سامي جولال

اختار إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي المعاد انتخابه، الميزو سوبرانو المصرية-عضوة أكاديمية الأوبرا الوطنية بباريس، فرح الديباني، لتغني «لامارساييز» (النشيد الوطني الفرنسي) في حديقة «شامب دو مارس» في قلب العاصمة باريس، حيث ألقى ماكرون خطاب النصر، بعد إطاحته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، التي جرت الأحد، باليمينية المتطرفة زعيمة حزب «التجمع الوطني»، مارين لوبان، وفوزه بمنصب رئيس الجمهورية الفرنسية للمرة الثانية على التوالي. وبعد انتهاء ماكرون من إلقاء خطابه في «شامب دو مارس»، غنى الحشد، الذي كان موجوداً هناك لسماع كلمة «سيد الإليزيه» القديم-الجديد، بداية «لامارساييز» مع الديباني، التي رددت، مرتدية فستاناً أحمر جذاباً، نشيد الفرنسيين، قبل أن يشكرها ماكرون بقبلة حارة على اليد. واهتمت كبرى المواقع الإلكترونية الإخبارية الفرنسية بالشابة المصرية، إذ نشرت خلال الساعات القليلة الماضية بروفايلات حولها، ومن بينها موقع صحيفة "لوباريزيان"، الذي وصفها بـ»المنتخَبة السعيدة».

من هي فرح الديباني؟

ولدت فرح الديباني (33 عاماً) في مدينة الإسكندرية، مصنع المبدعين في مصر. وبدأت حكايتها مع الفن في سن مبكرة، بفضل نشأتها في كنف عائلة موسيقية الروح. وقالت الديباني في حوار سابق مع قناة «بي بي سي» البريطانية، إنه لا أحد من أفراد عائلتها يعمل في مجال الموسيقى، لكن كلهم يحبونها، ويسمعون الأوبرا، تحديداً جدها، الذي كان يهوى العزف على البيانو، وكان يحب الأوبرا، ما جعلها تسمع لها منذ صغرها في البيت باستمرار. اكتشاف موهبة الديباني كان في المدرسة الألمانية، التي درست بها بالإسكندرية، والتي كانت فيها التربية الموسيقية، بحسب الديباني، مهمة جداً، وحصة الموسيقى من الحصص المهمة في المنهج، وهناك سمعها مدرس الموسيقى الألماني وهي تغني، وأخبرها أن صوتها يصلح للأوبرا. وتحدث مدرس الموسيقى لمغنية الأوبرا المصرية، نيفين علوبة، عن الديباني، التي قالت، في حوار على قناة «فرانس 24» الفرنسية، إنها بدأت تتمرن مع علوبة في سن الـ 14، وإنها تدين لها دائماً بالفضل، وإنها أعطتها كل شيء، وتغني معها حتى الآن في حفلاتها في مصر.

الاحتراف في ألمانيا

بعد حصول الديباني على شهادة الثانوية العامة، بدأت دراسة الهندسة المعمارية في الأكاديمية البحرية بالإسكندرية، لكن علوبة وجهتها لتذهب إلى دراسة الأوبرا بشكل احترافي في ألمانيا، وجهزتها وهي في سن الـ21 تقريباً لاجتياز اختبارات دخول جامعة الأوبرا في برلين، التي تكون عبارة عن مسابقة كبيرة يتبارى فيها 500 أو 600 شخص، بحسب الديباني، ليقبل منهم في النهاية 3 أو 4 مغنيين فقط في كل دورة دراسية، كانت الإسكندرانية واحدة منهم، لتنتقل إلى العيش في ألمانيا ابتداءً من عام 2010. ورغم ذلك لم تتخلَّ الديباني عن دراسة الهندسة المعمارية، مهنة والدها، إذ زاوجت في نفس الوقت في برلين بين دراسة هذا التخصص ودراسة الأوبرا، وهو ما لم يكن سهلاً عليها. وقالت الديباني أثناء استضافتها في إحدى البرامج التلفزيونية المصرية، إن ذلك لم يكن بالأمر السهل، خاصة أنها كانت تدرس التخصصين في نفس الوقت، إذ كانت تذهب إلى جامعة في غرب برلين وأخرى في شرقها، وأن الهندسة المعمارية دراسة صعبة جداً، ومتعبة بدنيا، والغناء نفس الشيء، لكن في المقابل الغناء الأوبرا يحتاج من الشخص إلى الاهتمام بصحته، وبمأكله وراحته.

وربحت الديباني التحدي الصعب، إذ حصلت في عام 2014 على بكالوريوس في الهندسة المعمارية، وآخر في الأوبرا، وبعدهما ماجستير في الأوبرا من ألمانيا أيضاً، قبل أن تشرع في دراسة ماجستير في الهندسة، لكنها لم تكمله، لأنها كانت قد تعمقت، بحسب ما قالته أثناء استضافتها في برنامج على إحدى الإذاعات المصرية، في الأوبرا، وكان يجب أن تركز فيها.

أوبرا باريس

وفي عام 2016، نافست الديباني 800 شخص من كل أنحاء العالم، لكي تلتحق بأوبرا باريس، التي يعتبر الالتحاق بها أمراً صعباً جداً، بحسب ما قالته الديباني على «فرانس 24»، لكنها نجحت في ذلك، والتحقت بأكاديمية أوبرا باريس في نفس العام. وقالت الديباني، أثناء حلولها ضيفة في برامج على إحدى القنوات التلفزيونية المصرية، إنها عندما وقفت لأول مرة تغني في أوبرا باريس، كانت تقريباً ستبكي، لأنها كانت أول مصرية تقف على ذلك المسرح، الذي وقف عليه كبار مغنيي الأوبرا من كل العصور. وترى الديباني في المغنية الإيطالية-المصرية الراحلة، داليدا، قدوة لها في الغناء والأداء على المسرح. وقالت الديباني، في حوارها مع «فرانس 24»، إنها نشأت على أغاني داليدا، وإنها عندما كبرت قليلاً بدأت تشاهدها وهي على المسرح، ومن غير قصد تعلقت بصوتها، وبطريقتها، وبأدائها.

إقرأ أيضاً..الانتخابات الفرنسية.. قادة العالم يرحبون بفوز ماكرون

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

جوائز وتكريمات

وكانت الديباني أول عربية تفوز بجائزة أفضل مغنية أوبرا شابة من أوبرا باريس في عام 2019، وهي جائزة رفيعة قالت الديباني إنها أهم جائزة حصلت عليها في وقتها؛ لأنها من أوبرا باريس، ومن مؤسسة مهمة جداً في عالم الأوبرا، وفي فرنسا، وفي العالم كله، وأضافت إليها كثيراً، ومنحتها دفعة لتكمل ما تقوم به. كما انتزعت الديباني مجموعة من الجوائز الدولية الأخرى، من بينها جائزة مؤسسة «فاغنر»، وهي مؤسسة مرموقة، وغنت بتلك المناسبة على خشبة مسرح الكوميديا الأوبرالية ببرلين، كما اختارتها مجلة عالم الأوبرا الألمانية كأفضل موهبة أوبرالية شابة. وكرم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الديباني في يوليو عام 2019، في إطار المؤتمر الوطني السابع للشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة. وقالت الديباني في حوار سابق مع قناة «بي بي سي» البريطانية إنها تفاجأت، وسعِدت، لأن هناك اهتماماً في هذا المجال، وأنها ترى منذ فترة أن هناك اتجاهاً من طرف الرئيس السيسي، والدولة المصرية عموماً، إلى الفنون. وتحدثت الديباني عن الأوبرا الجديدة، التي تبنى في العاصمة الإدارية «شرق القاهرة»، والمدينة الفنية التي تحدث عنها الرئيس. وقالت الديباني إنها صدمت، لأنه ليس أمراً عادياً يحدث باستمرار أن تكرم مغنية أوبرا في مصر، وأنه دائماً يتم تكريم فئات مثل الرياضيين، معبرة عن سعادتها الكبيرة، وفخرها، بأن بلدها ترى وتقدر ما تقوم به من عمل.

طموحات مستقبلية

وتريد الديباني في المستقبل تحسين مستواها، والوصول إلى العالمية، لكن الأهم بالنسبة إليها يظل هو أن تجعل الناس في مصر يعودون إلى حب الأوبرا كما كان الحال في السابق، وأن يزداد جمهور هذا الفن، ويرونه بطريقة ثانية، لأن الأوبرا تطورت.