أميرة عبدالرحمن

تحرص الصين، بين الحين والآخر، على تذكير جزيرة تايوان بأنها «جزء لا يتجزأ» من برها الرئيسي. في هذا السياق جاء تصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، مؤخراً، بأن تايوان، التي تعتبرها بكين «مقاطعة انفصالية»، بمثابة شخص «ضالٍ» لطريقه، لكن مصيره «في نهاية المطاف العودة إلى الديار».

خلف السجال السياسي بين الصين وحكومة تايوان، المتمسكة بـ«السيادة» و«حق تقرير المصير»، حساباتٌ اقتصادية معقدة تتحكم في مجريات الأمور، سواء أكانت الضغوط العسكرية أو الدبلوماسية أو أحلام «الاستقلال».

دينامو الصناعة التايوانية

وتتمتع تايوان باقتصاد رأسمالي «ديناميكي»، محركهُ الصناعة، لا سيما في مجال الإلكترونيات والبتروكيماويات. وينظر لها المراقبون باعتبارها «تجربة اقتصادية» مثيرة للاهتمام، وضعتها تحت مجهر المراقبة الدولية، لا سيما في ظل تهديدات الصين المتكررة باستعادتها «ولو بالقوة»، ما ستكون له تبعاته بالضرورة على الاقتصاد العالمي.

فقد نشرت «بلومبيرج» تقريراً عن أسوأ المخاطر الاقتصادية العالمية في 2022، قالت فيه إن أي تصعيد بين البلدين سواء «حصار أو احتلال»، قد يؤدي إلى حرب بين القوى العظمى - في أسوأ سيناريو - ما سيؤدي إلى «انهيار إنتاج تايوان من أشباه الموصلات التي تلعب دوراً حيوياً في الإنتاج العالمي لجميع السلع من الهواتف الذكية إلى السيارات».

والمعروف أن تايوان من أكبر المنتجين عالمياً لأشباه الموصلات، التي تحتكرها آسيا، وذلك لقدرتها على تصنيع رقائق كمبيوتر رائدة. كما توصف بأنها أكبر «مسبك عالمي» منتجٍ لرقائق الهواتف الذكية عالية الجودة.

أخبار ذات صلة

زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف
الصين تحتاط لفساد أقارب المسؤولين بتوسيع قواعد حكومية

(رويترز)

جذور العلاقات السياسية

يعود التوتر التاريخي بين البلدين إلى عام 1895، عندما انتصرت اليابان في حربها الأولى مع الصين، ما اضطر «أسرة تشينغ» الحاكمة (1683 - 1895) إلى التنازل عن تايوان لليابان. ثم وبعد استسلام الأخيرة في الحرب العالمية الثانية 1945، تخلت عن سيطرتها على الأراضي التي أخذتها، فاستعادت الصين حكم تايوان - بموافقة الحلفاء.

تلا ذلك اندلاع حرب أهلية في الصين أسفرت عن انتصار قوات «ماو تسي تونغ» الشيوعية على قوات «تشيانغ كاي شيك»، الذي فر إلى تايوان عام 1949 وجعلها مقراً لحكومته، بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون في حكم «البر الرئيسي» تحت اسم جمهورية الصين الشعبية. ومنذ ذلك الحين، يعتبر كلا الطرفان أنه يمثل دولة الصين. لكن منذ عام 1971، حسمت الأمم المتحدة اعترافها الدبلوماسي بدولة الصين لصالح حكومة بكين.

(رويترز)

شكلت المجموعة الحاكمة في تايوان لسنوات عديدة 14% فقط من تعداد سكانها، الذين عبر بعضهم عن استيائه من «الحكم الاستبدادي». وبالتوازي مع طرح بكين مفهوم «دولة واحدة ونظامان» الذي منح تايوان استقلالية كبيرة حال قبلت إعادة التوحيد، بدأت مطالب التحول الديمقراطي، التي انتهت بانتخاب تشن شوي بيا في الجزيرة عام 2000. وفي عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنغ ون، التي اصطدمت مع بكين لاتجاهها الصريح نحو الاستقلال.

روابط اقتصادية بين البلدين

وسط كل هذه الخلافات السياسية، نمت الروابط الاقتصادية بين الشعبين بشكل كبير. وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، استثمرت الشركات التايوانية نحو 60 مليار دولار في الصين.

ويقول معهد الأبحاث التايواني «TRI» إن زيادة الاستثمارات، المتوقع نموها بنسبة 2.45% خلال العام المقبل، وراء ترقب نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.07% هذا العام، مقارنة بالتوقعات السابقة 5.12%. كما تشهد الحكومة التايوانية زيادة في مرتبات الموظفين والمدرسين وأفراد الجيش بنسبة 4% ابتداء من الأول من يناير المقبل.



وتعد الصين شريكاً استثمارياً وتجارياً تقليديا بالنسبة لتايوان، لذا تسعى الأخيرة منذ عقود إلى تنويع علاقاتها الخارجية، في القطاعين الاستثماري والتجاري، بعيداً عن الصين، عبر الاتجاه صوب منطقة جنوب شرق آسيا، فضلاً عن تعزيز علاقاتها السياسية مع الولايات المتحدة (خصم الصين) والمنظمات الدولية.

وبالرغم من توقع تايوان نمو إجمالي الناتج المحلي لها بنسبة 4.05% في عام 2022، مستفيدة من الزخم الاقتصادي الذي أتاحه انتعاش النمو في 2021، فإن اعتماد اقتصادها على الصين، حتى الآن، يقوض احتمالية قدرتها الفعلية على الاستقلال، فيما تطرح العلاقات التجارية بين الشعبين تساؤلات حول رغبة الطرفين في التصعيد العسكري، رغم الحرب الكلامية المتبادلة بينهما طيلة الوقت.