الرؤية

تراجع علاقات الإمارات والسعودية مع واشنطن يهدد المسارات الأمنية والاقتصادية

الرياض وأبوظبي تناوران بايدن لكبح جماح سلبية البيت الأبيض مع الحوثيين

«وول ستريت جورنال»: واشنطن طلبت من القاهرة الوساطة بين البيت الأبيض والرياض

أعادت رحى الحرب الدائرة في أوكرانيا تموضع السعودية على رأس النظام العالمي الجديد، الذي ربما تنحسر فيه مكانة الولايات المتحدة لصالح الصين وروسيا؛ فإدارة بايدن التي تعمل جاهدة على تمرير العقوبات المفروضة على موسكو، تواجه جموداً في موقفي الرياض وأبوظبي برفضهما رفع سقف إنتاج النفط بنسبة تساهم في استقرار أسواقه العالمية؛ وهو ما ألقى بالكرة في الملعب الروسي، ووضع واشنطن ومعها معسكر الغرب في مأزق غير مسبوق، انعكست آثاره المباشرة على ارتفاع معدَّل التضخم، رغم قرار بايدن سحب 180 مليون برميل نفط من الاحتياطي الأمريكي على مدار 6 أشهر. ويبدو في ظل هذا المشهد انقلاب السحر على الساحر؛ فالإدارة الديمقراطية التي حرصت من البداية على عزل السعودية، وعزفت عن أي اتصال بولي العهد محمد بن سلمان، تستعين في الوقت الراهن بوساطة القاهرة لإثناء الرياض عن موقفها الرافض للتواصل مع البيت الأبيض؛ وبدا إلى حد كبير تطابق الموقفين السعودي والإماراتي إزاء الولايات المتحدة؛ فرغم الجهود الحثيثة التي تبذلها كبار شخصيات الإدارة الأمريكية بما في ذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكن لتحسين علاقات الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات، إلا أن علاقات واشنطن مع الرياض وأبوظبي تواصل تراجعاً غير مسبوق، وتلقي بظلالها على المساس بالعلاقات الأمنية والاقتصادية بين الدول الثلاثة.

إقرأ أيضاً..كيف حققت الهند «نجاحاً استثنائياً» في تصدير الحبوب الغذائية؟

وقف التنسيق

ولا يتجسَّد ذلك فقط في رفض الرياض وأبوظبي استقبال رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، أو تجاهل اتصالاته الهاتفية، وإنما في رفض العاصمتين العربيتين وقف التنسيق مع روسيا حول مستوى إنتاج النفط وتحديد أسعاره، وهو ما مكَّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التغلُب على العقوبات الأمريكية المفروضة على موسكو بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما عزّز حرَج الموقف الأمريكي، حسب صحيفة «واشنطن بوست» فتحت أبوظبي أبواب مصارفها ومؤسساتها الاقتصادية أمام رؤوس الأموال ورجال الأعمال الروس المؤيدين لسياسات فلاديمير بوتين، الذين سعت واشنطن والدول الأوروبية إلى المساس بهم.وعلى نحو غير مسبوق، بلغت حدة الموقف السعودي إزاء إدارة بايدن أقصى مداها بدعوة كبار الشخصيات السعودية إلى «التخلي عن التواجد الأمريكي في المنطقة، والاعتماد في المقابل على الشرق، أو بالأحرى الصين وروسيا». وحسب ما نقلته صحيفة «بوليتيكو» عن دوائر سعودية في هذا الصدد: «هذه هي نهاية الطريق بيننا وبين بايدن، وربما مع الولايات المتحدة بشكل عام»؛ بينما قال مصدر سعودي آخر رفيع المستوى: «ينبغي أن تنصب المحادثات المارثونية حول العلاقات بين الدولتين (السعودية والولايات المتحدة) حول كلمة واحدة هي طرد الأمريكيين من أراضي المملكة».

