غنوة كنان

تشهد أسواق العملات الرقمية تبايناً كبيراً، خاصة بعدما فقدت عملة لونا أكثر من 99% من قيمتها، وأصبحت العملات المشفرة مصدر قلق للمتداولين بعدما أصبحت لفترة طويلة تصنف كملاذ آمن بعد ارتفاعها لمستويات قياسية خلال فترة وباء كوفيد-19. وأدّى ذلك إلى قلق لدى المستثمرين الذين سارعوا إلى التخلص مما بحوزتهم من العملات الرقمية، ما أدّى بدوره إلى هبوط سوق تلك العملات. ومنذ أن اقتحمت العملات الرقمية الأسواق ومؤشرات الأسهم، يحيط بها العديد من الغموض، ولعل أكثر ما يرغب الأشخاص بمعرفته، معرفة الشخص الذي يقف وراء العملة الأكبر منها، وهي البيتكوين التي تُعد مقياساً يحدد مصير باقي العملات.

قصة البداية

بدأت قصة العملات الرقمية في عام 2009، عندما أطلق شخص غامض يطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو عملة البيتكوين، وهي عملة لامركزية، غير صادرة عن بنك مركزي أو دولة أو هيئة تنظيمية.

ونشأت عملة بيتكوين عبر نظام البلوك تشين، وتتم مراقبتها من جانب شبكة حواسيب حول العالم، وتتم عملية التداول بها عن طريق البورصات الرقمية.

والبيتكوين والعملات الرقمية الأخرى هي عملات غير ملموسة، وغير موجودة على أرض الواقع، وهي عبر أن أكواد رقمية مسجلة ضمن محفظة رقمية.

وباعتبارها أول عملة مشفرة، أصبحت البيتكوين هي الأكثر قيمة والأكثر شيوعاً بين آلاف العملات المشفرة الأخرى التي تم إنشاؤها منذ ذلك الحين

أخبار ذات صلة

الأسهم العالمية تتجه نحو تحقيق مكاسب أسبوعية
لوسيد تتجاوز هدفها وتنتج 7 آلاف سيارة كهربائية 2022

ارتفاع قياسي

تمت إتاحة عملة البيتكوين لأول مرة في عام 2009، إلا أنه لم يتم تداولها مطلقاً حتى عام 2010، وتم تعدينها فقط، ولذلك كان من المستحيل وضع قيمة نقدية لها، وفي نفس العام قرر رجل من ولاية فلوريدا دفع ثمن وجبتين من البيتزا بعملة البيكوين التي يمتلكها، وكانت قيمة تلك الصفقة حينها 10 آلاف بتكوين، أي ما يعادل 288 مليون و250 ألف دولار بحسب قيمة البيتكوين اليوم لتكون بذلك أغلى بيتزا بالتاريخ.

ومع ازدياد شعبية البيتكوين، وفكرة العملات اللامركزية، بدأت العملات الرقمية الأخرى بالظهور منذ عام 2011 وفقاً لموقع فوربس.

في عام 2013 وصل سعر البيتكوين ألف دولار، ولكنه بعد وقت قصير جداً بدأ السعر في الانخفاض مرة أخرى، ووصل إلى حوالي 300 دولار، وظل مستقراً لحوالي عامين قبل أن يصل إلى ألف دولار مرة أخرى.

وفي عام 2014، توقفت أكبر بورصة بيتكوين في العالم mt.gox وذلك بسبب اختراقها وسرقة أموال المتداولين حيث تمت سرقة حوالي 450 مليون دولار.

وفي عام 2016، ظهرة عملة الإيثريوم، وبدأت تنافس البيتكوين، وفي عام 2017 ارتفعت القيمة السوقية لجميع العملات المشفرة من 11 مليار دولار إلى ما يزيد عن 300 مليار دولار، ووصل سعر البيتكوين حينها إلى 10 آلاف دولار.

وفي أبريل 2021، تجاوز سعر البيتكوين حاجز الـ60 ألف دولار، ليسجل رقماً قياسياً بعد أشهر من الارتفاع الحاد، وبعدما تجاوز حاجز الـ20 ألف دولار في ديسمبر 2020.



لماذا البيتكوين شديدة التقلب؟



بحسب تقرير نشره موقع nextadvisor في أبريل الماضي، يرى الخبراء أن تقلبات العملات المشفرة ترجع بالغالب إلى السوق غير الناضج، والمستثمرين الذين تتحكم بهم مشاعر الخوف والجشع.

كما أشار التقرير أن هناك العديد من اللوائح والسياسيات التي تُعيد تشكيل السوق باستمرار وتسبب تقلبات جذرية، بالإضافة إلى تصريحات المؤثرين على السوشيال ميديا أمثال إيلون ماسك.

