الرؤية

6% زيادة الأجور خلال كورونا قابله تضخم يلتهم هذه الزيادات

42% من النساء العاملات بأمريكا عائلات لأسرهن

«أمازون» في طريقه ليكون منصة وسيطة للنجارة والسباكة والكهرباء

التكنولوجيا تتصدر عوامل جذب الشباب للعمل في التسويق والإعلانات

«المرونة» ستكون السمة الأبرز في عقود العمل الجديدة

البطالة ليست مؤشراً كافياً لمعرفة حال سوق العمل

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية


تركت أزمة جائحة كورونا أثرها البالغ على سوق العمل والعمال فيما يتعلق بأنماط التشغيل والقواعد والاعتبارات التي تحكم هذا السوق، فضلا عن معدلات النمو في مختلف دول العالم، التي تباينت في تعاملاتها تجاه الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها لمكافحة الوباء.وحذر أستاذ السياسات العامة فى جامعة مينيسوتا الأمريكية، المشرف على مسوح سوق العمل التتبعية فى مصر والأردن وتونس والمغرب والسودان، الدكتور راجي أسعد، في حواره مع «الرؤية» من انتشار ظاهرة اتساع حجم اقتصاد المنصات، وانعكاسات ذلك على إعادة هيكلة سوق العمل وشروطه.



بداية ما توقعاتك لسوق العمل مع تباين إجراءات مكافحة فيروس كورونا؟

سوق العمل هذا العام، يسير مع المؤشرات الاقتصادية، يتحسن بتحسنها ويتراجع بتراجعها طالما استمرت تأثيرات متحورات كورونا.

وكنا لاحظنا أن هناك دولاً متقدمة تشددت في الإغلاقات ثم خففت القيود بصورة كبيرة، لكن مع مجيء الموجة الثانية انتشرت الإصابات فأعادت الغلق باستثناء بعض الدول، والخلاصة أن إدارة عملية الفتح والإغلاق يجب أن تتم بحكمة وبتعاون مدروس بين الحكومات والمجتمعات، بحسب طبيعة كل بلد. لكن الظاهرة الصاعدة التي سيكون لها تأثير عميق جداً على أسواق العمل في 2022 وما بعده هي اتساع حجم اقتصاد المنصات، الذي سينعكس من خلال إعادة هيكلة ضخمة لسوق العمل وشروطه.

هناك من يرى أن طبيعة عمل المنصات لا تتناسب مع الجميع؟

بالفعل، فمثلاً المنصات التي تقوم بتشغيل سيارات توصيل الركاب، نجد أن ساعات عمل العامل فيها غير محددة، ومن السهل أن يخرج من العمل ثم يعود ليدخل إليه، ولا توجد، بحكم طبيعة هذا العمل، حماية تأمينية للعامل مثل معاشات تقاعد أو رعاية صحية وغير ذلك. وقد يبدو الحل في المرونة الشديدة، وهناك محاولات لإيجاد حلول لذلك.

لكن هناك تجارب لمنصات فيها انتظام واضح للعمالة مثل أمازون؟

أتفق معك، أمازون مختلف، فالعمالة فيه منتظمة في أعمال التغليف والنقل والتوصيل، لكن إلى أي حد يتأثر هذا النموذج بمن يبيعون نفس السلع؟ لن تجد إجابة محددة حتى الآن.

بالمناسبة، أمازون يتجه -على حد علمي- إلى تجربة أن يكون منصة وسيطة لتقديم خدمات كالنجارة والسباكة وأعمال الكهرباء، منطلقاً من مصر، حيث يقوم هو باختبار وتصنيف راغبي الانضمام للمنصة من مقدمي الخدمات.

ما تفسيرك لإقبال الشباب على العمل في التسويق والإعلانات والوساطة؟

هذه طبيعة العصر، حيث يضعف إقبال الناس على المحال أو المتاجر، وهو أمر سوف يستمر حتى بعد انتهاء كورونا، ومن هنا توجد فرص أكثر للوساطة وأعمال التسويق، لأن التكنولوجيا تلعب دوراً فيها، وهذا سبب انجذاب الشباب إليها.