إصرار بايدن

ويبدو بوضوح لا يترك مجالاً للشك، انطلاق المواقف السعودية ونظيرتها الإماراتية من بوتقة إصرار الرئيس بايدن على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وهو الاتفاق الذي يسمح بتدفق مئات مليارات الدولارات على الخزينة الإيرانية، ويسمح لحكومة طهران مواصلة دعم وتسليح التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط بمنظومات قتالية بالغة الدقة في إصابة الهدف، والاستمرار في تهديد الدولتين الثريتين بالنفط، اللتين توقعتا دفاع الولايات المتحدة عنهما بموجب التحالف مع الولايات المتحدة.ولا ينفصل ذلك بحال من الأحوال عن رفض إدارة بايدن إمداد الإمارات المتحدة بمقاتلات من طراز F-35، وعزوفها أيضاً عن دعم السعودية ودول الخليج في الحرب الدائرة في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، ووصف مسؤول سعودي العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة بوضوح أكبر، وقال: «في الوقت الذي يكتنف الغموض السياسات الأمريكية، لا تميل السياسات الصينية في المقابل إلى التعقيد، إذ تعرض بكين على الرياض سياسة بسيطة للغاية، يقتصر مضمونها على المقايضة: «يمكن أن تبيعونا نفطكم، وتستطيعون شراء الأسلحة التي تحتاجون إليها عبر هذا الكتالوج؛ وفي المقابل ساعدونا في استقرار أسواق الطاقة العالمية».

إقرأ أيضاً..«سلة يورانيوم العالم».. لماذا تعتبر أوكرانيا بالغة الأهمية للاتحاد الأوروبي؟

مناورة محسوبة

رغم التصعيد السعودي – الإماراتي ضد إدارة جو بايدن، إلا أن واقع الحال يؤشر إلى مناورة محسوبة من جانب دول الخليج، لكبح جماح البيت الأبيض، وإثنائه عن سلبية المواقف حيال إيران وأذنابها في المنطقة؛ فحكومة الرياض على وجه الخصوص قطعت شوطاً طويلاً في محاولة كسب نقاط لدى واشنطن؛ وكان السعوديون كرماء في مقترحاتهم للحوثيين من أجل إحراز تسوية في اليمن، وأطلقوا سراح أقطاب المعارضة من السجون، فضلاً عن إطلاق مبادرات عملاقة في مجال حماية البيئة.وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، يميل السعوديون والإماراتيون إلى التموضع على خارطة النظام العالمي الجديد اعتماداً على الحرب الدائرة في أوكرانيا، وربما لا يعوِّلون في ذلك على الصدام مع الولايات المتحدة، وإنما يسعون إلى تحسين العلاقات معها؛ وفي الوقت نفسه التقارب مع اللاعبين الأكثر لمعاناً بمنظور ما بعد الحرب الأوكرانية: الصين وروسيا؛ لا سيما في ظل التطلع إلى المساعدة في حرب اليمن، وبناء برنامج نووي للأغراض المدنية، ومنح ولي العهد محمد بن سلمان بطاقة اندماج بين زعماء العالم؛ وقد يكمن الطريق إلى ذلك في إصلاح العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة، وهى العلاقة القائمة على النفط مقابل الأمن.

الدولار واليوان

وتدعيماً لهذه السياسية، لا تتنازل السعودية عن ممارسة الضغوط على إدارة بايدن، خاصة عندما أعلنت خوض مفاوضات مع الصين لتغيير مقابل العوائد النفطية من الدولار الأمريكي إلى اليوان الصيني. وتدرك الرياض المغزى من تلك الخطوة والرسائل المترتبة عليها، والتي يشير مفادها إلى أن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى الوحيدة، وأن الثقة في العملة الصينية قد تحطم قيمة الدولار، وتمنح الصينيين دفعة قوية في سباق تعاظم القوة الاقتصادية.وفي حين لا يبرح القلق الأمريكي مكانه إزاء تنامي العلاقات السعودية – الصينية بشكل خاص، والخليجية الصينية بشكل عام، لا يمل البيت الأبيض مواصلة جهوده الحثيثة لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها مع دول الخليج، وتحديداً مع أبوظبي والرياض؛ وكشفت تسريبات نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» أن واشنطن طلبت من القاهرة لعب دور وساطة بين البيت الأبيض والرياض، لإعادة ترتيب العلاقات فيما بينهما، وخلق آفاق جديدة لتهدئة الخواطر والتعاون المشترك في مختلف المجالات. وقالت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تباحث خلال زيارته الأخيرة للرياض حول سبل تهدئة الأجواء بين الرياض وواشنطن.


أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية