وسام الشنهاب

استخدم الغرب سلاح العقوبات الاقتصادية على روسيا لتفادي مواجهة عسكرية يمكن أن تنشب حرباً عالمية ثالثة، غير أن تلك العقوبات لا تقف عند حد تفادي المواجهة، بل تمتد لتكون بمثابة بالون اختبار في حال حاجة العالم لاستخدامها لاحقاً في أيّ مواجهات لا تتسق والقانون الدولي.خبراء أكدوا لـ«الرؤية» أن الهدف من وراء العقوبات إضعاف الاقتصاد الأوروبي والروسي معاً، من أجل خلق هيمنة أمريكية على كافة الصعد السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، وأشاروا إلى أن العقوبات باتت اختباراً ناجحاً بكافة المقاييس، وذهبوا إلى إمكانية إقراره في المنظومة الدولية داخل مجلس الأمن، ليستخدم ضد أي دولة تقدم على غزو دولة أخرى دون الحاجة إلى تصويت بما يحد من أي اعتداءات مستقبلية.

سلاح سلبي

واعتبر مدير مركز الحوار الروسي - العربي في سانت بطرسبورغ، دكتور مسلم شعيتو، العقوبات الغربية على روسيا سلاحاً سلبياً غير قادر على تغيير الموقف السياسي لموسكو، مدللاً على ذلك باستمرار دول كثيرة في سياستها رغم تطبيق عقوبات دولية عليها مثل كوريا الشمالية، فنزويلا، كوبا، وإيران، لافتاً إلى أن العقوبات لم تؤثر على تلك الدول بأيّ من الطرق، متسائلاً: كيف يمكن أن تؤثر تلك العقوبات على دولة قوية مثل روسيا، لا سيما وأنها تمتلك كافة مقومات الاستقلالية: الزراعية، الصناعية، الثقافية، الجغرافية، والعسكرية؟ ورجّح شعيتو إمكانية تأثر بعض القطاعات المرتبطة بالخدمات والسلع المتبادلة مع الدول الأخرى، بما يسهم في تراجع نسب النمو، مؤكداً أن القرار السياسي المستقل قد يلعب الدور الحاسم حول هذا الأمر، متابعاً: «إذا كانت الدولة لديها اتجاه واضح ومستقل يمكن أن تسير الأمور بشكل معاكس للاتجاه الأفضل، وهذا ما حدث في روسيا، إذ يساعد الاقتصاد الروسي جهات الإنتاج الزراعية والصناعية على التطور والسعي لإنتاج بدائل، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال زيادة إنتاج القمح ومشتقات الزيت والمواد الغذائية، والخدمات الداخلية».

إقرأ أيضاً..إيران تتخذ قراراً مثيراً للجدل حول برنامجها النووي

وأشار إلى أن العقوبات الغربية على روسيا بداية من إلغاء العمل بنظام السويفت، مروراً بمصادرة الأموال والأصول الروسية، وحتى إغلاق الحدود المشتركة وإيقاف التبادل التجاري طالت أوروبا أيضاً، لافتاً إلى أنها أثرت بشكل سلبي على روسيا والدول التي كانت تستفيد من التبادل التجاري معها، مشدداً على أن هذا التأثير السلبي للعقوبات على روسيا مؤقت وسينتهي على المدى القصير، غير أنه على المدى البعيد ستكون روسيا الرابحة، لأنها ستلجأ إلى السلع البديلة من خلال التعاون الموسع مع دول الاتحاد السوفيتي السابق، بالإضافة إلى دول أخرى كثيرة قد تشكل الأغلبية العالمية، ولم تشارك في تلك العقوبات بينها إيران والدول العربية، ودول آسيا، وأفريقيا، بالإضافة إلى الدول ذات الصداقة المباشرة مع روسيا مثل بيلاروسيا ودول أخرى محيطة يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي مثلما حققته في السابق خلال عصر الاتحاد السوفيتي.

وأكد إمكانية إحداث تغيير بنمط الحياة نتيجة لتلك العقوبات، لافتاً إلى أن هذا التغيير سينعكس سلباً على أوروبا والدول المشاركة في فرض العقوبات، إذ إن فنلندا على سبيل المثال يرتبط ازدهارها بعلاقات الوساطة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بما يجعلها تتضرر بشكل كبير من الوضع الراهن، لافتاً إلى أن كل تلك الأمور ترجع لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القرار السياسي في أوروبا منذ عقود، الأمر الذي ظهر إلى العالم في باكستان مؤخراً، موضحاً أن الهدف الأمريكي من وراء تلك الهيمنة هو إضعاف الاقتصاد الأوروبي والروسي معاً حتى تبقى الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة على كافة الصعد الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية.

