إيهاب الزلاقي

مع زيادة معدلات التطعيم ضد فيروس "كورونا" على مستوي العالم، تبدأ الحياة في العودة لطبيعتها، ومع ذلك لن يعود العالم إلى حياته المعتادة قبل الوباء، حيث غيرت الطبيعة طويلة المدى لهذه الأزمة العالمية احتياجات المستهلكين وأنماط الحياة اليومية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تغييرات في اهتماما وأولويات التكنولوجيا، سواء على مستوي اتجاهات الشركات، أو على مستوى تكنولوجيا المستهلكين أيضا. وفي السطور المقبلة، نحاول التعرف على أبرز الاتجاهات التكنولوجية المتوقعة خلال عام 2022 في كلا المجالين.

ازدهار «ميتافيرس»

أطلقت «فيسبوك» السباق الكبير نحو «ميتافيرس» في عام 2021، وهذا المصطلح يشير إلى واقع رقمي يجمع بين الوسائط الاجتماعية والألعاب عبر الإنترنت والواقع المعزز والافتراضي والعملات المشفرة التي يمكن أن يتفاعل معها المستخدم، وهو ما يمثل مستقبل الإنترنت الذي يوفر الوصول إلى جميع أنواع الترفيه والمشاريع بما في ذلك فرص العمل.

يتوقع الخبراء أن يشهد 2022 انتشاراً واسعاً لـ«ميتافيرس» مع سهولة الوصول إليها واستخدامها، حيث ستتحول إلى مركز رقمي، من المحتمل أن يتضمن الترفيه والتواصل الاجتماعي وإنتاجية العمل، كما أنها ستنشئ نظاماً بيئياً كاملاً للمطورين والتطبيقات والإعلانات والابتكارات الرقمية الجديدة، وتسهل عمليات الاستهلاك والوصول إلى الخدمات.

اليوم، تمتلك عدداً قليلاً من الشركات حصة في «ميتافيرس» من بينها فيسبوك وأمازون وعلي بابا وسناب شات، ولكن ربما تكون مايكروسوفت من خلال تطبيق «تيمز» هي الأكثر تطوراً في العالم فيما يتعلق بهذا المجال، كما أن الأجهزة القابلة للارتداء من «أبل» مع نظارات الواقع المعزز القادمة قريباً تشير هي الأخرى إلى دخول حلبة «ميتافيرس»، أما شركة «وي شات» الصينية، فتمتلك قدرات كبيرة في تسهيل المدفوعات والوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات بما يمكن اعتباره مقدمة لاقتحام هذا العالم.

ومع نمو نظام أعمال «ميتافيرس» خلال 2022، من المتوقع أن يكون له تأثير مباشر على مستقبل العديد من قطاعات التكنولوجيا، بما في ذلك الألعاب والأجهزة القابلة للارتداء والواقع الافتراضي والمعزز والشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا التعليمية والصحية ووسائل الاتصالات والعملات الرقمية.

سيادة «بلوك تشين»

تمكن تقنية «بلوك تشين»، والتي يمكن اعتبارها تطوراً تقنياً لفكرة «دفتر الأستاذ» المحاسبي، الشركات من تتبع المعاملات والقيام بالتجارة مع أطراف لم يتم التحقق منها، حتى من دون مساعدة من المؤسسات المالية، وهذه القدرات تقلل بشكل كبير من النزاعات التجارية، كما أنها تضيف مزايا أخرى مثل الشفافية، والأمان والثبات واللامركزية.

وخلال الفترة الماضية، تبنت قطاعات واسعة تقنية «بلوك تشين»، ووفقاً لمؤسسة البيانات الدولية، فإن الشركات قامت بإنفاق ما يقرب من 6.6 مليار دولار على حلول هذه التقنية في 2021 بزيادة قدرها 50% عن العام السابق، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم مبلغ 15 مليار دولار في 2024، ومع انتشار الرموز غير القابلة للاستبدال NFT وصعود «ميتافيرس»، سوف تصبح تقنية «بلوك تشين» أكثر أهمية خلال 2022.

وربما يكون أبرز التطبيقات الملحوظة لهذه التكنولوجيا حالياً ما قامت به سلسلة محال «وولمارت» التي طبقتها على قواعد بيانات سلاسل التوريد الخاصة بها، ما يسمح بمراقبة المنتجات الفردية مباشرة إلى مصادرها، ورفع معايير عمليات الإمداد بشكل فعال، كما تطرح أمازون مبادراتها الخاصة بهذا المجال بما يسمح لعملاء «خدمات أمازون للويب» بالاستفادة من حلول دفتر الأستاذ المتطورة.

