أيمن سمير

فرض النجاح المبهر لــ«ألوية العمالقة» وعملية «إعصار الجنوب» التي يدعمها المجلس الانتقالي، معادلة سياسية وعسكرية جديدة قادت إلى تغيير النظرة إلى المشهد اليمني بعد نحو 7 سنوات من ترويج الحوثي لقدرته على تحويل خطوط إطلاق النار إلى حدود يمكن أن يدافع عنها ويثبتها كخطوط وحدود دائمة لمشروعه الأيديولوجي في اليمن.

ونجحت «ألوية العمالقة» في استعادة زمام المبادرة للشعب اليمني الذي طرح أكثر من مرة حلولاً سياسية ومبادرات لوقف إطلاق النار تقوم على المرجعيات الثلاث؛ وهي المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216، وكان الرد الوحيد من جانب الحوثيين منذ اندلاع عاصفة الحزم في 26 مارس 2015، هو رفض كافة المبادرات والأطروحات التي طرحها المبعوثون الدوليون بداية من جمال بن عمر، وحتى المبعوث الأممي الحالي هانز جروندبرج، كما رفض الحوثي كل الأيادي الممدودة بالسلام من جانب التحالف العربي الذي اقترح أكثر من مرة وقف إطلاق النار، فكيف يمكن استثمار النجاحات الميدانية لألوية العمالقة في الضغط على الحوثي حتى يجنح للسلام؟ وإلى أي مدى يمكن البناء على تلك الانتصارات من أجل تطوير موقف ميداني وسياسي يحاصر الحوثي ويدفعه إلى مربع الواقعية وقبول المبادرات السلمية؟ وهل من خريطة طريق تشكل الأساس الصحيح للتحركات العسكرية والدبلوماسية في الفترة القادمة؟

الخيار العسكري على الطاولة

نتيجة لقناعة كاملة من دول التحالف العربي بأهمية الحلول السياسية جرى تقديم العديد من المبادرات لوقف إطلاق النار، وطرح التحالف العربي وقفاً كاملاً لإطلاق النار في أبريل عام 2020 يستمر لمدة أسبوعين، وفي 23 من نفس الشهر مدد التحالف الهدنة إلى شهر كامل، وكان رد الحوثي على المبادرة تصعيد غير مسبوقة استمر خلال 2020 و2021، وهذا التصعيد لم يتوقف على الجبهات الداخلية في اليمن، بل استهداف وقصف الأهداف المدنية والمدنيين في دول الجوار، ما أدى إلى مقتل 59 مدنياً سعودياً بعد أن أطلق الحوثيون منذ بداية الحرب في 26 مارس 2015 حتى 26 ديسمبر الماضي 430 صاروخاً باليستياً و851 طائرة مسيرة على الأهداف والمطارات المدنية والمدن السعودية القريبة من الحدود اليمنية. حسب بيان المتحدث باسم التحالف العربي، العميد الركن تركي المالكي، في 26 ديسمبر الماضي.

الفرص الضائعة للسلام

ولم يترك التحالف فرصة لتحقيق السلام، ولبى جميع الدعوات للذهاب إلى المفاوضات التي بدأت بالمشاركة في مفاوضات الكويت التي انطلقت منذ 25 أبريل 2016، وجنيف في سبتمبر 2017، ثم جولات التفاوض في السويد والتي أسفرت آخرها عن اتفاق استوكهولم في 13 ديسمبر 2018 حول ميناء الحديدة، الذي لم يلتزم به الحوثي في أي يوم من الأيام، لكن الحوثيين ومن يقف خلفهم كانوا يسوقون لهذا الاستعداد الدائم من جانب التحالف العربي للمشاركة في المفاوضات بأنه عدم قدرة على مواصلة العمليات العسكرية وهنا تأتي أهمية الانتصارات المدوية التي تحققها «ألوية العمالقة» وتنتزع مواقع ومديريات هامة في شبوة ومأرب من يد الحوثي الذي ظن أنه من المستحيل إعادتها للشعب اليمني، وهو ما يؤكد أن قراءة الحوثيين للمشهد العسكري والسياسي سواء الداخلي أو حتى في المنطقة ينطلق من قناعات خاطئة.

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية


خريطة طريق جديدة

يرسم نجاح «ألوية العمالقة» في هزيمة الحوثيين وكسر شوكتهم خريطة طريق جديدة في ظل مرور 7 سنوات على عملية «عاصفة الحزم» التي انطلقت في 26 مارس 2015، و التي جاءت بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 ومحاولتهم السيطرة على عدن وكل الأراضي اليمنية، وتقوم خريطة الطريق على 5 مسارات جديدة.