هناك أيضاً لوائح وسياسات جديدة تُعيد تشكيل السوق باستمرار وتسبب تقلبات جذرية. ثم هناك وسائل التواصل الاجتماعي.

فعلى سبيل المثال في حال غرد إيلون ماسك عن عملة البيتكوين على حسابه بتويتر، فإن التغريدة ستتسبب بتغيير قيمة العملة بنسبة 10% سواءً صعود أو هبوط.

وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي تتمتع بقدرة كبيرة بالتأثير بمشاعر وقرارات المستثمرين، فإن مؤلفة كتاب Cryptocurrency Investing for Dummies الكاتبة كيانا دانيال تنصح المستثمرين بعد الاستثمار بالعملات المشفرة بناءً على اتجاهات تويتر.

التعدين

بحسب موقع nextadvisor يتمّ تعدين حوالي 900 عملة بيتكوين يومياً من خلال عمليات التعدين، ولكن هناك اتجاهاً دورياً كل أربع سنوات يؤدي إلى خفض كمية البيتكوين الجديدة التي تدخل التداول بشكل يومي إلى النصف.

على سبيل المثال الكمية التي تم تعدينها في أبريل 2020، ستنخفض للنصف في أبريل 2024، وسيستمر الانخفاض حتى يتم تعدين آخر بيتكوين والذي من المتوقع أن يحدث في عام 2140.

وحدث هذا التراجع ثلاث مرات منذ طرح البيتكوين، ولكن لا يوجد صلة تأثير مباشر في هذا التراجع على تقلب أسعار البيتكوين، فأدّى الانخفاض الأول الذي حصل في عام 2012 إلى ارتفاع سعر البيتكوين، بينما أدّى الانخفاض النصفي الثاني الذي حدث في عام 2016 إلى انخفاض قيمة البيتكوين، ولم يشهد الانخفاض الثالث الذي جرى في عام 2020 أي آثار على سعر البيتكوين.

هل ستستمر العملات الرقمية؟

في ظل انهيارات أسواق العملات الرقمية مؤخراً المدفوع بأسباب تباين الأسواق العالمية أو ما يطلق عليه مرحلة تصحيح مسار الأسواق في ظل معدلات عالمية عالية من التضخم، وسباق الحكومات للسيطرة عليه من خلال رفع أسعار الفائدة.

مؤخراً فقدت عملة لونا الرقمية قيمتها لتصل إلى صفر، وعلى غرارها فقدت عملة ستيبن الرقمية 22% من قيمتها في 28 مايو الماضي، وتم تداولها قرب مستوى 0.9 دولار، لترتفع بعد ذلك إلى مستوى 1.08 دولار.
ومن ناحيته يقول كالفن تشينغ الرئيس التنفيذي لشركة كالفن تشينغ القابضة المختصة باستثمار رمز المعجبين والحاصلة على ترخيص في إمارة دبي، أنه لا أحد يمكنه التنبؤ في حال كانت العملات الرقمية ستستمر أم لا.
ومؤخراً اعتبرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أن العملات المشفرة لا تساوي شيئاً،
وقالت في تصريحات تلفزيونية: «تقديري المتواضع للغاية هو أنّها لا تساوي شيئاً. إنه لا يعتمد على أيّ شيء، ولا يوجد أصل أساسيّ للعمل كمرساة للأمان». ودعت صانعي السياسة العالميّين إلى وضع قواعد لحماية المستثمرين عديمي الخبرة الذين يراهنون على الأصول الرقميّة.
وتعليقاً على ذلك قال تشينغ في تصريح خاص للرؤية أن تعليق لاغارد يدل على عدم فهمها في عالم التشفير.
مشيراً إلى أن ما يحدث الآن والانتقادات التي يشهدها عالم الأصول المشفرة يشبه ما حدث في التسعينيات عندما اعتبر كبار السن بأن شبكة الإنترنت مجرد كذبة.

هل كل العملات الرقمية معرضة للقيمة صفر؟

تقول فرح مراد - محللة أولى الاسواق المالية لدى شركة الوساطة المالية إكس تي بي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه على الرغم من أن العملات الرقمية تم تسويقها على أنها مستقلة تماماً عن الأسواق الأخرى، فأنها فشلت في ذلك على الأقل في الوقت الحالي
ومن الممكن أن ينهار سعر أي عملة مشفرة إلى الصفر طالما أنها ليست مدعومة بأي أصول مادية بحسب ما أشارت المحللة مراد.
وقالت: «كما رأينا مع انهيار سعر تيرا ولونا. حيث بمجرد تلاشي الوفرة وجفاف السيولة، انهارت الأسعار بأكثر من 99%، وقد لا تكون هذه الحالات فردية بالفعل»
وأضافت: «بالنسبة للمشاريع الكبيرة كالبيتكوين والإيثيريوم، يجب أن نشهد تحولات ضخمة للسماح بمثل هذه الخسارة الكارثية للقيمة أن تحدث».