زخم تقنيات علوم الحياة

تشتمل صناعة علوم الحياة على المستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية والعلوم البيئية والطب الحيوي والمغذيات وبيولوجيا الخلية والفيزياء الحيوية، وبسبب زيادة الاستثمارات في تكنولوجيا اللقاحات لمواجهة كورونا تحت ضغط الوباء شهدنا ابتكارات هائلة في تقنيات علوم الحياة خلال 2021. ومن أمثلة هذه الابتكارات اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي mRNA التي طورتها شركات مثل فايزر وموديرنا، بالإضافة إلى أن التطورات الأخيرة في مجال لقاحات كوفيد التي تصدرتها شركة ميرك، دفعت صناعة علوم الحياة إلى الأمام بسرعة هائلة.

أخبار ذات صلة

خطة مبتكرة من ماسك لزيادة إيرادات تويتر
أبل تعتزم تقديم شاشة حاسوب ماك تعمل باللمس


وفيما يتعلق بالمستقبل، يتوقع الخبراء أن نرى حركة قوية في العديد من قطاعات علوم الحياة بما في ذلك الأبحاث المتقدمة وتطبيق تكنولوجيا الروبوتات، وأدوات الذكاء الاصطناعي، واستخدام تكنولوجيا السحابة وتحسن سرعة اختبارات الأدوية، وتكامل المعلومات الجينية، بالإضافة إلى تطورات الطب العادي من خلال تكنولوجيا علوم الوراثة، وعلى سبيل المثال تساعد شركة 23andMe الناس على الوصول إلى الوصول للجينوم البشرى وفهمه والاستفادة منه.

نمو الذكاء الاصطناعي

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، من التخصيص وترتيب نتائج البحث إلى التوصية بالمنتجات وفهم الأجهزة والتحكم فيها إلى بناء نماذج أفضل للبيئة وأتمتة الصناعات، والعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى، ومن المتوقع أن نرى المزيد خلال العام المقبل. حالياً تستخدم المؤسسات تطبيقات التحليلات التنبؤية لتوقع الاتجاهات المستقبلية، ووفقاً لتقرير نشرته مؤسسةFacts & Factors فإن سوق التحليلات التنبؤية العالمية ينمو بمتوسط معدل نمو مركب يبلغ حوالي 24.5% ومن المتوقع أن تصل قيمته إلى 22.1 مليار دولار بحلول نهاية عام 2026.

من المتوقع أيضاً أن نشهد نمواً هائلاً في الحوسبة السحابية، وبحلول 2022 ستكون السحابة أكثر رسوخاً، وسيتم تشغيل الكثير من قدرات الحوسبة عبر السحابة، إنترنت الأشياء أيضاً سيدفع هذا الاتجاه أيضاً. ووفقاً لتوقعات شركة «جارتنر» فمن المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على الخدمات السحابية إلى أكثر من 482 مليار دولار عام 2022 ارتفاعاً من 314 مليار دولار عام 2020.

انتشار الحوسبة عالية الأداء

نظراً للتطورات الأخيرة في البحث والتحليل المستندة إلى البيانات الضخمة والحوسبة السحابية، يتوقع الخبراء زيادة استخدام الحوسبة عالية الأداء في 2022 في قطاعات تراوح بين أبحاث السرطان إلى استكشاف الفضاء، ستصبح الحوسبة عالية الأداء ذات أهمية متزايدة، كما ستحتاج الحوسبة الكمية إلى مواكبة الطلب المتزايد من الأعمال.

شهدنا بالفعل في الفترة الأخيرة تطوراً هائلاً في مجال الحوسبة الكمية من قبل اللاعبين الكبار مثل: جوجل ومايكروسوفت وأمازون وعلي بابا، ولكن العشرات من الشركات الناشئة في هذا المجال تجاوزت هي الأخرى كل توقعات الصناعة في التقنية والنمو. ويتوقع الخبراء تقدماً سريعاً في هذا المجال خلال العام المقبل، لأن الطلب المتزايد على قدرات أكبر للكمبيوتر سيعمل على تسريع التطور في هذا القطاع، وخلال فترة قصيرة ستكون الحوسبة الكمية التجارية قريباً في متناول قطاعات واسعة للغاية.

هيمنة أمن الإنترنت

نظراً لتسارع وتيرة التحول الرقمي، نشهد المزيد من الهجمات الإلكترونية الشخصية والمنظمة حول العالم، وكانت العديد من الشركات هدفاً لهجمات إلكترونية كبرى في الشهور الأخيرة، كما أصبحت الشركات أكثر عرضة للهجمات المدمرة بسبب زيادة العمل عن بعد مع انتشار الوباء.

