الرؤية

• أردوغان يتراجع ويتطلع إلى تعزيز علاقاته مع أبوظبي والقاهرة والرياض وعواصم أخرى

• أنقرة تعتبر الانفتاح على أبوظبي جزءاً من دائرة أكثر اتساعاً لتحسين علاقاتها الخارجية

• تركيا تأمل عضوية في منتدى غاز شرق المتوسط بعد استئناف علاقاتها مع مصر وإسرائيل

• تل أبيب ترهن عودة العلاقات مع تركيا بتراجع أردوغان عن إيواء ودعم «حماس»

• إسرائيل: «استئناف العلاقات مع تركيا لن يكون على حساب تحالفنا مع قبرص واليونان»

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

تقبل منطقة الشرق الأوسط على خارطة دبلوماسية جديدة في ظل محاولات أنقرة على تعزيز علاقتها بدول المنطقة، لا سيما الإمارات العربية المتحدة؛ فخلال الأسبوع الماضي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتزامه زيارة الإمارات الاثنين في زيارة تحظي بأهمية بالغة، كما يستقبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ في مارس المقبل، وهي الزيارة التي يصبح بها الأخير أول رئيس إسرائيلي يزور تركيا منذ زيارة نظيره شيمون بيريز لأنقرة في 2007.

تشير "فورين بوليسي" الأمريكية إلى أن أردوغان تراجع لاحقاً عن مواقفه من الإمارات العربية المتحدة، واعتبر ذلك جزءاً من دائرة جهود أكثر اتساعاً، تهدف إلى تحسين العلاقات مع الإمارات، ومصر، و السعودية، ودول عربية أخرى، اصطدمت بها تركيا خلال السنوات القليلة الماضية. وتضمنت الجهود الدبلوماسية التركية إلى جانب ذلك، زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لأنقرة في نوفمبر الماضي. وحسب «فورين بوليسي»، يأمل أردوغان بذلك في إضفاء زخم للتحالف مع الإمارات العربية المتحدة، والحصول على دعمها للاقتصاد التركي، لا سيما أنه منذ الشروع في التقارب بين البلدين، وقعت أبوظبي وأنقرة اتفاقاً لصرف العملة فيما بينهما، بلغت قيمته 4.9 مليار دولار، في الوقت الذي تعهَّد صندوق ثروة أبوظبي السيادي باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا. ويرى معدو تقرير الصحيفة الأمريكية أن الإمارات العربية المتحدة لا تتطلع فقط إلى عوائد جيدة من استثماراتها، وإنما تعتبر تركيا أيضاً حائط صد محتملاً ضد إيران في وقت يتواصل الرئيس الأمريكي مع طهران للوصول معها إلى اتفاق نووي جديد. وفي حين لا تمتلك إسرائيل القوة المالية، التي توفرها عوائد النفط مثل الإمارات العربية المتحدة، تمتلك هي الأخرى قوة بمنظور تكنولوجي واقتصادي في المنطقة.

رؤوس الأموال

وقاد خروج رؤوس الأموال الغربية من تركيا خلال السنوات القليلة الماضية إلى انكماشها كسوق ناشئة من خلال مؤسسات مالية رائدة، ما قد يؤدي إلى انخفاض معدل تصنيفها الائتماني، ويجعل سندات الدين والأسهم التركية غير قابلة للاستثمار. وساهم كل ذلك في تراجع الاقتصاد التركي، وضاعف مخاوف أردوغان السياسية. أمام ذلك تطرح فرصة واعدة نفسها لمد أنبوب في شرق المتوسط لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. ورغم أن الحديث عن هذه الصفقة ما زال في طوره النظري، لا سيما في ضوء عديد العراقيل التي تواجه المشروع، لكنه إذا رأى النور يساهم بقدر كبير في إنقاذ ورفع مستوى العديد من الشركات والعائلات التركية، التي أوشكت على «التمرُّد» بسبب انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع قيمة فواتيره.

وبعد الأزمة التركية – الإسرائيلية، التي تسببت فيها قافلة المعونات التركية لغزة عام 2010، رفضت تركيا بشكل قاطع إبرام صفقات طاقة مع إسرائيل، لكن أردوغان أعاد من جديد تبني مشروع أنبوب الغاز بداية الشهر الجاري، وبدا متحمساً للعودة والعمل عليه. ويأمل أردوغان في أن يفضي تحسين العلاقات مع إسرائيل ومصر إلى المساعدة في الحد من انعزال تركيا المتزايد في شرق البحر المتوسط. ويأتي ذلك تزامناً مع شهادة المنطقة على شراكة دبلوماسية رائعة وغير مسبوقة بين إسرائيل، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، واليونان، وقبرص؛ وهى الشراكة التي أزعجت في مجملها الدولة التركية. ويسعى تكتُّل هذه الدول للوصول إلى تعاون في مجال الطاقة تحت مظلة «منتدى غاز شرق المتوسط»، وهى المنظمة التي تتطلع أنقرة إلى الانضمام إليها ذات يوم، حسب «فورين بوليسي».