هناك 5 ملايين أمريكي تركوا وظائفهم خلال فترة كورونا ولا يريدون العودة رغم توفر فرص.. كيف ترى ذلك؟

السبب ببساطة، أن متوسط العمر في قلب قوة العمل الأمريكية مرتفع، لذلك فإن خروج عامل أو عاملة في عمر الخمسينات من سوق العمل، يصعب عليه قرار العودة، حتى بافتراض وجود طلب عليه، ففي الغالب يكون في غير مجاله، أو بنظام أجر مختلف عن ذي قبل، فضلاً عن أن من كانوا يقومون بعمل شاق على وجه الخصوص قد لا يستطيعون تحمل عبء العودة مع الوهن ومرور السنين.

السبب الثاني هو عدم انتظام العمل في حضانات ومدارس الأطفال التي كانت تأوي صغار العديد من السيدات اللاتي خرجن من سوق العمل، وبالتالي لا يستطعن العودة بسهولة، علماً بأن 42% من النساء العاملات بأمريكا من العائلات لأسرهن.

قيل إن وراء عدم الرجوع إغراء حزم التحفيز؟

قطعاً لا، الحزم انتهت بالفعل وليست هي العامل الأكثر تاثيراً، إضافة إلى أن ارتفاع الأجور 6%، قابله زيادة في التضخم بنفس القيمة التهمت كل الزيادات التحفيزية.

كيف ترى سوق العمل في المنطقة العربية؟

ستظل السمة الأبرز عالمياً، وفي المنطقة العربية خاصة الإمارات العربية المتحدة، هي البحث المتواصل عن تشريعات عمل ولوائح تلبي متطلبات المرحلة المقبلة بكل متغيراتها التكنولوجية والاقتصادية وتعقيداتها التي أفرزتها أزمة الجائحة، وهناك قوانين صدرت بالفعل وأخرى في الطريق، والكل يبحث عن توازن من نوع جديد بين المستثمر وصاحب العمل من جهة، وبين العامل من جهة أخرى، وستكون المرونة سيدة الموقف في عقود العمل الجديدة، لكن المعضلة في الأعمال الحرة بطبيعتها، حيث يصعب ابتكار أشكال عملية صريحة لحماية العمالة التي ترتبط بقطاعات عمل غير محددة الوقت، ولا يتوفر بها أي من أشكال الحماية التأمينية.

ماذا عن شمال أفريقيا ومصر والأردن تحديداً؟

العمالة غير المنتظمة في قطاعات مثل المقاولات والإنشاءات والسياحة هي أكثر الفئات التي تضررت من الجائحة في هذه الدول، وقد تأثرت مستويات التشغيل (نسبة القوى العاملة إلى السكان) في هذه الدول أيضاً بشكل مباشر من خلال ما يسمى نقص ساعات العمل المستتر، أي أن العمل يتم بأقل من عدد الساعات المطلوب فعلياً، هذا النقص كان 2% قبل الجائحة وأصبح الآن 8%.

لوحظ أيضاً أن معدل البطالة ارتفع لفترة في منتصف 2020، لكنه عاد تقريباً إلى الوضع الطبيعي، وهنا لزم التنويه إلى أن البطالة ليست مؤشراً كافياً لمعرفة حال سوق العمل، فهناك أولاً البطالة غير الرسمية التي يصعب حسابها، وثانياً هناك أسر تناقص دخلها إلى 25% غالبيتها أسر قليلة الدخل، لذا لن نتمكن من معرفة ما يدور إلا بالنظر إلى مؤشر البطالة والدخل معاً، وكذلك مؤشرات الأمن الغذائي والتي تأثرت هي الأخرى سلباً.

ما الموقف في كل من لبنان وسوريا والسودان؟

لم أدرس لبنان وسوريا إلا من مدخل دراسة سوق الأردن، وكما هو واضح ففي لبنان أزمات اقتصادية سياسية قبل كورونا وبعده، وتبدو في شكل بطالة وتضخم وهجرات وقلة دخل.