خلال عام 2022، من المتوقع أن تستمر الهجمات الإلكترونية عبر قطاعات مختلفة، وفي المقابل ستتخذ الصناعة مجموعة متنوعة من الإجراءات المضادة، وستتضمن هذه الإجراءات توعية وتثقيف الأفراد حتى يتمكنوا من التعرف إلى هجمات الشبكات وتجنبها، وبالتالي المساهمة في حماية موارد الشركة. التوسع في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي سيجعل إنشاء بروتوكولات قوية للأمن السيبراني أسهل وأقل كلفة وأكثر فعالية من أي وقت مضى، واستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُمكّن الأمن السيبراني من تحديد المخاطر ومعرفة سلوكيات مجرمي الإنترنت، وبالتالي منع الهجمات المستقبلية.

ولا تتوقف حدود توقعات التكنولوجيا عن المؤسسات والشركات فقط، ولكنها أيضاً تصل إلى تكنولوجيا المستهلك التي تعد فئة واسعة من المنتجات والخدمات التي تساعدنا في حل المشكلات، أو الحصول على تجربة أفضل في حياتنا اليومية، ويمكن أن تكون هذه التكنولوجيا كبيرة وواضحة مثل شاشة تلفزيون بقياس 100 بوصة لتقديم الصورة فائقة الجودة 4K، أو صغيرة ومحمولة مثل أحد أجيال الموبايل والساعات ومشغلات الوسائط.

الروبوت المنزلي

كانت أجهزة الروبوت التي تستخدم في المنازل موجودة خلال السنوات الماضية، بل وأصبحت المكانس الروبوتية الكهربائية وغيرها من أجهزة الغرض الواحد شائعة نسبياً. ولكن شركة أمازون تستعد لتقديم «أسترو» إلى الأسواق والتي تقول إنه سيكون أول روبوت منزلي متعدد الأغراض. وإذا نجحت التجربة، فمن المؤكد أن العديد من الشركات ستسير وراءها في نفس الاتجاه، تماماً كما قدمت أمازون من قبل «إيكو» المساعد المنزلي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي.

يعمل هذا الروبوت من خلال واجهة ترتكز على مساعد أليكسا الشهير، ولذا لا تستغرب إذا أتى إليك مباشرة عندما تصلك المكالمات أو التنبيهات، كما يمكنه أن يعمل كمراقب أمني لاكتشاف أي دخول غير مصرح به. بالإضافة إلى امتلاك شخصية فريدة يمكن أن تصادقك أو توفر الترفيه العام. بالإضافة إلى ذلك، تستعد الأسواق لاستقبال موجة من أجهزة الروبوت المنزلية التي يمكنها المساعدة في الأعمال المنزلية والرعاية الصحية لكبار السن، أو حتى المساعدة في التعليم.

منتجات ذكية

كان الجيل الأول من المنتجات «الذكية» عبارة عن أجهزة متصلة بالإنترنت، بداية من الهواتف الذكية التي تتيح تصفح الويب إلى أجهزة التلفزيون التي تسهل مشاهدة «نتفليكس» و«يوتيوب»، وجاء تعلم الآلة لاحقاً، بالإضافة إلى عناصر جديدة مثل تمكين الهواتف من إطالة عمر البطارية من خلال إدارة الطاقة الذكية، أو تطوير التقاط الصور من خلال خوارزميات تحسين الصورة، بالإضافة إلى الأجهزة القادرة على العمل بشكل مستقل مثل السيارات ذاتية القيادة وغيرها. واليوم، وبدلاً عن السماح بمشاهدة المحتوى عبر الإنترنت وتشغيل التطبيقات، تستخدم أجهزة التلفزيون الذكية تقنيات الذكاء الاصطناعي لتكييف الصوت والصورة مع البيئة المحيطة، ولديها خوارزميات للتعرف إلى اللغة الطبيعية الأمر الذي يسمح بالتحكم فيها بمجرد نطق الأوامر الصوتية.

وخلال عام 2022، من المتوقع أن تبني الشركات أجهزة المستهلك الذكية على هذه القدرات وتطورها لتقديم الحلول للتحديات الفريدة التي نواجهها في الحياة اليومية، سواء كانت الزاوية التي تشرق منها الشمس على شاشة التلفزيون، أو مراقبة نشاط المستهلك لتقديم نصائح حول اللياقة البدنية.