جميع العملات المشفرة معرضة لخطر الصفر

ومن ناحيته يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي أحمد الخطيب أن أي عملة مشفرة معرضة لأن يصل سعرها للصفر في حال اختلال عملها وتوقف الطلب عليها، لأن سعر العملة في النهاية يرتفع بسبب الطلب عليها كون لها استخدام معين، وهذا ما حصل في عدة عملات عندما ثبت أن الهدف الذي أنشئت من أجله غير قابل للتطبيق أو لم ينجح.

عوامل انهيار العملات الرقمية

تلاشي الطلب

تقول المحللة فرح مراد، أن انهيار سعر العملات المشفرة إلى الصفر يعني أنه أصبح من غير الممكن استبدالها أو تداولها.

ويأتي الانخفاض بسبب انخفاض السيولة من جانب الطلب إلى الصفر في الوقت الذي لا يوجد ارتباط للعملة بأي أصل مادي يحميها من الانهيار.

الحظر

وأشارت إلى أن العوامل الأخرى التي تسبب في انهيار العملات الرقمية، هي حظر عملة معينة أو الأصول المشفر بالكامل بشكل موحد من قبل كل الدول والجهات التنظيمية، ما يحول دون استخدامها أو امتلاكها بشكل قانوني كما هو الحال في بعض البلدان كالصين والهند، ويعني ذلك إزالة شبكة الأصول المشفرة بالكامل - ونظرياً، سيحول هذا دون إمكانية تحويل الأصول من جهة لأخرى، ما يجعل العملة عديمة القيمة.

غياب السلطات التنظيمية

ومن ناحيته يرى الخطيب أنه لطالما أن سلطات التنظيم والرقابة ليست موجودة في عالم العملات المشفرة، فمن الممكن حصول عمليات إفلاس بسبب فشل المشروع أو سوء نية القائمين عليه.

ويعود ذلك لأن غياب التشريعات والقوانين لا يعطي المستثمرين في العملات فرصة الحصول على كافة المعلومات المتعلقة بالعملات أو بالأعمال الخاصة بها.

وأشار إلى أنه هناك توجهاً لتنظيم العمل وإصدار التشريعات المطلوبة، ما سيحسن الوضع تدريجياً في هذا القطاع.

الارتفاعات السريعة

وترى المحللة فرح مراد، أن الارتفاعات غير المنطقية في أسعار العملات المشفرة، لا تُعد بمفردها مؤشراً على النجاح طويل المدى أو على أساس قوي للعملة المشفرة.

ومن جهة أخرى يدافع المؤيدون للعملات الرقمية بأن العملات الحكومية كاليورو والدولار فكّت ارتباطها بأي أصل ذو قيمة جوهرية كالذهب.

ملاذ آمن

أحد الأسباب الرئيسية لشعبية العملات المشفرة خاصة الكبيرة منها كالبيتكوين هو اعتبارها وسيلة تحوط من التضخم حيث إن عدد البيتكوين ثابت، ولا يمكن أن يتأثر بزيادة المعروض.
وتقول مراد أنه بسبب عدم ارتباط العملات بأي نوع من الأصول المادية وضيق انتشارها في الاقتصاد التقليدي وموجة التراجعات في الأصول الخطرة أصبح هناك هجرة المستثمرين من سوق التشفير إلى أصول أكثر أمانناً، مشيرة إلى أن تحركات العملات المشفرة تحاكي تحركات مؤشرات الأسهم الامريكية كالناسدك بشكل شبه تام في الأشهر الأخيرة.
وأوضحت أن العملات المستقرة التي اعتبرت على رئس «الملاذات آمنة» نسبياً في سوق العملات الرقمية، أصبح من الواضح أنها لا يمكن أن تكون بمثابة مخزن آمن للقيمة مع انهيار كل من لونا وتيرا خاصة مع توجّه مشروع التيثر مؤخراً لرفض تدقيق احتياطاتها بالكامل.
وأوضح الخطيب أن العملات الرقمية لم تصل أبدا لتكون ملاذاً آمناً، ولم تحصل على تلك الثقة أبداً رغم أن هناك من يروج لذلك بأن تلك العملات ستكون بديلاً للعملات التقليدية وبالتالي ستكون الأصل الذي سيحافظ على القيمة، مشيراً أنها حتى الآن بقيت العملات جاذبة للمضاربات بشكل كبير بسبب التذبذبات العالية جداً في أسعارها.
ولكن حتى الآن لا يزال هناك أفراد يعتقدون أن العملات المشفرة ستحلّ محل الخدمات المصرفية المركزية «غير العادلة» و«الخطيرة» وأن اللامركزية هي المستقبل. بالنسبة لهؤلاء، فإن شراء الأصول الرقمية يتجاوز مجرد استثمار أو تحوط بل إيمانه بمستقبل العملات المشفرة.