خصمان كبيران

ومنذ فترة ليست بالقليلة، تعتبر تركيا اليونان وقبرص خصمين كبيرين؛ وقد ينطوي التحول في نبرة أردوغان الدبلوماسية على محاولة إبعاد الدولتين عن دائرة الشراكات سريعة التطور في المنطقة. لكن صحيفة «جيروزاليم بوست»، نقلت عن مصدر في حكومة إسرائيل قوله: «تحسن العلاقات بين إسرائيل وأنقرة لن يأتي على حساب تحالف إسرائيل مع اليونان وقبرص».

وفي وقت يفرض تحوُّل أردوغان المفاجئ حيال إسرائيل شكوكاً لدى محللين إسرائيليين، تلوح في الأفق بوادر تفاؤل حذر لدى دوائر إسرائيلية إزاء إمكانية التحسُّن التدريجي في العلاقات مع تركيا، وهو ما لا يقتصر فقط على تبادل السفراء بين البلدين، وإنما يتجاوزه إلى تعاون تكتيكي ضد إيران وأذنابها في الشرق الأوسط. وحسب «فورين بوليسي»، «لن تعادل سرعة أي تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وتركيا نظيرتها التي حدثت بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، خاصة أن الدولتين الأخيرتين تتعاونان بشكل وطيد منذ سنوات طوال». وعند النظر إلى تسمُّم علاقات أردوغان مع إسرائيل خلال العقدين الماضيين، والتقلبات والمنعطفات المتكررة التي طرأت على تلك العلاقات، فلا يمكن استبعاد استغراق عودة وبناء الثقة بين الطرفين إلى وقت وجهد طويل.

العلاقات التركية - الإسرائيلية

تعززت آمال التقارب التركي – الإسرائيلي بشكل أكبر بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى الشهر الماضي بين وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ونظيره التركي مولود غاويش أوغلو؛ لا سيما أنها المكالمة الهاتفية المعلنة الأولى بين وزيري خارجية البلدين منذ 13 عاماً.

وحسب تقرير الصحيفة الأمريكية ، يبحث الرئيس التركي أردوغان عبر محاولات التقارب عن شركاء جُدُد، خاصة في ظل حاجة لا مفر منها إلى إجراء إصلاح في علاقاته الخارجية؛ ولعل ذلك بات «متفهَّماً»، نظراً لمواجهة بلاده اقتصاداً متراجعاً، واعتراضاً داخلياً متزايداً على نظام حكمه، ونزاعه مع دول جوار عربية، وحلفاء قدامى وجُدُد لدى الغرب، بالإضافة إلى اضطرابات حالية في المنطقة على خلفية اعتزام روسيا القيام بعملية غزو محتمل لأوكرانيا.

وتلفت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إلى أن تركيا كانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل في 1949، وتمتعت الدولتان منذ هذا التاريخ بتعاون دبلوماسي، وأمني، واستخباراتي قوي على مدى سنوات طوال، إلا أنه منذ صعود حزب «العدالة والتنمية» إلى سدَّة الحكم برئاسة أردوغان في 2002، انهارت العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل غير مسبوق.

لكن تزايد عزلة الرئيس التركي في الشرق الأوسط، وسقوطه في مشاكل اقتصادية داخلية «أجبرته على التواصل مع عدوه اللدود»، حسب تعبير «فورين بوليسي». في المقابل تتعامل إسرائيل بحذر بالغ مع أردوغان، لا سيما في ضوء انتقاداته المتكررة لإسرائيل؛ وفي تصريح سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، قال: «لا أعول كثيراً على تركيا»، وذلك عند تطرقه إلى صعوبات خلق علاقات جيدة مع أنقرة في ظل حكم رجب طيب أردوغان.

الجنسية التركية

وتعتلي قائمة مخاوف إسرائيل تأييد ودعم أردوغان الثابت لحركة حماس الفلسطينية، التي وصفتها واشنطن بـ«تنظيم إرهابي»؛ بالإضافة إلى غضب إسرائيل من منح أنقرة الجنسية التركية لنشطاء بارزين في حماس، بما في ذلك الشخص الذي جزمت إسرائيل بإشرافه على مؤامرة اغتيال رئيس بلدية القدس، وعدد آخر من الشخصيات العامة الإسرائيلية، حسب تقرير نشرته صحيفة «تليغراف» عام 2020.

وفي السابق، أبدى أردوغان افتخاراً باستضافة قياديين حماسويين في تركيا، هما: صالح العاروري، وإسماعيل هنية، رغم أن كليهما مدرج في قائمة واشنطن العالمية للإرهابيين. لذا، حسب تقرير «فورين بوليسي»، لن يثير الدهشة «تأكيد وكالات الأمن الإسرائيلية بما في ذلك جهاز الأمن العام الـ«شاباك» خلال مداولات داخلية حول تركيا، أنه عند التباحث حول تطبيع العلاقات مع أنقرة، يجب إدراج بند يفرض قيوداً على أنشطة حماس لدى تركيا»، حسب تقرير نشره موقع «إكسيوس» الأمريكي.