أميرة عبدالرحمن

سوق الإسكان في هولندا محموم. أسعار البيوت تنفجر يوماً بعد يوم. النقص يزداد في المساكن الاجتماعية ويبلغ نحو 300000 منزل. أصابع الاتهام تشير إلى الحكومات المتعاقبة وإلى مطوري العقارات، والضحايا هم الفقراء ومحدودو الدخل، الذين ينتظر مئات الآلاف منهم على قوائم الانتظار لسنوات عدة.

مؤخراً، بدأ يخرج هؤلاء الضحايا بمختلف فئاتهم في مختلف أنحاء هولندا للتظاهر والمطالبة بإيجاد حل للأزمة المتفاقمة. وأحدث تلك التظاهرات كانت في مدينة روتردام، أمس الأحد، حيث حمل الآلاف ملصقات ولافتات كتبوا عليها «الإسكان حق وليس نموذجاً للأعمال».. «نحن في فوضى كبيرة».

وقال متحدث باسم منظمي المظاهرة لشبكة «إن أو إس» العامة: «نطالب بسياسة إسكان مختلفة وإنهاء الأزمة». وذكر منظمو الفعالية، التي حملت شعار «المساكن للناس وليست للربح»، أن نحو 8 آلاف شخص شاركوا في المظاهرة.

كانت مظاهرة مماثلة قد خرجت في العاصمة أمستردام الشهر الماضي شارك فيها 15 ألف شخص طالبوا بمزيد من الاستثمار في الإسكان «ميسور التكلفة» وبـ«إيجارات مخفضة». ومن المقرر تنظيم مظاهرات إضافية في مدينتي لاهاي وجرونينجن وغيرهما من مدن هولندا جميعها ترفع شعار «منازل للناس وليس للأمراء».

الأزمة هائلة، وتعود جذورها لثمانينيات القرن الماضي. لكن خلال العشر سنوات الأخيرة، تضاعف عدد الأشخاص الذين لا مأوى لهم. ويتساءل بيتر بول هوير، أستاذ سوق الإسكان الهولندي، معلقاً على الأزمة: «أفكر منذ سنوات: أين السخط الاجتماعي؟ كان هناك المزيد من المقاومة في الثمانينيات، لكن الوضع الآن أكثر مأساوية».

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

(رويترز)

ازدهر قطاعا الإسكان والبناء قبل 5 أعوام في هولندا مع زيادة توافد اللاجئين ممن حصلوا على رخصة الإقامة. حينها توقع المعهد الاقتصادي للبناء والصناعة الهولندي ازدهار قطاع الإعمار والمساكن والبناء مع الزيادة المطردة لأعداد اللاجئين. النتيجة كانت ارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني في جميع أنحاء البلاد، لا سيما مع دخول مطوري العقارات على خط الاستثمار.

ويقول موقع «آي آم إيكسبات»، وهو منصة إعلامية للأجانب في هولندا وألمانيا وسويسرا، معني بخدمات الإسكان والوظائف وغيرها، إن أسعار المنازل في هولندا ارتفعت بشكل كبير خلال العام الماضي، وإن كل شهر كان يحدث خلاله ارتفاع قياسي في الأسعار في جميع أنحاء البلاد.

ويضيف الموقع أنه منذ الربيع، أبلغت هيئة الإحصاء الهولندية (CBS) عن زيادات قياسية في أسعار المنازل. كما شهد أغسطس الماضي ارتفاع الأسعار بنسبة مذهلة بلغت 17.8%.

وكشفت إحصائيات رسمية العام الماضي أن 34% من العقارات المباعة في المدن الأربع الكبرى في هولندا خلال عام 2020 تم شراؤها عن طريق مطوري العقارات والمستثمرين.

ولحل تلك الإشكالية، صدر قانون يدخل حيز التنفيذ اعتباراً من يناير 2022 يمنح بلديات هولندا حق منع مطوري العقارات من الاستثمار في المساكن رخيصة إلى متوسطة الكُلفة، في أحياء بعينها، لدعم محدودي الدخل.

ويرى الرأي العام الغاضب أن سياسة الإسكان تحتاج إلى مزيد من الإصلاح الجذري، وأنه لم يعد بالإمكان انتظار الطبقة السياسية التي لا تبالي بتحسين الأحوال المعيشية للشعب الهولندي، بقدر ما تركز على حماية الاقتصاد من التعرض لأي أزمات تهز أركانه، لا سيما مع جائحة فيروس كورونا المستجد.

في المقابل، لم يعد بسطاء الشارع الهولندي يقوون على تحمل أعباء الأزمة، ويحذر المتظاهرون خلال احتجاجاتهم من أن القادم أسوأ، ومن أن هذه الاحتجاجات قد تتحول إلى «ثورة شعبية»، إذا ما استمر تجاهل الحكومة لمطالبهم.

قليلون هم في هولندا من لا يعانون من تلك الأزمة. هم أصحاب العقارات والمستثمرون وذوو الثراء الفاحش، ممكن يمتلكون منزلاً وقد يستثمرون في آخر.