سيناريو جيري كوتين مره أخرى للواجهة

أعادت منصة نيتفلكس لصناعة المحتوى مؤخراً قصة جيري كوين الرئيس التنفيذي لشركة، شركة الاستثمار المشفرة الرائدة في كندا، QuadrigaCX إلى الواجهة مرة أخرى، و تسائل البعض هل من الممكن أن تختفي البورصات على غرار شركة QuadrigaCX ويخسروا جميع أموالهم.

ففي عام 2018، كان جيري كوين يقضي شهر العسل في الهند ليتم الإعلان عن وفاته بطريقة مفاجئة، في حين أن لا أحد سواه يملك كلمة المرور للوصول إلى حوالي 250 مليون دولار أمريكي التي يمتلكها حوالي 75 ألف عميل، لتختفي الأموال تماماً.

ويظهر الوثائقي الذي عرضته نيتفلكس، والذي يحمل عنوان Trust No One: The Hunt for the Crypto King" أنه حتى الآن هناك العديد من نظريات المؤامرة حول وفاة جيري كوتين، في حين يرى البعض أن الوفاة مجرد لعبة وأنه قام بعملية تغيير لملامح الوجه وسرق الأموال وهرب للعيش في أحد الجزر.

و تقول المحللة فرح مراد، أن الملكية الفردية للعملات المشفرة يجب أن تكون غير قابلة للتغير وثابتة، وتضيف أنه عند إنشاء حساب في إحدى بورصات العملات المشفرة مثل QuadrigaCX سابقاً، غالباً ما يتم تخزين العملات المشفرة الخاصة بالعملاء في محفظة تتحكم فيها المنصة، وفي حال توقفت البورصة تماماً عن العمل كما حدث في أوائل عام 2019 عندما أعلنت المنصة إفلاسها عقب موجة من طلبات السحب من قبل المستثمرين المتخوفين من تراجعات الأسعار، وفقد المستثمرون التحكم بحساباتهم على المنصة.
وكدلالة على ذلك، اعترفت Coinbase، وهي أكبر بورصة للعملات المشفرة مؤخراً، أنه في الوقت الحالي يمكن محو جميع حسابات المستخدمين، بحيث يصعب عليهم التحكم بأموالهم في حالة الإفلاس.

نصائح للمتداولين عند انهيار العملة

على الرغم من الهبوط الحاد للأسعار أظهر سوق العملات المشفرة قوته مراراً وتكراراً، وحتى حالات الإفلاس كانهيار عملة لونا لم تشكل تهديد لأساسيات المشاريع الأخرى التي أثبتت جدواها، على الرغم من أن هذه الانهيارات قد تضر معنويات السوق على الأقل على المدى القصير.

وقد تكون فترات الانكماش الدوري، قد تكون التراجعات فرص جيدة للدخول في انتظار دورة صعودية أخرى.

وتنصح فرح مراد المتداولين الذين يرغبون في دخول سوق التشفير في أوقات الهبوط انتقاء العملة التي يرغبوا الاستثمار بها بحسب تاريخها والتكنولوجيا التي تعتمد عليها وتفسيرها البيئي وما إلى ذلك.

وفي حال كان تاريخ العملة واقعياً وإيجابياً، فقد تكون فرصة الشراء جيدة في أوقات التراجعات، أما في حال أظهرت العملة ثغرات كبيرة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها بسبب ضجة الأسواق، فقد يكون وقتاً جيداً لبيعها، حيث إنه في سوق على التذبذب من المهم على المستثمرين أن يقوموا بتقييم أي عملية من منظور واضح وطويل الأجل، وإجراء بحث مستقل بعيداً عما هو شائع.

وتنصح مراد، المتخوفين من إفلاس منصات التداول، التوجه لتخزين الجزء الأكبر من الممتلكات في محفظة باردة لأن هذا الخيار هو الأكثر أماناً، واستخدام محفظة ساخنة للكميات الأصغر من العملات المشفرة لتكن متاحة للتداول، حيث يتم المخاطرة بجزء صغير فقط من الممتلكات على المنصة.