د ب أ

رغم النتائج الكارثية للصراع الروسي- الأوكراني الذي دخل أسبوعه الرابع، يرى بعض المحللين والسياسيين أنه يمكن أن يكون له جوانب إيجابية، إذا ما قاد إلى إعادة النظر في النظام العالمي القائم، وصياغة نظام جديد يكون أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار والسلام.

ويقول يورجن أورسترويم، وزير الدولة السابق في وزارة الخارجية الدنماركية، في مقال نشرته مجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية، إن الصراع يمثل دليلاً جديداً على تحولات توازن القوى في العالم. فقبل عقد أو اثنين، لم يكن أحد يتخيل اندلاع مثل هذا الصراع، الذي حدث بالفعل، لكنه يتيح للغرب فرصة لتشكيل نظام عالمي جديد، بعد أن تم إهدار الفرصة الأولى في التسعينيات بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، ثم الفرصة الثانية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية على نيويورك وواشنطن.

ويرى أورسترويم أن التحدي الذي يواجه الغرب حالياً هو تشكيل تحالف لوقف الهجوم الذي تقوده روسيا على النظام العالمي القائم على القواعد والقانون الدولي. ويجب ألا يتم تصوير هذا التحالف على أنه محاولة غربية لتحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما يمكن أن يتحقق في حالة واحدة فقط وهي اعتراف الغرب بوجود الكثير من الدول خارج محيطه لديها قيم مختلفة.

وإذا كان الغرب يتوقع أن تتبنى بقية دول العالم قيَمه، خلال فترة زمنية قصيرة جداً، مقارنة بالتاريخ الإنساني، فهو واهم جداً. وعلى الغرب أن يتذكر عدد السنوات الكبير الذي احتاجه لكي يبني نظامه السياسي والاقتصادي الحالي.

ويقول أورسترويم مؤلف كتاب «تحولات آسيا: من العولمة إلى الإقليمية» إن الجائزة الكبرى التي سيجنيها الغرب من صياغة نظام عالمي جديد ستكون إبعاد الصين عن روسيا. فالصين لن تحقق أهدافها في النمو الاقتصادي المرتفع والمستمر إذا ارتبطت بروسيا وليس بالغرب. والواقع يقول إن الصين لم تخرج الملايين من مواطنيها من دائرة الفقر إلا عندما لحقت بقطار العولمة الاقتصادية، مع اقتصاد سوق تحت السيطرة.

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

ومع ذلك فإن الصين ظلت بعيدة عن الغرب وقريبة من التحالف مع روسيا، وهو ما يبدو متعارضاً مع المصالح الأساسية للصين. فهل السبب في ذلك هو السياسة الخارجية المستندة إلى القيم للولايات المتحدة؟

القيادة الصينية تنظر بالتأكيد إلى ذلك باعتباره تهديداً. في الوقت نفسه، فإن الصين أدركت ما الذي أدى إلى تدمير الاتحاد السوفيتي وأنه يجب ألا يحدث ذلك مع الصين. وإذا لم يدرك الغرب والولايات المتحدة بالتحديد هذه المخاوف الصينية، فلن يمكن تشكيل تحالف واسع، وستشعر النظم المستبدة في العالم بالارتياح.

وبعد انهيار الكتلة الشيوعية في تسعينيات القرن العشرين، هنأ الغرب نفسه بالانتصار على التحدي الشيوعي. ثم مضى أبعد من ذلك بتبني رؤية تقول إن الديمقراطية النيابية هي أفضل نظام سياسي ليس فقط للغرب وإنما للعالم أجمع.

وبدأ الغرب يدعم القوى المؤيدة للديمقراطية في الدول الأخرى حتى لو كان ذلك ضد قوانين تلك الدول وعلى حساب الاستقرار الاجتماعي والسياسي فيها. ومن وجهة نظر الغرب، كانت تلك التصرفات قانونية ومشروعة، في حين اعتبرتها الدول الأخرى تدخلاً في شؤونها الداخلية. واندلع صدام حول المفاهيم، ما أدى إلى انقسام عالمي حول القيم السياسية وحقوق الإنسان، ينتظر لحظة الانفجار.

وبحسب أورسترويم، فإن نتيجة هذا الصدام ظهرت، فعندما تم طرح الصراع الروسي- الأوكراني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس الحالي، وقف الغرب متحداً متصدياً للهجوم على الديمقراطية، في حين لم تكن بقية دول العالم مهتمةً بنفس القدر بهذه القضية.

واضطر الغرب إلى تخفيف لغة النص المطروح للتصويت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من «إدانة» روسيا إلى «الإعراب عن الأسف». لذلك لم يكن العداء الذي أثاره تركيز إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على حقوق الإنسان والمصالح الاستراتيجية لبلاده مفاجأة.

فالعقبات التي تحول دون انتشار حقوق الإنسان، تتناسب عكسياً مع القوة والنفوذ العالميَّين للولايات المتحدة، وهو ما ظهر في اتجاه الصين نحو التحالف مع روسيا وتردد الهند في دعم الموقف الغربي.

ويختتم أورسترويم تحليله بالقول إن الخطر الحقيقي على الغرب هو اقتناعه بأسبقيته الدائمة وحقه في إلقاء المحاضرات على الآخرين بشأن شكل المجتمع الذي يجب أن يتبنوه، وبالتحديد استنساخ النموذج الذي تبنته الولايات المتحدة وأوروبا. فإذا تصرف الغرب بطريقة نبيلة وحسن رعاية لمصالح الدول الأخرى، فإن الصراع الحالي يمكن أن يمثل قوة دفع للقيم الغربية.

وأخيراً، فإن قوة أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، ستوجه رسالة تقول إن النموذج الأوكراني يستند إلى قيم أقوى مما هو ظاهر على السطح، ويتضمن قيماً قادرة على البقاء والنجاح خارج حدود الغرب.