الابتعاد عن وجه الموج

في السياق ذاته أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي، دكتور محمد بن دليم القحطاني، أن العالم دائماً يمر باختبارات، غير أن من الذكاء تجاوز المرحلة والابتعاد عن وجه الموج، لا سيما وأن العالم بات قرية صغيرة، لافتاً إلى أن روسيا تمتلك قوة عسكرية لكنها لا تمتلك قوة اقتصادية، خاصة وأن الجميع بدأ يبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسي والذي كان يعد مركز قوتها الاقتصادية، منوهاً بأن روسيا أخطأت بعدم استخدام الطرق الدبلوماسية وانجرت إلى آتون صراع لا يعرف مداه، موضحاً أن من حقها الدفاع عن نفسها في ظل تكالب الأعداء غير أن هذا الدفاع كان لا بُدَّ وأن يتسق مع القانون الدولي، مؤكداً أن القانون الدولي يحمي الدول من الغزو. وأشار إلى أن الجميع خاسر -أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية- من وراء العقوبات المفروضة على روسيا في ظل العولمة الاقتصادية، كون روسيا جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الدولية، مشيراً إلى أن مراحل التصعيد التي اتبعها الغرب بداية من التحذير والانعزال، مروراً بالعقوبات، تمنع نشوب حروب عالمية أخرى، منوهاً بأن المرحلة اللاحقة سوف تشهد نوعاً من الحصار على روسيا في البحر والجو كإجراء أخير رادع.

وحول كون العقوبات الراهنة بالون اختبار غربياً في المواجهات الاقتصادية المقبلة، اعتبر القحطاني أن العقوبات بالفعل اختبار ناجح بكافة المقاييس، وذهب إلى إمكانية إقرارها في المنظومة الدولية داخل مجلس الأمن، لتستخدم ضد أي دولة تقدم على غزو دولة أخرى دون الحاجة إلى تصويت، الأمر الذي من شأنه أن يحد من أي اعتداءات مستقبلية، ويعمل على تأصيل مبدأ «كوكب معولم» تستطيع الدول خلاله التفاهم مع بعضها البعض.وأشار إلى أن العقوبات الراهنة سينتج عنها دخول استراتيجيات جديدة على المنظومة الدولية تضمن تغيير اللغة الدبلوماسية بما يخلق سياسات وأنماط جديدة تجعل العالم أكثر تقارباً، لافتاً إلى أنه كلما تقارب العالم كلما زاد حدة تأثير العقوبات.

إقرأ أيضاً..«تليغراف» تكشف تفاصيل إطلاق قوة المهام الأمريكية بالبحر الأحمر

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

العولمة الاقتصادية

إلى ذلك، أشار مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، دكتور عبدالمنعم السيد، إلى زيادة انتشار سلاح العقوبات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وصعود الولايات المتحدة الأمريكية قطب وحيد لقيادة العالم، مؤكداً زيادة فاعليته مع انتشار العولمة الاقتصادية وما ترتب عليها من ارتباط الأنظمة المالية العالمية، لافتاً إلى أنه سبق واستخدمت الولايات المتحدة سلاح العقوبات ضد دول كثيرة، غير أن الشعوب هي من عانت بالدرجة الأولى في حين لم تصب الأنظمة السياسية التي تستهدفها تلك العقوبات بالأساس.وأكد أن العقوبات سلاح قوي ذات مردود سيئ على الشعوب والحكومات المتعاقبة، لافتاً إلى إمكانية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية سلاح العقوبات ضد دول أخرى مستقبلاً، وتحديداً الصين حال تحركت بعدوانية تجاه تايوان، غير أن الأمر يختلف مع الصين باعتبارها قوة اقتصادية لا يستهان بها، فضلاً عن استحواذها على أكثر من 17% من الناتج الإجمالي العالمي، مضيفاً: «حجم التداول والتجارة الخارجية بين الصين والعالم يتزايد بشكل كبير إذ لديها كثير من الشراكات التجارية والاقتصادية التي وقعتها مع دول العالم».وأضاف أن فرض عقوبات اقتصادية على الصين سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي ومعدلات النمو، تمتد تلك التأثيرات لترفع من معدل التضخم بما يقود إلى كساد اقتصادي عالمي، لا سيما وأن الصين تهيمن على سلاسل الإمدادات العالمية، فضلاً عن اعتماد الشركات العالمية على إنتاج جزء من منتجاتها داخل الصين.