المسار الأول

يقوم على «فكرة التوازي» وليس «التتالي» في عمل الجبهات العسكرية ضد الحوثي، فطوال تاريخ الأزمة كان الحوثي ينقل قواتة ومعداته من جبهة إلى أخرى، ولم يختبر في يوم من أيام السنوات السبع الأخيرة اشتعال كل الجبهات في وقت واحد، فمثلاً اليوم تشتعل الجبهة في شبوة ومأرب، والسؤال ماذا عن الجبهات الأخرى في الساحل الغربي وتعز والعاصمة صنعاء وصعدة وعمران وغيرها؟

عمل جبهة واحدة دون الجبهات الأخرى يزيد من مساحة المناورة العسكرية للحوثيين، على سبيل المثال توجد قوات الحكومة الشرعية في مديرية نهم والتي تبعد عن مطار صنعاء وقلب العاصمة بأقل من 16 كم فقط، واشتعال كل الجبهات في وقت واحد سوف يشتت الحوثي ويعرضه لهزيمة ساحة تدفعه للقبول بمبادرات السلام، وأكبر دليل على عدم قدرة الحوثي على القتال في جبهات متعددة هذه التقارير التي تؤكد فرضه للقتال على بعض القبائل التي لا تريد القتال، وتجنيد الأطفال على الجبهات الأمامية للصراع، فكثير من التقارير الموثقة قالت إن الحوثي قام بتجنيد 35 ألف طفل على جبهات القتال، وفق بيان نائب مندوب اليمن في الأمم المتحدة، مروان نعمان، في الاجتماع رفيع المستوى المعني بحماية الأطفال في النزاعات المسلحة على هامش الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، والتي قال فيها إن الحوثي جند 17% من إجمالي 35 ألف طفل دون سن 11 عاماً، وهو أمر يعكس أزمة وجود مجندين لتغطية جميع الجبهات لدى الحوثي.

المسار الثاني

يتمثل في تفعيل دور القبائل التي لديها استعداد للانتفاضة ضد الحوثي، وهي قبائل قوية وضرباتها للحوثي موجعة، وخير شاهد على هذا المسار «قبائل حجور» التي انتفضت في فبراير 2019 ضد الحوثي بسلاح بسيط وقدمت بطولات نادرة، وهو أمر تكرر مع قبائل ذو يحيى بمحافظة حجة و قبائل بني مفتاح في محافظة إب، فالتنسيق بين انتفاضات القبائل ضد الحوثي، مع تفعيل كل الجبهات العسكرية، بالإضافة إلى النتائج المبهرة التي تحققها «ألوية العمالقة» سوف تكون اليمن أمام «معادلة عسكرية» جديدة يتفوق فيها الشعب اليمني بالكامل على المليشيات الإرهابية.

المسار الثالث

تشديد الرقابة على منافذ تهريب السلاح للحوثي، فالمشهد اليمني الذي سمح للحوثي بإطالة الأزمة حتى الآن هو نتيجة لسبب واحد هو الحاجة لمزيد من الرقابة على المنافذ في المحافظات الحدودية، فالمؤكد أنه يتم تهريب الطائرات المسيرة وأجزاء الصواريخ الباليستية للحوثي، ولو تم تفعيل الرقابة على المحافظات التي يمكن أن يحصل الحوثي منها على تلك الطائرات مثل محافظة المهرة فسيكون الأمر في غاية الصعوبة على الحوثي للوقوف أمام قوات الشعب اليمني.

المسار الرابع

يتعلق بضرورة تغيير نمط شرح القصة اليمنية للخارج، فخلال السنوات الماضية كان التسويق من جانب الحوثي والدول والجماعات التي تدعمه بأن القضية في اليمن إنسانية، ولهذا جاءت أكبر «الإشارات الخاطئة» منذ 2015 عندما رفعت الولايات المتحدة اسم الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية، وكان هذا نتيجة لصورة نمطية خاطئة عن التحالف العربي وعن الحوثي أيضاً، فالعالم يحتاج أن يعرف أن هجمات الحوثي على الأهداف المدنية في اليمن ودول الجوار تتنافى مع القانون الدولي الإنساني، وأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي دول التحالف العربي الحق في الدفاع عن النفس ضد هجمات الحوثي، وليس الصورة الذهنية الحالية التي تصور الأمر على عكس ذلك.

المسار الخامس

يقول إن ما يجري في اليمن لا يهم الشعب اليمني والشعوب الخليجية والعربية فقط، بل يهم ملايين البشر حول العالم الذين يجب مخاطبتهم بشأن عدوان الحوثي على الملاحة وحاجاتهم اليومية، فهؤلاء يعتمدون على النفط والغاز الذي يمر من مضيق باب المندب الذي يهدده الحوثيون، وكان آخرها خطف السفينة التي تحمل العلم الإماراتي «روابي»، وتذهب التقديرات إلى أن 6% من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن، تمر يومياً عبر باب المندب الذي يمر عبره سنوياً ما يزيد على 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع، فبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قالت إن كمية النفط التي تعبر يومياً مضيق باب المندب نحو 3.8 ملايين برميل من النفط، ما يساوي 6% من تجارة النفط العالمية، وهي قضية ينبغي أن يعرفها العالم.

المؤكد أن انتصارات «ألوية العمالقة» تؤسس لمقاربة جديدة، ومعادلة بأرقام مختلفة تقرب الساحة اليمنية لأول مرة منذ بدء الصراع نحو حل حقيقي يضمن السلام والاستقرار في كل المنطقة.