إنترنت الحواس

يتضمن التعامل مع المحتوى والخدمات الرقمية عبر الإنترنت عادة تحفيز اثنين من الحواس البشرية: البصر والسمع. ولكن الجديد الذي تعمل عليه الشركات هو إشراك باقي الحواس من خلال اللمس والشم والتذوق، لخلق تجارب غامرة تماماً. غالبية هذه التعديلات ستحدث في عالم «الواقع الافتراضي» VR، حيث ستسمح لنا الأجهزة الجديدة بشم التجارب والشعور بها، ما يعني أنها ستبدو «حقيقية» وتفاعلية بشكل متزايد.

لعبة «فامسفوبيا» على سبيل المثال، وهي لعبة إلكترونية فكرتها صيد الأشباح، يمكن اللعب بها مع ارتداء بدلة خاصة، وهنا سوف يشعر اللاعب بتلك المخلوقات الأسطورية، وهي تلمسه أو تمسك به، وتفيد التوقعات بانتشار واسع لأجهزة المستهلكين الخاصة بالواقع الافتراضي والمعزز AR، وتفيد التقارير أن نظارات «أوكولوس» التي تنتجها شركة «فيس بوك» باعت ما يقرب من مليونَي قطعة من أحدث إصداراتها خلال عام 2021، الأمر الذي يعني أن المزيد من منتجي المحتوى سيكونون أكثر حماساً لنقل الألعاب والتجارب إلى الواقع الافتراضي، بالإضافة إلى توقع دخول المزيد من المنافسين إلى السوق مثل HTC و«سوني» للحصول على حصة من السوق المربحة. بالإضافة إلى ذلك يتوقع الخبراء ظهور تجارب صوتية أكثر واقعية في عالم الأفلام والألعاب، حيث تتقدم شركة «نيفيديا» هذا السباق بتوفير التكنولوجيا المناسبة.

مع زيادة معدلات التطعيم ضد فيروس «كورونا» على مستوى العالم، تبدأ الحياة في العودة لطبيعتها، ومع ذلك لن يعود العالم إلى حياته المعتادة قبل الوباء، حيث غيرت الطبيعة طويلة المدى لهذه الأزمة العالمية احتياجات المستهلكين وأنماط الحياة اليومية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تغييرات في أولويات التكنولوجيا، سواء على مستوى اتجاهات الشركات، أو على مستوى تكنولوجيا المستهلكين أيضاً. وفي السطور المقبلة، نحاول التعرف إلى أبرز الاتجاهات التكنولوجية المتوقعة خلال عام 2022 في كلا المجالين.

إنترنت الأشياء

سوف يستمر الاتجاه السائد بتحول الأجهزة المنزلية إلى «ذكية» وقادرة على التواصل مع العالم ومع بعضها البعض ويتطور بشكل كبير، توقع المحللون في مؤسسة «جارتنر» أن يحتوي المنزل العادي على أكثر من 500 جهاز ذكي بحلول عام 2022. ومن المتوقع أن يشهد هذا العام إطلاق Matter وهو «نظام تشغيل المنزل الذكي» والذي يتم تطويره بالتعاون بين «أبل» و«جوجل» و«أمازون»؛ حيث يهدف إلى خلق بيئة تشغيل قياسية للأجهزة المتصلة بالمنزل.

في الوقت الحالي تعمل الأجهزة التي تصنعها الشركات المختلفة باستخدام بروتوكولاتها الخاصة، وعلى الرغم من أن هذه الأجهزة مصممة لتتعامل بشكل جيد مع الأجهزة الأخرى، فإنه لا يوجد نظام تشغيل موحد يعمل الجميع من خلاله مثل «ويندوز» أو «ماك أو إس» أو يسمح للمستهلك بإدارة جميع الأجهزة من خلاله، وقد يتغير هذا الأمر بشكل كبير خلال 2022 خاصة مع توقعات بنمو سوق الأجهزة المنزلية الذكية إلى 53 مليار دولار.

الشبكات فائقة السرعة

سوف تصبح قدرات 5G هي المعيار الأساسي للهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى- بغض النظر عن الأسعار- بدلاً من اقتصارها حالياً على المنتجات المتميزة والرائدة، وهو الأمر الذي يعني ببساطة أن خدمات الفيديو عالية الدقة ستكون متاحة على نطاق أوسع، بما في ذلك البث فائق الدقة 8K بالإضافة إلى الألعاب السحابية وتطبيقات الواقع الافتراضي. وهذا الأمر أيضاً يعني أن الأجهزة ستصبح أصغر حجماً وأخف وزناً، حيث لن توجد حاجة إلى المعالجات الضخمة وشرائح الرسوميات، حيث ستتم عمليات المعالجة نفسها على أجهزة الخوادم وتعود كتدفق عالي الجودة إلى أجهزة المستهلكين كإرسال فيديو.