدول العربية والغربية المستضيفة للاجئي عرب 48 لتسهيل وصولهم لصناديق الاقتراع.

الانتخابات الفلسطينية، بظاهرها العام، هي لجميع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بينما الحقيقة أن الصندوق الأول هو لسكان الضفة الغربية وغزة الذين يختارون رئيسهم عبر الصندوق الثاني، الذي بنص الدستور منع مشاركة لاجئي عرب 48 من المشاركة في الصندوقين، ناخبين أو منتخبين.

بينما المرحلة الثالثة، وعلى الرغم أنها مخصصة للاجئي عرب 48، إلا أن فصائل الضفة الغربية وقطاع غزة استحوذت عليها عبر التحكم بالتعيين المباشر لمن هم محسوبون على الأجندات الشيوعية والإسلام السياسي، أو يمكن القول اليسار التقدمي الحديث الذي جمع بين التيارين.

الهوية الوطنية

أشارت بعض الوسائل الإعلامية عام 2016 إلى تفاهمات سرية جرت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمعارض اليساري إسحاق هرتسوغ رئيس الوكالة الصهيونية، تقضي بتخلي السلطة الفلسطينية عن حق عودة اللاجئين عرب 48 في مقابل توليها إدارة القدس الشرقية.

السلطة الفلسطينية أنكرت التقرير جملةً وتفصيلاً، إلا أن محله على الساحة الانتخابية كبير جداً، فالصناديق الفلسطينية الثلاثة كلها إشارات إلى أن حق عودة اللاجئين عرب 48 لم يعد من ضمن الأجندة الفلسطينية التي تسوقها حركتا فتح وحماس.

ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم هو كشف لعبة الأرنب والقبعات الثلاث، بعد أن أوهمت الفصائل الفلسطينية المجتمع الدولي أن الصناديق الانتخابية الثلاثة هي لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، والحقيقية هي أن الصناديق لا تتسع إلا للعاملين في منظمتي فتح وحماس ومن دار في فلكهم.