محمود علي

بعد 10 سنوات من الحرب السورية، يعيش النازحون شمال غرب سوريا أجواء شهر رمضان المبارك وسط ظروف معيشية صعبة، وفرحة مفترضة، لا تشبه ما كانوا يعيشونه قبل الحرب، وما عمق معاناتهم تراجع الاستجابة الإنسانية من قبل منظمات المجتمع المدني، التي تنشط عادة خلال هذا الشهر؛ لتوفير احتياجاته الخاصة التي تميزه عن باقي أشهر العام.

أسعار مرتفعة

أحمد المحمود «32 عاماً» نزح من مدينة كفرنبل، جنوب إدلب، العام الماضي، وهو يقيم اليوم مع عائلته المكونة من 5 أفراد في خيمة متواضعة ضمن تجمع مخيمات البردغلي، شمال إدلب.

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

يقول المحمود لـ«الرؤية» إنه «غابت عن العائلة أمور أصيلة مرتبطة بشهر رمضان، فاقتصر شرائي على بعض المواد الضرورية للشهر الفضيل».

ويضيف المحمود أن غلاء الأسعار وتراجع مستوى الدخل أو انعدامه بالنسبة لعامل في مجال البناء مثله، وخاصة في شهر رمضان، حيث تؤجل أغلب الأعمال المتعبة، دفعه إلى الاعتماد على الخضراوات فقط في وجبات الإفطار.

طقوس مفقودة

«هذا هو شهر رمضان الثاني الذي أقضيه بعيداً عن منزلي وبلدتي في جبل الزاوية جنوب إدلب، العادات الرمضانية تغيرت، استرجع الماضي بحسرة وغصة».. بهذه الكلمات بدأ محمد الحسن النازح في مخيم الأمل، في منطقة جسر الشغور، غرب إدلب، حديثه لـ«الرؤية».

وتابع الحسن أن "الحياة في الخيمة وسط مخيمات مكتظة وفي بيئة اجتماعية غير معتادة مختلف كل الاختلاف عن قضاء الشهر في البلدة والمنزل، ويتبع ذلك فقدان المائدة الرمضانية التي تجمع الإخوة أغلب أيام الشهر.

وتزداد الضغوط النفسية بشكل واضح على النازحين خلال شهر رمضان، بحسب ما قاله لـ«الرؤية» محمد القدور، أحد العاملين في تقديم الدعم النفسي في مخيمات أطمه، شمال غرب سوريا.

وأضاف القدور أن تعلق الإنسان بعادات وتقاليد متجذرة في ذاكرته يسترجعها دائماً في معرض المناسبات والأوقات المرتبطة بها، وهنا تبرز المقارنة بالنسبة له، فخلال شهر رمضان لابد من تذكر اجتماع العائلة، وفرحة الأعياد، ومتعة التحضيرات قبل رمضان وفي نهايته، ما يشكل ضغطاً نفسياً يحفز شعور الفرد بالفقدان.

،

و للحفاظ على نوع من بهجة شهر رمضان المبارك حوَّلت أم حسن، النازحة من ريف حلب الغربي، خيمتها في أحد مخيمات جبل كللي شمال إدلب، إلى لوحة فنية، حيث زينتها بمصابيح رمضانية، وعلقت سلاسل إنارة بألوان مختلفة؛ لخلق جو إيجابي لأطفالها يخرجهم من أجواء المخيمات، ويدخل السرور على قلوبهم خلال الشهر الفضيل.

وتقول «بمجهود فردي استطعت أن أصنع الفرحة لأطفالي في خيمة صغيرة أضحت متنفساً لهم خلال شهر رمضان المبارك»، بحسب حديثها لـ«الرؤية».

سلة إغاثية

يختلف الوضع تماماً في مخيمات النزوح عما هو عليه في مدن إدلب وبلداتها، ويقول ياسر الوليد، مدير قطاع مخيم التنمية، ضمن تجمع مخيمات أطمة، في تصريحات لـ«الرؤية» إن النازح يترقب شهريا سلة الإغاثة التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة والتي تخفف عنه عبئاً كبيراً في شهر رمضان المبارك، إلا أنها لا تكفي لتوفير متطلبات الشهر، فترافق النازح هموم كثيرة، منها البحث عن فرصة عمل لتوفير مصدر للدخل.

ومع اكتظاظ المدن والبلدات بالسكان الأصليين والنازحين، يبدو جلياً حجم معاناة اللاجئين الباحثين عن عمل، والذين يعتمدون على مدخراتهم إن وجدت، أو افتتاح بسطة صغيرة في أسواق المدينة، على الرغم من الكساد فيها، بسبب ارتفاع الأسعار، بحسب باسم الحسن «40 عاماً» من سكان مدينة إدلب، وصاحب محل لبيع الألبسة الرجالية في سوق البرج.

انخفاض الاستجابة الإنسانية

قال فريق «منسقو استجابة سوريا» في بيان إنه لوحظ انخفاض واضح في حجم الاستجابة الإنسانية من قبل منظمات المجتمع المدني العاملة في محافظة إدلب في رمضان.

ولا تعتبر مشاريع الاستجابة لسد احتياجات شهر رمضان المبارك من المشاريع الثابتة والأساسية التي يمكن أن تدعم من الأمم المتحدة أو غيرها من الداعمين الدوليين، بحسب محمد حلاج، مدير فريق «منسقو استجابة سوريا» لـ«الرؤية».

وأوضح الحلاج أن الدعم خلال شهر رمضان عادة ما يكون من خلال حملات تنظمها منظمات محلية، أو يدعمها مانحون عاديون.

غياب برامج الدعم الرمضانية

لم يشهد هذا العام أي حملات ترويجية لبرامج دعم رمضانية من قبل المنظمات الإنسانية المحلية، على خلاف الأعوام الماضية. بحسب ما قاله لـ«الرؤية» علي العلي، قائد فريق توزيع سابق في منظمة رحمة الإنسانية.

ولم يحدد العلي الأسباب الحقيقة لهذا التراجع، سوى أن المنظمات اتجهت إلى التركيز على مشاريعها الأساسية مع ضعف التمويل، وإدراكها بأن تقديم وجبات الإفطار بات أمراً غير محبب لدى الناس، وخاصة مع تراجع جودة هذه الوجبات، وحالات التسمم التي شهدتها بعض المخيمات العام الفائت في منطقة سرمدا، شمال إدلب.

وعاد ما يقرب من 54% من النازحين الذين يقدر عددهم بحوالي مليون و 500 ألف إلى بلداتهم وقراهم الواقعة تحت سيطرة جماعات المعارضة في ريف إدلب الجنوبي والغربي، وريف حلب الغربي، بعدما كانوا قد نزحوا خلال العمليات العسكرية حتى مارس 2020، بحسب محمد الحلاج.