السودان كذلك مشاكله سياسية وبالتالي الاقتصادية ستأخذ وقتاً طويلاً ليتم القضاء عليها. أما عن العمالة السورية فقد حلت بدرجة ملحوظة محل العمالة المصرية بالأردن أو زاحمتها على الأقل، وكلاهما أثرا على العمالة الوطنية هناك بشكل أو بآخر، غير أن الجامعيين الأردنيين يرغبون في أعمال حكومية مختلفة، وقد قل التوظيف الحكومي بطبيعة الحال.

هناك ارتفاع ظاهر في التحويلات الخارجية إلى دول المنطقة، هل كان لذلك أثر إيجابي على الأسر الفقيرة، التي تضم عدداً كبيراً من العاطلين عن العمل؟

توقع البنك الدولي في تقرير سابق أن تنمو التحويلات إلى البلدان النامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 9.7% لتصل بنهاية 2021 المنقضي إلى 62 مليار دولار، مدعومة بعودة النمو في بعض البلدان المضيفة في الاتحاد الأوروبي، والزيادة في أسعار النفط العالمية التي أثرت تأثيراً إيجابياً على دول مجلس التعاون الخليجي وتلقائياً على العمالة الوافدة بها.

على سبيل المثال، تلقت مصر 33 مليار دولار تحويلات، وهذا مبلغ أكبر بكثير من الاستثمار الأجنبي ودخل قناة السويس ودخل السياحة والمنح مجتمعة، لكن في الأردن، انخفضت التدفقات منها وإليها.

وفي الواقع فإن تأثير التحويلات على سوق العمل وعلى الأسر التي من بين أعضائها عاطلون، وأنماط إنفاقها، لم يتم قياسه بدقة، لكن المشاهدات توضح كيف تلعب التحويلات دوراً مؤثراً جداً في الحياة الاجتماعية بالدول المتلقية.

ما تقييمك لتأثيرات كوفيد-19 على الدول؟

الضرر الأكبر وقع على الأردن وتونس والمغرب، لأن ذروة الجائحة عندهم كانت قوية وأربكت أسواق العمل والعمالة وغير ذلك، أما مصر فكانت أفضل نسبياً، وحققت نمواً إيجابياً ساعد على التخفيف من وقع الصدمة. اللافت حقاً أن برامج مساعدة الفئات المتضررة خلال أزمة كوفيد-19 لم تصل إلا إلى 15% من الأسر، ولم تصل إلى ثلثي المنشآت في تلك الدول، وإجمالي التحفيز كان في مصر 1.7% من الناتج، والمتوسط في شمال أفريقيا 2.7% أما في العالم فكان 10%.

بصفة عامة من أبرز الرابحين والخاسرين في أسواق العمل خلال الفترة الماضية؟

بالطبع هم العاملون في الحكومة والقطاع العام، حيث لم يتأثر دخلهم إلى حد بعيد، فضلاً عن قلة عدد ساعات عملهم بسبب القيود، يأتي بعدهم القطاع الخاص الرسمي مع فارق كبير، وبعض القطاعات التي تحولت إلى التجارة الإلكترونية أو سرَّعت إيقاعها ثم وجدت طريقة جديدة للتعامل مع الجمهور وسط الإغلاقات.

أما أكبر الخاسرين فكانت النساء العاملات، ليس من أجل ارتفاع البطالة بينهن فقط، بل أيضاً لمزيد من الضعف في مشاركتهن في التشغيل.

كيف ترى خطاب (الأتمتة) وأنها ستزيح العمالة قليلة المهارات؟

الأتمتة واستخدام الذكاء الاصطناعي في تسيير الأعمال وأغراض أخرى عملية ديناميكية حتمية، لها انعكاس واضح على كل حياتنا، وستظل مؤثراً قوياً للغاية على سوق العمل وغيره، غير أنه سيبقى هامش مجال للعمالة قليلة المهارات في أعمال مثل المطاعم والضيافة والإنشاءات.